رواية (مهرجان الببغاوات), للكاتبة ملاك الاحمد , حرفة سردية جديرة بالدراسةmalak Malak Alahmed
كتابة: فهد عنتر الدوخي
من نسيج مدينة كركوك المتين, حملت هموم الكتابة بسرد غزير محكم ولغة عالية الاتقان وعبرت عن ضائقة النخب وتردي حال الجيل الذي اتقن لعبة( الأركيلة) ولم يعرف كيف يفكك شفرة أي كتاب قد يقع بين يديه, وحتى الكتاب المدرسي, حلت محله( الملزمة)سيئة الصيت, لانذهب بعيدا عن رواية( مهرجان الببغاوات) للروائية الانيقة الاستاذة (ملاك الاحمد)..
من خلال قرائتي المتأنية لهذه الرواية والتي وظفت فيها الكاتبة, افكارا تتوائم مع حرفة السرد الحديثة وبنيان القص الجميل المدهش, إذ ابتدعت رؤى وبيئات وامكنة افتراضية وحتى توفقت في استنساخ الزمن وعكس معطيات واحداث موثقة في اديم الادب واجناسه,إخترعت زمنا من عندياتها تحاكي فيه اعلاما من ادبنا العروبي المعاصر,( بدر شاكر السياب, لميعة عباس عمارة , عبد الرزاق عبد الواحد, نازك الملائكة, نزار قباني) وآخرون, استطاعت الروائية( ملاك الأحمد) أن تجدد رداء حقب زمنية عاشها هؤلاء من خلال شخصية خيالية غريبة متمردة , متصعلكة, اسماعيل, البطل الذي جاب فصول الرواية بحضور مكثف وهو يلبس ادوارهم, إذ أن الأمر لم يقتصر على ابراز نجوميتهم وأنما حشر نفسه بفضول وتطفل, وهو يصنع مشاهدا اجتماعية وحياتية وعلاقات عمل وكتابة ونشر ودراسة, ومحاضرات, وأساتيذ, وملتقيات, ومهرجانات, وكانت ردت فعل الكاتبة التي صنعت هذه الشخصية بعنوان الرواية(مهرجان الببغاوات) وقد أفلحت في هذا الإختيار,إذ يعد انتفاضة على ظاهرة تردي الملتقيات الأدبية والاجتماعية التي تسيطر عليها الكتابات الرخيصة التي لاترقى الى مستوى الخلق والابداع الذي تحتمه ثقافة الملتقيات هذه, حتى تؤكذ ذلك من خلال مادونته على الغلاف الأخير للرواية..(أريد الأبتعاد عن مهرجانات الأقنعة والببغاوات والرياء, اريد التفرد كالنوارس والرحيل ال قمم الجبال, بعيدا جدا عن هذا الصخب المصطنع, اريد التعمق والتجول بين مكتبات العالم واسرار الكتب وعلم القلم وغابات الأدب, اريد السفر لحقبة زمنية خاصة, حيث شخوصها هم الشغوفون فقط حيث لا مجال للتصنع والرياء, اناس يتنفسون الحروف لهم اعين ذات عدسات مكبرة, خلقت لتقرأ وشفاه تنطق باللغة العربية الفصحى فقط, واذرع طويلة تحمل اصبعا اضافيا لكل كف اليمنى للكتابة تكون على شكل قلم والاخرى للرسم تكون على شكل فرشاة, وإذنا على شكل نوتة موسيقية تستمع للموسيقى العذبة واقداما,لالا يمتلكون اقداما بل اجنحة تحط بهم اينما شاءت رغباتهم)..
رواية( مهرجان الببغاوات) للكاتبة الروائية ملاك الاحمد صدرت في بداية هذا العام 2022 عن دار السماوات للنشر والتوزيع قام الشاعروالمهندس احمد كلكتين بتصميم الغلاف, تقع الرواية ب(146) صفحة من القطع المتوسط .
من البديهي ان كتابة الرواية تخضع لمعايير كثيرة, وشروط وعناصر, ليس من السهولة الألمام بها, أي أن الدراسة الأكاديمية ليست كافية لتجعل السارد يشمر عن ساعديه ليصنع عملا روائيا مقبولا ما لم يصاحب ذلك موهبة ورغبة ودراسة وعناية ومتابعة, ودقة في استخدام مفردات اللغة وتنويع مصادر الفكرة, وقد فرضت على الرواية كجنس ادبي صعب المراس قوانين متغيرة مع تغيير بنى المجتمع مراحل تطور حياة الانسان وتأثيره الفاعل في حركة التقدم العالمية,رواية(مهرجان الببغاوات) كتاب يستحق الدراسة والعناية به, لقد لفت عنايتي اسلوب الكاتبة المتقن وهي تصنع الاحداث وتوظفها بلغة راقية جدا, الامر الذي جعلها تتقن لعبة الحداثة بشكل ذكي ومثابر, وهي تتجول بوصف عالي الدقة للظرف المفعول فيه,حتى اخذت المتلقي برحلة مكثفة بالافكار,واعتنت بالبناء الانشائي السردي بحكمة ودراية وخبرة, وجدنا توظيفا لافتا لكلمات ومصطلحات غير نمطية قد دعمت الجملة السردية وعضدت حداثة الفكرة, نقرأ في الصفحة(64)…
(كان صاحب الصوت رجلا خمسينيا يتقدمه صفا , يرتدي بدلة بيضاء تناسب الطقم, وجهه يبدو مترهلا بعض الشيء مع شاربين رفيعين بلون كستنائي, ربما قد صبغهما إكراما للحفل وتجلس بالقرب منه فتاة عشرينية جميلة الطلة بهية وطازجة متوردة الخدين, رفيعة الحاجبين مقوسة من الاعلى مع شعر بني محمر منسدل بنعومة يلامس كتفيها الناعمين, كانت تبدو عليها علامات التوتر حتى انها تحمل منديلا ورقيا تمسح جبينها المتعرق بين الحين والاخر, ولكن نظرات الرجل ذي البدلة البيضاء كانت لاترحم قلقها او منديلها المبلل وكلماته التي صارت تذهب لإتجاه آخر شيئا بعد شيء, بعد أن كانت مجرد تلميحات, صارات واقعا ملموسا مثل كفه السمراء التي باتت تنزلق فوق التنورة الملساء ذات اللون الأزرق, وكلما إشتدت لمساته واقعا, كلما اشتدت حروفه.سأجعلك تكونين من كاتبات الصف الاول….الخ)…
اضاءة…
ملاك احمد خورشيد الاحمد
موظفة لدى دائرة صحة كركوك
درست في جامعة الكتاب.
لديها اهتمات في الاخراج التلفازي, اخرجت بعض الافلام وعرضت في مسابقات دولية.
تكتب القصة القصيرة والمقال, ولديها محاولات في كتابة القصيدة الحرة,
نشرت كتاباتها في الصحف والمواقع الالكترونية.