الدكتور زاحم محمد الشهيلي
يمكن تعريف الدبلوماسية من الناحية الروحية خارج اطارها التقليدي الرسمي؛ بانها مهنة مقدسة ووظيفة ذات عطاء دائم ومتجدد، تستمد قوتها وبريق عملها من روح ووجدان وضمير الموظف المكلف بخدمة خارجية من خلال الفهم العالي للمهمة الموكلة اليه، مضافا لذلك المهنية في التصرف المستمد من الرقي في الاخلاق والنزاهة في العمل والتعامل، وحفظ الامانة والمحافظة قدر الامكان والالتزام بروح القانون الاداري والعرف الدبلوماسي والمعاهدات والاتفاقات الدولية، وعدم التجاوز والتحايل عليها باي شكل من الاشكال لدواعي قد تكون شخصية او نفسية على حساب المصلحة العامة.
ان روح الدبلوماسية تتجسد في روح الموظف الدبلوماسي ومدى فهمه للفقه الدبلوماسي عالي المستوى الذي لن يكون في اية حال من الاحوال مجرد حركة دؤبة او نشاط يقوم به المكلف لتحقيق بعض الامور الروتينية في العمل والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التقليدية الطافية على المسرح الدبلوماسي او تجسيدا لمظهر لائق يتصف بالاناقة وكيفية تناول الطعام وتحدث اللغة وما شابه ذلك. ان من ضمن اهم المفردات الفقهية المعبرة عن روح الدبلوماسية الحية تكمن في كيفية التصرف كـ دبلوماسي حين تكون لوحدك على المحك في مواقف معينة وانت صاحب القرار، وهذا الامر يتطلب الغوص في روح الدبلوماسية التي تتجسد في الولاء الوطني والخبرة المستوحاة من بحر الفقه الدبلوماسي الذي ليس مجرد اجتهادات وشطارة يتغمصها الشخص الدبلوماسي المكلف باداء مهمة مقدسة، وانما هي روح ناعمة يجب التعامل معها برومانسية عالية الشعور بالمسؤولية، وهواء نقي يتنفسه الدبلوماسي في كل لحظة يعيشها في هذا السلك المقدس.
لذلك فان تراكم الخبرة في العمل الدبلوماسي من خلال الخوض في التجارب المختلفة يحصن الموظف بمناعة من احتمالية ارتكاب الاخطاء في التصرف واتخاذ القرارات التي لا تحتاج العودة الى المرجعيات العليا، وانما تحددها الجهود الشخصية المبنية على الاجتهاد في التفسير غير الخاطىء للحالات والظواهر السياسية والاقتصادية والثقافية لتجنب الوقوع في الخطأ الجسيم الذي قد يكلف الدبلوماسي مستقبله الوظيفي. وعليه يعد التواصل البنيوي للمهارات وتنمية القدرات والخبرات من الامور المهمة التي يكون لها مردودا ايجابيا على العطاء الوظيفي المؤطر بالتعليمات والقانون، وفي تلك الحالة يكون الجهد الشخصي في اطار مفهوم روح المهمة الدبلوماسية مكملا في صقل شخصية الدبلوماسي مهنيا وفكريا وعقائديا.
ووفقا لهذا المنظور وبناء عليه، فإن احترام المرجعيات الوظيفية – المهنية – والاستئناس برأيها يعد مصدرا للتمويل الفكري والمهني لموظف الخدمة الخارجية الذي يجنبه الوقوع في مشاكل ومطبات قد تواجهه في مسيرة حياته الوظيفية، وبما انه على الانسان ان يبقى طالبا للعلم من المهد الى اللحد، لذلك ليس عيبا على الدبلوماسي ان يسأل اقرانه في الوظيفة أو رؤساءه في العمل عن بعض الامور الغامضة عليه التي تتعلق باكتساب الخبرة في العمل لكي يقي نفسه ويجنبها الوقوع في الخطأ الغير مقصود احيانا الذي ربما يكلفه الكثير من المعاناة حين تأخذه العزة بارتكاب الاثم.
لذلك يعد التعامل بمهنية وحذر بنشر الاخبار في الاعلام السريع من الامور المسلم بها في اطار قدسية الوظيفة الدبلوماسية وروحها النقية لكي لا يترتب على ذلك مآخذ من شانها ان تضر بسمعة الشخص والكيان السياسي والثقافي للدولة والمجتمع، حتى لو افترضنا ان الغرض منها شريفا، والقصد من ذلك يتسم بالبراءة واريد منه منفعة عامة.
وعليه تعول البلدان المتقدمة على تراكم الخبرة لدى الموظفين الدبلوماسيين – الذين ينعتون بالمخضرمين – ذوي الخبرة المتراكمة التي تعزز الجهود الشخصية للدبلوماسي في العمل المهني الدؤوب الذي يرتكز على قواعد رصينة يكون الخلل فيها نادر الحدوث او مستحيلا، لذلك لا يصلح كائن من يكون للعمل في هذا السلك المقدس، ولا يصح التعامل مع المؤسسة الدبلوماسية كغيرها من المؤسسات الخدمية الاخرى في الدولة، لان ذلك سيفقدها روحها البريئة القائمة على النقاء والاخلاص والاخلاق السامية، وحسن التعامل مع الاخر، والحس الوطني المرهف الذي يجب ان يصدح في عقول الموظفين وضمائرهم الحية بعيدا عن الكراهية والتحايل وسلب الحقوق بسبب غياب الرقيب المنصف الذي تهمه مصلحة الدولة والشعب.
19.1.2019