رسالة ( شوق) في زمن الكورونا !
زيد الحلٌي
عندما انبلج الصباح ، وجدتُ نفسي امام المرآة .. تناولت فرشاة اسناني ، ومررتها في فمي على عجالة ، ومددتُ يدي الى ماكنة الحلاقة الصغيرة ، فحلقت ذقني بسرعة غير معتادة ، دون ان انتبه الى حقيقة ، وهي انني لم اكن على موعد ضروري ، كي انهض مبكرا ، باستثناء ان النوم لم يصاحبني ليلا حتى الهزيع الاخير ، فتعكر مزاجي ، فاطل عليّ الغبش ثقيلاً ، متعباً ..
فماذا افعل ؟
توجهتُ الى مكتبتي المتواضعة في البيت ، وجلستُ امام حاسوبي ، وبدأت متفحصاً بريدي الخاص في صفحتي على “الفيس بوك” فوجدتُ طائرا ، غريداً فيها ، حمل سطوراً من سيدة ، غابت سنوات ، لم تنطق بالسؤال عني ، بل نطقت صرخة ، زلزلتني ، حيث قالت بعد ان ذكرتني باسمها وشخصيتها ، وكأنها في جبة النسيان ، وهي التي كانت ملئ العين والقلب والوجد في سنوات عمري النديّ : ” انها باكية القلب ، حزينة النفس ، دامعة العينين لأنها ” قرأت يوما عبارة في احدى منشوراتي فيها ما يوحي ان حياتي في زمن ” كورونا” تتأرجح قلقة مثل بندول الساعة بين الألم والملل والضجر والتعب..
توقفتُ امام سطور الرسالة ، واحترتُ بم أجيبها ؟
اختنقت بداخلي الكلمات وارتعشت أصابعي وهي تنضد على الحاسوب بعض كلمات الرد لها ، واهتزت شفتاي وأحسستُ طرف ابتسامة باكية عليها ، لكن وجداني رفض الاعتراف بهذه البسمة ، واختلطت في رأسي الأفكار، فلا أعرف ماذا يجب عليّ ذكره ، وماذا يجب عليّ فعله .. كأن اللحظات ، وصور البعاد بيننا ، ترفض المبارحة ، انا حزين عليها ، فقد انساق خيالها الى حيث اللا قرار!
انا مدرك ، ان الوجد الانساني ، كشجرة الزيتون .. لا تنمو سريعاً .. ولكنها تعيش طويلاً ، ومدرك ايضا ، ان بين التجذر والنسيان ، خيط دخان .. قد ينقطع بنسمة هواء ، لذلك ، نحن نتقابل مع الناس في كل لحظة .. ولكننا لا نتقابل مع أنفسنا إلا نادراً ، والحب هو المقابلة مع النفس .. فكيف مع مشاعر نبيلة ، توقعت انها انتهت ، لكنها عادت الى الحياة ، عبر سطور ” عابرة ” كتبتها ربما بظرف خاص، فشعلت نارا مخبأة تحت رماد المشاعر الانسانية ؟
لماذا اشرتُ الى هذه الواقعة ، التي يدل اطارها العام الى إنها ذات خصوصية واضحة المعنى ، لكني وجدتُ ان الإشارة اليها ، ضروري ، حينما ندرك اننا ضمن مجتمع تتوالد فيه المصادفات وتتكاثر فيه العلاقات العامة وتزداد على سطحه العواطف بمختلف صورها.. فكيف نتصرف ازاء مثل هذا الموقف ، سواء كان هذا الموقف عاطفيا ام سياسيا ام اجتماعيا ؟ وهل نجعل النسيان طريقاً للتغاضي واسدال الستار ؟ واسئلة اخرى تسحب معها العديد من التساؤلات .
ان صور الحياة اليومية ، تبقى عالقة في الوجدان الجمعي منذ مرحلة الوعي المبكر وحتى العمر المتأخر ، تأبى الزوال والهروب ، فالحياة ليست تعارفاً بين أشخاص وحفظ أسماء وابتسامات وزيارات وروايات يتبادلها الأفراد فيما بينهم ، إنها نسغ صاعد ونازل ، ورؤى وتفاهمات وحكايات تنبع من الذات ..
شكرا للإنسانة التي حفزتني سطورها ، على كتابة ما كتبتُ ، بعيدا عن السياسة وحرارة الجو وانقطاعات الكهرباء وزحام الشوارع !