رؤية نقدية لرواية الحرب والسلم للروائي الروسي تولستوي
بقلم /مجاهد منعثر منشد
الروائي الروسي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي (1828- ت 1910) كان يعتنق الديانة المسيحية و يعود نسب عائلته الارستقراطية إلى رجل نبيل أسطوري يُدعى إندريس.
أشهر أعماله روايتي (الحرب والسلم) و(أنا كارنينا) وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، فهما يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية. وكل مؤلفاته عن الحرب جاءت إدانة لها وهجوما عليها.
إن رواية الحرب والسلم التي تدور أحداثها قبل 60 عامًا من الزمن الذى كتبت فيه تقريبا في ستينيات القرن التاسع عشر ، كان لها أثر واضح في مفهوم الكتابة فى العالم , فهي إحدى أطول الروايات التي كتبت عبر التاريخ، وتضم أربعة مجلدات. وتُعَد واحدة من عيون الأدب العالمي الحديث.
هذه الرواية الملحمية تتناول مراحل الحياة المختلفة وتصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة ما بين 1805 و1820م, لا سيما أثناء غزو نابليون لروسيا عام 1812م. وملخصها البحث عن الإنسان الذي ضيَّعته الحروب والتفرقة الطبقية.
قدم فيها الروائي فنا أدبيا يصور تاريخ أمته من خلال الجمع بين الرواية والقصيدة والتاريخ فمزج هذه الأشكال السردية ليظهر الحياة المغيبة في سجلات التاريخ.
وجهد الكاتب واضح من خلال جعله كل ما في الرواية يبدو منطقيا، ففي إطار متناسق دمج الكثير من الأحداث والشخصيات، الحقيقية منها والخيالية، ومن خلال الوصف الدقيق يجعل القارئ شاهد عيان لأحداث حقيقية تماما.
وصل عدد الشخصيات إلى المئات بينها مائة وستون شخصية حقيقية في عمل ضخم خارق للأساليب والأنماط الكتابية المتعارف عليها , عبر عنه تولستوي بقوله: (ما كتاب الحرب والسلام برواية، ولا هو بقصيدة، ولا هو بسجل وقائع تاريخية. إن الحرب والسلام هو ما أراد المؤلف وما استطاع أن يعبّر عنه في هذا الشكل الذي عبّر به عنه).
كانت رؤية بعض النقاد لهذه الرواية على إنها عملا تاريخيا, وهذا بسبب انقطاع الكاتب عن سرده الروائي نحو التأمل في قضايا فلسفية شائكة.
فكان يطرح إجابة على سؤال من خلال مئات الصفحات عن دوافع أبطال ذلك الحدث من نابليون إلى ألكسندر الأول, مراقبًا مبادراتهم الفردية ومحاولاتهم العبثية في التحكم بمسار التاريخ, كما تهكم على نابليون حين قال ساخرًا: ألم يكن يعتقد بكل حزم أن كل مافي الكون يتوقف على مشيئته وحده؟ بينما كان نابليون في الحقيقة ليس أكثر من أداة لا معنى لها في يد التاريخ.
أما متن الرواية الذي ضمن تولستوي رؤاه الفلسفية والفكرية حول جملة من المسائل والقضايا الشائكة فكان أكبر من مجرد سرد روائي أو مؤلَّف تاريخي أو حتى عمل فلسفي .وهذا ما جعل النقاد في حيرة أثناء تقييمهم العمل.
ولكن الإبداع واضح في الخيط السردي من خلال الربط بين شخوص الرواية العديدة والشديدة الثراء, فهناك مباحث اجتماعية وسياسية جمع فيها تولستوي بين المقالية واللغة الأدبية.
فالروائي من ناحية أدبية ارتقى بأسلوب واقعي معبر ضمن التحليل النفسي والصياغة الإبداعية.
اختار تولستوي حياة خمس أسر؛ من مختلف طبقات المجتمع الروسي: عائلات أرستقراطية. (آل بزوخوف، آل بولكونسكى، آل روستوف، آل كوراجين، آل دروبيتسكوى), فحبك أفكاره من خلال هذه العوائل فقسمها إلى (واقعية) و (تاريخية)و(خيالية) هذه (الأسر الخمسة) تختلف كل واحدة منها عن الأخرى من حيث ما أفرزته تفاصيل حياتها وطريقة تفاعلها مع أحداث الرواية، فبين (الأسر) ذات الثراء، وبين (الأسر) الإقطاعية، وبين (الأسر الفقيرة) التي تعيش في ضيق حال؛ ولكن أصولها العائلية تعود من أصول نبيلة.
فنجد معالجات الروائي لبعض العادات السيئة في المجتمع الروسي, إذ كانت العوائل الأرستقراطية الروسية تتكلم اللغة الفرنسية التي أدخلتها ملكة روسيا كاترين (1729 ـ 1796) إلى روسيا، وجعلتها لغة البلاط الروسي، إلى درجة أن كل فرد من الأرستقراطيين أجادها، وأحيانا أفضل من الروسية نفسها، ولم يخف الكثيرون إعجابهم بالثقافة الفرنسية، بل بنابليون نفسه. ولكن الأمر تغير بعد نهاية الحرب، وأخذت العوائل تستخدم مدرسي اللغة الروسية لتحسين لغتها، كي تواكب الاتجاه السياسي والثقافي الجديد في روسيا.
وبينت الرواية نفاق بعض القادة، حيث يطلب أحد القادة الروس من سكان موسكو التحلي بالإيمان والدفاع عن المدينة، بكل ما لديهم من وسائل وحتى أدوات الزراعة، ولكنه ما أن أصبح الخطر وشيكا حتى أمر ذلك القائد بحرق المدينة وفرّ هاربا.
يصف تولستوي الحرب كمشاهد القتل والدمار والموت الذي تجره الحروب,ويتساءل: لماذا يقتل الإنسان أخاه الانسان؟ لماذا يتعين علي ملايين الناس الذين يتخلون عن مشاعر الإنسانية وعقلها أن يسيروا من الغرب إلى الشرق ليقتلوا بشرا مثلهم؟.. ورغم أن رواية تولستوي مكرسة بالدرجة الأولي لوصف الحرب إلا أن موضوع السلام يخترق نسيج الرواية ويتقاطع مع موضوع الحرب ويصبح المعادل البديل له, إذن الحرب ظاهرة معادية للطبيعة الإنسانية.
وأخيرا فإن هذا العمل القيم والممتع يمثل صورة عن تحوُّلات المجتمع الروسي إبَّان الغزو الفرنسي.
رؤية نقدية لرواية الحرب والسلم للروائي الروسي تولستوي
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا