رغم تفشي الفساد وإهدار المال العام والبطالة بالإقليم.. لماذا لا يتظاهر أكراد العراق؟
صلاح حسن بابان
انقلبت المعادلة هذه المرة وصارت بغداد تستفسر من أربيل عن أسباب عدم ولادة توأم ما يعرف بثورة تشرين فيها مع توسع رقعة الفساد وانتشار البطالة وغياب فرص العمل، إضافةً إلى تأخر صرف الرواتب لأكثر من شهرين في وقتٍ كانت كردستان العراق تعاتب العاصمة بغداد لسكوتها على إهدار المال العام وضياع مستقبل البلاد على يد الطبقة التي تحكم منذ العام 2003.
ومازالت شرارة احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول مندلعة في بغداد والمحافظات الجنوبية رغم أنها تحمل في صدرها أكثر من 500 مقبرة لقتلاها وآلاف الجرحى والمعوقين والمفقودين من المتظاهرين، متمسكة بالمضي قدما حتى إنهاء جميع مظاهر الفساد في البلاد وتقديم قتلة المحتجين للعدالة.
وسجّلت ثورة تشرين أسطورتها في صفحات التاريخ باعتبارها أطول مظاهرة احتجاجية مدنيّة تستمر في العراق منذ 17 عاماً رغم عشرات المظاهرات التي انطلقت في أوقاتٍ مختلفة دون أن يُصيب شريانها أو وريدها الاحتجاجي أي قطع أو دخول غضبها مرحلة الملل أو الكلل والاستسلام للقمع الذي تتعرض له منذ عام تقريباً، بل ازدادت فيها الشحنات الإيجابية للاستمرار نحو تحقيق جميع الأهداف.
لماذا السليمانية؟
ووسط تساؤل مثير عن أبرز الأسباب التي تمنع ولادة توأم تشرين في كردستان العراق رغم أن الإقليم شهد حتى الآن عشرات المظاهرات الاحتجاجية ضد الفساد المستشري فيه وتأخير الرواتب وغيرها من الأزمات الأخرى، تزداد الشكوك عن اقتصار مظاهرات الإقليم في مناطق السليمانية دون أربيل ودهوك والمناطق الكردية الأخرى.
ويرى مراقبون أن الطبيعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإقليم تختلف تماماً عما هو موجود في بقية المحافظات، ومن سمات هذا الاختلاف أن كردستان ليس دولة، ومهدد بفقدانه لكيانه المحصور بحدود معينة، وهذا ما يجعله عاجزاً عن ولادة توأم مظاهرات تشرين.
ولا يرغب جزء واسع من سكان الإقليم، لاسيما الطبقة التي تفكر بعقلانية، بانهيار الأوضاع وتحولها الى فوضى عارمة بل يطمح بمظاهرات احتجاجية تكون ضمن الحدود الإصلاحية، كما يقول الصحفي الكردي شوان محمد، متوقعاً تفكك الكيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي للإقليم في حال تطورت الأمور نحو العنف.
وأصبح الشارع الكردي كمن لا صاحب له خلال السنوات العشر الأخيرة بعد أن قررت حركة التغيير الكردية المشاركة في الحكومة وترك ساحة المعارضة، وهذا ما يمنع ولادة ثورة جماهيرية في كردستان العراق مثل انتفاضة تشرين مع عدم وجود أي طرف يجمع أقطاب المحتجين.
وعادةً ما تقتصر المظاهرات الاحتجاجية في الإقليم على محافظة السليمانية والأقضية والنواحي التابعة لها الخاضعة لسلطة الاتحاد الوطني الكردستاني دون محافظتي أربيل ودهوك الخاضعتين لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني نتيجة لوجود اختلاف تاريخي بين المنطقتين، إذ امتازت السليمانية وعبر التاريخ بمواقفها السياسية المختلفة على عكس المناطق الأخرى التي تفتقر لهذه الحيوية نوعاً ما، حسب محمد.
وعُرفت السليمانية منذ نشأتها عام 1774 أن شعبها متمرد ولن يركع بسهولة، ويمتاز بثقافته العالية، وهذا ما جعله باستمرار يخرج بمظاهرات احتجاجية غاضبة ضد السلطة الحاكمة.
ناشطون بالسجون
ويؤيد أبو بكر هلدني عضو برلمان الإقليم عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني رأي الصحفي، ويرى أنه من طبيعة الحزب الديمقراطي منع إقامة أية مظاهرات مهما كان سببها بالمناطق الواقعة تحت إدارته، فالكثير من الناشطين مازالوا في السجون حتى الآن لمشاركتهم في المظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت بمحافظة دهوك قبل نحو شهرين.
ويتهم هلدني السلطات في الإقليم بسرقة رواتب الموظفين تحت ذريعة العمل بنظام ادخار الرواتب والاستقطاع، وقال للجزيرة نت إن كردستان أصبحت بدون أي رفاهية لأنها تعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ 6 سنوات متتالية.
ويجب أن تكون هناك مظاهرات جماهيرية غاضبة تشارك فيها جميع الفئات وعلى مختلف الأصعدة والمستويات مع عصيان مدني، إلا أن عدم حصول هذا الأمر -حسب هلدني- يعود إلى وجود سلطتين بكردستان لكل منها سلطتها الأمنية والاقتصادية والسياسية.
أما السبب الآخر فيعود لوجود عدد كبير من الموظفين في المؤسسات الحكومية الذين يساندون سلطة الإقليم، وهذا ما يمنع إقامة مظاهرات مثل ثورة تشرين، بحسب هلدني. ويشير إلى أن السبب الثالث يكمن في أن الإقليم ليس دولة مثل العراق.
إصلاحات في النفط
بدوره يقول كاروان كه زنه يي عضو برلمان الإقليم عن كتلة الاتحاد الوطني أن حزبه يؤمن بالمظاهرات الجماهيرية والمطالبة بالحقوق المشروعة وحرية التعبير وفقاً لأسس الحزب التي اعتمدها منذ تأسيسه، مؤيدا مظاهرات الجماهير احتجاجا على تأخر الرواتب مع استمرار الأزمة الاقتصادية.
وانتقد كه زنه يي الأطراف الأخرى في كردستان التي تمنع إقامة مظاهرات في مناطق إدارتها، مؤكداً أن أي حكومة لن تكون ناجحة ما لم تنفذ مطالب شعبها.
واعتبر أن البيئة التي تنطلق فيها مظاهرات مدنية سلمية تكون حيّة دائماً، داعياً حكومة كردستان لتلبية مطالب الجماهير بإجراء إصلاحات شفافة بعدة مفاصل في مؤسسات الإقليم لاسيما قطاع النفط.