رهـف الفؤاد
قال لها سأعود إليكِ فالقدر لا يمنحنا الحبّ مرتين ، هي ولادة واحدة للروح ، والحنين الأول يبقى خالدًا في قلوبنا من مهد الحبّ إلى لحد الحياة .. أَحبّته وتزوّجت بغيره ، قصة تُثير الفضول ويتكرر عنوانها على مسامعنا في معظم الأحاديث وقد سمعتُ وشهدتُ بأم العين الكثير منها على مر عشرين عامًا.
“رهف” أخفت عشقها عن فؤاد خوفًا من وضعها الإجتماعي ، لكنهُ بادلها الحبّ بشفافية ونقاء الأوفياء ، رغم حواراته القليلة ، كانت مشاعر فؤاد تنبثق من عينيه كلما مرّت بطرفه ، عِشقٌ بنسخة واحدة ، خطّ قداسة الانصهار الروحي في زمنٍ غطاهُ رماد الماديات والمصالح ، لم يستطع لجم حزنه حين أخبرته بحتمية الفراق ، بهجة اللقاء ، باتت خنجرًا غُرسَ في أحشائه ، مزق ما تبقى منه.
عبثيّة القرار أحرقت حكمة رجولته ولم يؤمن بصك براءتها رغم المبررات والأعذار ، تعذر عليه استيعاب الحقائق ، فالكابوس أصابه بالذهول ، مضت “رهف” ومضت أحلامه معها ، تركت خلفها جثث الأماني مكدسة ، لأسباب معيشية ولإلتزامات أُسرية وعادات رجعية ، تقاسمت “رهف” ريعان شبابها مع التعاسة ، لكنّ بريق الرخاء أوقف نبض قلبها وامتصّ من دمها سريان الفرح.
كيف يدفن البشر مشاعرهم كرمًا لمصالح الآخرين ؟
سؤالٌ حيّرَ فؤاد لعدّة سنين
شَرقٌ تستّرَ بعباءة التقاليد البالية ورضوخٌ أنثويٌ أجّج شراسة التسلّط ، لفّ ذكرياته بوشاح الحزن مكابرًا على الجرح ، ورحل يشقُّ عُباب قدره في غربة التهمت غضبه ، قاومَ بكلّ ما فيه مغريات الغربة حتّى استسلم بعد مضي أربعة أعوام إلى سُنّة الحياة ، فأسس أسرةً غمرها بحنانٍ تعافى من شظايا الزمن ، ثم عاد إلى وطنه بعد أن تصالح مع نفسه ورتق شرخ الحبّ الغائر في روحه ، لكنّ رياح المصادفة اغتالت قناعة نسيانه على جدار اللقاء فابتلع كفَّ السلام حتى أيقن أنه لم يُشفَ من إدمانه الأبدي.
تبًا لسحابة الذكريات التي عبرته كنسمة حنين ، لكن اشتعال الأسف في عينيّ “رهف” كان جواز مروره إلى المجهول من جديد ، ابتلعت غُصّتها ثم أخبرته عن انفصالها بِأنفاسٍ مُتهدّجةٍ ، وعباراتٍ اختارتها بحذر شديد ، إلا أنها شرعت أبوابًا لن تسلم من محرقة دخولها مجددًا.
تكررت اللقاءات وكان الإنتظار في كلّ مرّة يحمل في طياته الحيرة والتردد والعديد من الاحتمالات ، إلى أن تلاشت فكرة الانسحاب ، مغامرتهما قاتلة ، هي غارقةٌ في ذنب تفكيك أسرته ، وهو لا يخشى المغامرة والحبّ ، مُتعبٌ يراقب رصف الأحداث بصمت ويختبر تأثيره في صياغة النهايات.
المواجهة حُسمت لا عدول عنها
نعمة أم نقمة ؟!
تسقطُ بين ذراعيه فيستحيل الهروب ، تحصد منه الشقاء وترتفع به إلى أسمى درجات البقاء ، لا إنكار له مهما خدعتَ نفسك بالنسيان ، حتميته تَهزُّ عرش الأرض وتتحدى ذئاب الظروف.
الظلم واختراق شرع الله لا مبرر له ولا مفرّ من عواقبه ، والأقدار المؤجلة بصنيع البشر لن تتغير ، لا حداد على العشق الأبدي فهو متجدد الإيمان يطارده الموت ولا يعتقله.
لإناث الشرق إرادة التمرد وإن قمعن ولم يُترك لهن حيزًا للحياة.
رصانة تربيتهن لا تعني تملكهن ، وقمة الإجرام إبرام الصفقات على حساب أعمارهن.