رمادٌ لا يُهدي الأمل
فاطمة هادي شاكر القريشي
ما من يوم يمر إلا وكان بالنسبة إلى فاديا يوماً جديداً تشعر براحة نفسية حين تنتابها سكرات الحب ، وهي تتخيل لقاءاتها مع من تحب ، لكن تضمر أشياء تقرع أوتار غيرتها وعدم اطمئنانها لمستقبل عشقها الذي تعده سامياً لاشائبة فيه .
لقد عاشت فاديا قصة حب مع شاب وسيم يدعى أيمن ، وكثيراً ما تتصور حبها يعادل حب ليلى لقيس .
وذات يوم وهي على المرآة تسرح شعرها فانتابتها فكرة أنَّ الفرح لايدوم وأن مصير الجمال الذبول طالما ليست هناك ديمومة ترعاه ، وأن أنياب الزمن مُكشَّرة في كثير من المواقف والطموحات التي تتأملها .
كل يوم مع إشراقة شمس الصباح تدعو أن يكون أيمن من نصيبها ، وهي تجد من عطفه وحنانه لها خير مأمل للإقناع بأن الحياة ندية وجميلة طالما يمخر ذكراه عباب مخيلتها بأجمل الصور وأنداها .
وفي صباح يوم مشرق من ربيع 2018 كانت فاديا جالسة بجانب أيمن وهو يقود سيارته بينما هي تبحث عن وسيلة لسماع أغنية؛ ليعيشا نشوة الحب معاً :
– قمري أنت , ممكن لو تسمح بجهازك لاستمتع بأغنية .
-تفضلي حياتي ، وهو يبتسم ابتسامة عريضة ، ظهرت أسنانه البراقة جميعها .
وصادف أنْ نزل ؛ ليجلب لها عصيراً ، فإذا بإشعار أتى على جهازه من اسم لم تعهده من قبل .
شعرت فاديا بقلق ؛ لأنَّ كل أصدقاء أيمن كانت على معرفة بهم من خلال ما يتحدث عنهم ، حاولت تسجيل الرقم من دون علمه ، وبعد عودتها إلى البيت تأكدت أن صورة البروفايل بنت لكن مسجلة في جهاز أيمن باسم رجل ، استغربت فلمست أنَّ في الأمرِ سِرَّاً
ظل القلق والشك يساورها ، فتولدت أفكار كثيرة تزعجها لكن لم تبيِّن له ذلك فحين التقيا في اليوم التالي ، قالت له :
-أيمن من اتصل بك أمس حين كنا سويةً ؟
-متى؟
– أمس حين كنت استمع إلى أغنية في جهازك.
– أها أحد أصدقائي .
ازدادت فاديا شكوكاً وغيرةً على أيمن ، فلم تتماسك ، فقالت له بعصبية :
-أيمن هذا ليس ولداً إنما بنتاً .
-أجل ولد ….. صمتَ قليلاً ثم استرسل قائلاً : وما دليلك على أنها بنت ؟
-نعم بنت ،…صمتت قليلاً , ثم استرسلت القول : إذا كنت مصراً على أنه ولد اتصل به أمامي , وهي تبحلق عينيها بعينه .
-آسف لم يوجد لديّ رصيد كافٍ للمكالمة الآن .
انهمرت دموعها وتأكدت أنَّ أيمن يخونها ، وهي التي وضعت كل ثقتها وأخلصت له بحبها الذي تعيش معه كلَّ لحظة بأمان وراحة .
وبمرور الأيام عرفت فاديا أن أيمن له علاقة مع تلك البنت ، ولم ينقطع عنها يوماً لكن أيمن بفضل قدراته الإقناعية وحب فاديا أقنعها أنه قطع علاقته بتلك الفتاة .
مضت شهور وفاديا تتعلق يوماً بعد يوم بأيمن بعدما وعدها أنه لم يخنها فيما بعد ، ولم يبد ما يجعلها تشك به منذ ذلك اليوم . بينما أيمن لم يكن كذلك ولم ينهِ علاقته بتلك الفتاة ، بل كان يخفي تلك العلاقة وبحذره الشديد استطاع أنْ يطمئن فاديا بينما هي ازدادت اطمئنانا لذلك .
لكن الشيء الذي أجهض أمال فاديا أن أيمن أبلغها أنه خطب إحدى أقاربه كرهاً، لكنه طلب من فاديا أنْ تسامحه لأنه خطب بأمر من والده وأنه لايترك فاديا مهما تطلَّب الأمر .
شعرت فاديا أنها مشوشة من هول الصدمة التي تعرضت إليها من أيمن وبدأت تُسائل نفسها :هل هو زير نساء أم مفتون بهن ؟ . فالتفتت إليه قائلة له :
-أنت من أيٍّ من البشر ؟
-أنا عاشقك الولهان !
-أي عشق أتحبني وأنت خطبت وعشقت غيري… وهي تطبق كلتي كفيها على أذنيها ، بينما عيناها مغمضتان حين تتكلم معه .
-والله البنت ليست حبيبة ، إنها قريبتي مريضة مجرد ألهمها الصبر، و ليس إلا وهو يضع كفه على فمه ؛ ليبين استغرابه منها .
حاولت أن تصدق كذبه وتغليب عاطفتها على عقلها على الرغم من أنها غير مقتنعة بذلك .
فكانت كلما تدخل على متصفح أيمن ترى صورته مع خطيبته ؛ مما يزيدها رهقاً وحزناً ؛ لكنها حين تلتقي به تكابر ، فبدأت تهزل من شدة الحزن والكبت .
وفي يوم عيد ميلادها بينما أيمن الذي كان يؤملها أن يزرع في أفراحها بساتين مسرات ويروِّي من عرقه ورد وجنتيها الممزوجتين بضوء القمر ، وهو على موعد معها ، كأي بنت تنتظر حبيبها ؛ ليلقي عليها باقات تحايا ويسهر معها يؤملها الارتباط بها ، فإذا به يراسلها :
– كل عام وأنت بخير ياقمري ، كل عام وأنتِ نور عيوني وكل حياتي .
– وأنت بألف خير يارب عساي لا حُرِمت منك .
وعلى الرغم من أنَّ فاديا كانت تعلم أن أيمن لم يكن من نصيبها ؛ ما جعلها تتناسى الموضوع ؛ فهي تحلم أن تكون زوجة له .
قبل ليلتين من عيد ميلادها نشرت خطيبة أيمن محادثة لها معه ، وهو يتغزل بها ما جعل فاديا تبكي بحرقة ، وهي تندب حظها العاثر غير قادرة على مواجهته . وفي الليلة التي تلت ذلك ، التقى بها أيمن وهو يذكرها بليلة أمس :
-أراك منزعجة منذ ليلة البارحة !
-لم أكن منزعجة ، لكني أشعر منذ ليلة أمس بدوار كاد يقتلني
– لا لا ، شعرتُ أنك منزعجة من المنشور الذي ظهر لك في صفحتي .
كبرياؤها لم يسمح لها أن تبين مدى انزعاجها ، فأرادت أن لاتعير أية أهمية لذلك .
– عن أي منشور تتحدث ؟
– إعلمي، لم أكن أنا مَن أنزل المنشور, إنما سيناء هي من استعملت جهازي دون علمي ونشرته على حين غفلة مني !
فاديا أرادت أن تصدق على مضض كلام أيمن ، لكنها قرأت تاريخ الرسالة التي بعثها لها أيمن وتاريخ نشر المنشور ، فكان لسوء الحظ إنهما متقاربان ، فقد كانت رسالته لخطيبته الساعة 9: 11 ص في حين لم يكن أيمن في ذلك الوقت نائماً كما ادعى ؛ لانه أرسل رسالة لها الساعة 11:10ص . ما جعلها توقن أنه يكذب عليها منذ أول يوم تعرف عليها .
انزعجت فاديا كثيراً ، فظلت تبكي بحرقة ، وبدت عليها علائم الاكتئاب منذ أن علمت أنَّ أيمن خطب ، ويكاد يقترب من زواج خطيبته ، وما عاد أن يكلف نفسه بالاهتمام بها كما كان من قبل لكن فاديا كعادتها تبقى تنتظر أيمن يرد عليها في كثير من رسائلها له إلى أن تتعب وتغفى .
فاديا لم تاخذ العبرة ؛ لأن أيمن فيما يبدو لم يحبها ، بل أرادها وسيلة ؛ لسد فراغه ، وهي تحاكي نفسها فتقول :
-عن أي حب أتكلم ؟ أهذا هو تعريف الحب الذي انتهى في زمن الكورونا أم ماذا ؟ أتدَّعين يا فاديا أن حبيبك أيمن هو متيم بك؟ أتوهمين نفسك أنه يحبك ؟
تعبت فاديا من التفكير وعظم تساؤلاتها إلى أنْ ساءت حالتها الصحية مع مرور أيام من عيد ميلادها فنُقِلت إلى المستشفى بعد تدهور حالتها الصحية ، فاكتشف الطبيب أنها في آخر مرحلة من مرضها بالسرطان ، فما عاد ينفعها أيِّ علاج فهي كانت تشكو من علل الحب التي تضاعفت لديها بعدما دهمها المرض بنسبة قليلة وقد تعافت منه قبل سنوات .
ومرت عليها أيام تدهورت حالتها فقطعت الطعام ثم الكلام ، بينما أيمن الذي مرضت بسببه لم يسأل عنها حتى أخذت حالتها الصحية بالنازل إلى أن أتى ذلك اليوم الذي ارتاحت به من خيانة أيمن وخداعة ، فتركته للأبد يعيش مع خطيبته الذي ادعى أنه لم يطق إكمال حياته معها ، لكن الخديعة والافتراء أذهبت فاديا إلى ربٍّ كريم تشكوه ظلم وخيانة ذلك الرجل الذي أوهمها أن الحياة ملك من يحب بإخلاص.
ذهبت فاديا وكفنها الحزن الذي ألمَّ بها ، وهي مَن كانت تردد على مسامع أيمن أنها تتمنى أن تموت بين يديه ، وصدقت القول أنها ماتت أسيرة حبة الذي ظلت تعيش في أحلامها الموهومة ، بينما ودَّعت في ليلة غاب منها قمر السماء .