رجب طيب أردوغان “البطل المنقذ” للعرب
بقلم: الدكتور زاحم محمد الشمري
إن من اولويات السياسة الغربية ادامة اتقاد النار في منطقة الشرق الادنى لاعتبارات عديدة منها سياسية واخرى اقتصادية وحضارية – دينية. لذلك عملت الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وبعض الدول الاوروبية على افشال جهود المفاوض العربي في تحقيق أي تقدم يذكر في التوصل الى حل جذري للقضية الفلسطينية. وإيماناً منها بمبدأ المماطلة والتسويف الذي تمارسه واختلاق الذرائع، أخذت تعمل وبإستمرار على صناعة “البطل القومي” أو “البطل المنقذ” لقضية الشرق الاوسط، القضية العربية، فظهرت عدة شخصيات في حياة المجتمعات العربية تنادي بإنهاء الوجود الصهيوني في فلسطين، والتي اتُخذت كذريعة من قبل الغرب للتدخل المباشر أو غير المباشر في المنطقة العربية لحماية الامن القومي الاسرائيلي من ما يسمى بـ “الثائرين العرب”. حيث انتهت هذه التوترات السياسية بفوضى عارمة اجتاحت البلدان العربية تحت مسمى “الربيع العربي” و”القاعدة” و”داعش”.
وفي خضم هذه الاحداث اختفى أو تم انهاء دور “البطل القومي” العربي، ليبدأ دور “البطل المنقذ” المسلم، ليعتلي منبر المطالبة بحقوق الشعب العربي الفلسطيني المغتصبة، يحضى بتأييد الشارع العربي ودعمه. ويعزى ذلك طبعاً الى عدم اتفاق العرب انفسهم على رأي موحد تجاه القضية الفلسطينية وقضاياهم المصيرية لارتباط قراراتهم بتوجيه أمريكي مبني على الموقف الاسرائيلي الذي يحاول دائماً اجهاض المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بتأييد أمريكي معلن على حساب العرب.
– هكذا تمت صناعة “البطل المنقذ” للعرب في أروقة المخابرات الامريكية والاسرائيلية! رجب طيب اردوغان مثالاً!
قررت الولايات المتحدة الامريكية المضي قدماً في تنفيذ مشروع “الشرق الاوسط الكبير” الذي اعلنه بوش الابن، والذي أُستبدل مؤخراً بتسمية “الربيع العربي”، الذي صنعته ثورات الشعب العربي الغاضب في كل من تونس ومصر وليبا واليمن وسوريا، وتساقطت امامه الانظمة العربية الدكتاتورية الواحدة تلو الاخرى، كما تتساقط الثمار الناضجة في الصيف، والذي تسبب في حدوث فوضى عارمة وتراجع في مواقف الانظمة العربية الجديدة وانحسار الاخرى باتجاه تحقيق ما يمليه عليها الشرطي الامريكي في المنطقة، لضمان الصمود امام هذا السيل العارم من الثورات، والبقاء اطول فترة ممكنة في الحكم. وهذا هو حال دويلات الخليج العربي التي تحولت الى مؤسسات تنفيذية للمشروع الامريكي- الاسرائيلي خوف تغيير انظمتها وخارطتها الجيوسياسية، والتي تنتظر دورها بألم.
ولتجنب المواجهة المباشرة مع الشعب العربي، كما حصل في العراق، قررت الادارة الامريكية واسرائيل على صناعة “البطل المنقذ” لهذه الامة من رحم الفوضى التي انزلقت اليها، لملئ الفراغ أولاً، وتحجيم الدور الايراني وتحقيق مآرب سياسية اخرى ثانياً، شريطة أن يكون هذا المنقذ من خارج المنظومة العربية، لكنه مسلم ويحضى بتأييد الشارع العربي، لاعادة القضية العربية برمتها الى المربع الاول، ولضمان المحافظة على الامن القومي الاسرائيلي واستمرار توسعها على حساب الاراضي العربية، بعد اختفاء كفتي التوازن في المنطقة المتمثلة بالعراق ومصر.
وقع الاختيار هذه المرة على رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ـ رئيس حزب العدالة والتنمية القادم من خلف القضبان ـ ليلعب هذا الدور ويجيد فيه بحرفيه.
ومن اجل ان يكون هذا “البطل المنقذ” مسلماً مقبولاً لدى الشارع العربي والاسلامي، كما اسلفنا، تركوه يتشاجر مع الرئيس الاسرائيلي ويتهمه بالكذب دفاعاً عن القضية الفلسطينية، وسط صمت أمريكي وغربي … ويتمادى أكثر وينتقد ويساهم في جريمة قتل المواطنين الاتراك الابرياء عند ارسالهم الى غزة لكسر الحصار عن حركة حماس المحاصرة من قبل الاسرائيليين، ليصبحوا دروعاً بشرية لرصاص الجنود الاسرائيليين، ويقتل منهم أكثر من (20) شخصاً، وسط جعجعة مفتعلة اثارها أردوغان ضد الحكومة الاسرائلية لتهدئة الشارع التركي وامتصاص غضبه، والتي صاحبها تأزم مفتعل في العلاقات التركية – الاسرائلية، المتينة في جميع المجالات، وسحب السفير التركي من اسرائيل.
وتزامناً مع هذه الاحداث تم عرض فلم تركي مترجم الى العربية “وادي الذئاب” الذي تم فيه اطلاق النار من قبل بطل الفلم على العلم الاسرائيلي، والذي اثار حفيضة اسرائيل واحتجاجها المفبرك على الحكومة التركية، ومطالبتها بايقاف الفلم. ولم يوافق اردوغان في حينه على مطالب الحكومة الاسرائيلية، لكنه تم منع الفلم بعد ذلك، مثلما تم رفع الصور من على شبكة المعلومات الدولية “الانترنت” التي تحكي قصة اسطول الحرية وقتل الاتراك من قبل الجيش الاسرائيلي.
وطبل اردوغان كثيراً لموقف تركيا الداعم لحصول الدولة الفلسطينية على العضوية في الامم المتحدة وسط رفض امريكي واسرائيلي لهذا التوجه، في حين انه يعرف جيداً بأن الطلب الفلسطيني سيصطدم بالفيتو الامريكي، وهذا ما لاحظناه في مجلس الامن … بالاضافة الى ذلك عمل أردوغان على اقامة المواكب الحسينية في شوارع اسطنبول بمناسبة عاشوراء، التي لم تألفها العاصمة التركية سابقاً، لكسب ود الطائفة الشيعية في الوطن العربي، واستقباله لقيادات هذه الطائفة والطوائف الاخرى، ليحضى بتأييدها في صياغة مواقفه تجاه ما يحدث في الدول العربية … مما جعل ملك السعودية يمنحة “جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام”، رغم ان تركيا تحتفظ بقواعد أمريكية لضرب الدول العربية والاسلامية القريبة منها بحجة مكافحة الارهاب، ولها معاهدات واتفاقيات بهذا الخصوص في اطار حلف الناتو والتحالف الدولي.
إن المواقف الايجابية المفبركة لاردوغان المساندة للسلطة الفلسطينية لم تخدم القضية الفلسطينية اطلاقاً أو قضايا الدول العربية الاخرى، وإنما زادت من تعقيداتها، وكانت مادة للاستهلاك الاعلامي فقط، الهدف منها كسب ود المواطن العربي واللعب بمشاعره وزيادة جراحاته، لتحقيق مصالح الامبراطورية العثمانية، التي يحن لها أردوغان دائماً، على حساب الشعب العربي المسكين والطيب، الذي تغره دائما المواقف البراقة، التي تتحدث عن التحدي الديني والثقافي والكرامة ومقاومة المحتل، في حين انه لم يمتلك ابسط وسائل الدفاع عن نفسه، لذلك تراه الخاسر الاكبر في المعركة على مر التأريخ.
ولم تتوقف طموحات اردوغان عند محاولته تصدير المشاكل التركية الداخلية الى الوطن العربي واعادة امجاد الامبراطورية العثمانية في المنطقة العربية فقط، وإنما للثأر اليها من العرب ايضاً، الذين تآمروا مع الانكليز لانهاء نفوذها في الشرق الادنى، حسب الادعاءات التركية … بالاضافة الى كسب ود الغرب على حساب العرب لحصول تركيا على عضوية الاتحاد الاوربي البعيدة المنال، وشراء صمت أوروبا وامريكا المطبق تجاه ما يفعله أردوغان بالشعب التركي الكردي من قتل وتشريد … يصاحب ذلك قطع مصادر المياه عن العراق وسورية وعدم اعتراف تركيا بالمعاهدات والاعراف الدولية الخاصة بذلك.
كل ذلك من خلال الدور الذي يلعبه وسيلعبه أردوغان في المنطقة العربية، والذي من سماته الحالية التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية بتوجيه غربي – أسرائيلي دون الاكتراث بالنتائج، والذي وصل الى حد احتقاره وشتمه للقادة العرب البؤساء، ومطالبته اياهم بالتنحي عن السلطة بعد ان نصبته امريكا واسرائيل وصياً عليهم واجاز لنفسه كـ”بطل منقذ” التحدث باسم الشعب العربي، الذي مضى وبلا رجعة في التغيير الى ربيع الديمقراطية الذي اختاره لنفسه، والذي يجب ان يكون دون تدخل اردوغان او أوغلوان من خارج الحدود.
وفي ضوء ما تقدم نقول للحكومات العربية، خاصة التي جاءت الى كرسي الحكم نتيجة الربيع العربي، والتي بحاجة الى المساعدة الخارجية في بناء الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي دمرت، وكذلك التي تنتظر دورها في التغيير، حذاري من الدور التركي في المنطقة العربية، وعليكم ان تتعاملوا بحذر مع الحكومة التركية ولا تطلقوا يدها في البلدان الى حد التدخل في الشؤون الداخلية وصناعة القرار السياسي والاقتصادي، لان ذلك سيكلفها كثيراَ وستدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً، ذلك لان الاتراك لايحبون أحداً الا انفسهم ولا يحترمون أحداً الا انفسهم، ومصلحتهم فوق كل المصالح، وهذا ما لاحظناه في تعاملنا معهم على مر القرون الماضية.
ان اجتياح القوات التركية للحدود العراقية من الشمال بحجة تدريب قوات عراقية على حرب (داعش) الارهابية دون علم الحكومة العراقية او اخذ موافقتها، وكذلك الاصرار على البقاء لحد الان، ومحاولات اردوغان المتكررة لجر المنطقة الى حرب اقليمية طرفيها روسيا وايران من جهة وتركيا والسعودية وحليفاتها من جهة اخرى، سيكون له انعكاسات سلبية ليس فقط على الامن القومي العربي والاقليمي، وانما على الامن القومي والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي التركي، وبذلك يكون الرئيس اردوغان قد قام بتنفيذ دور “البطل المنقذ” للعرب بحرفية منقطعة النظير، والذي سوف لن تسلم تركيا من تداعياته السلبية مستقبلاً. (وجهة نظر خاصة)