ساطع راجي
مؤخرا إنقسمت الفصائل المسلحة في العراق الى فريقين، الاول يشكك في جدية الانسحاب الامريكي ولا يرى فيه إلا خدعة والفريق الثاني يرى إن مبررات عمله العنفي المسلح لن تنتهي الا بإنهاء جميع نتائج الاجتياح الامريكي بما فيها العملية السياسية وما نتج عنها.
والنتيجة إن كلا من الفريقين يؤكد إستمراره في العمل المسلح.
الذين يرون إن الانسحاب الامريكي صوري لا حقيقة له يفترضون اليوم مختلف التصورات الكابوسية وربما سيتحقق بعضها إلا أنهم سيكونون جزءا أساسيا من تلك الكوابيس فهم سيصرون على الاستمرار في العنف حتى لو خرج الامريكان من أمريكا نفسها لأن هدف العنف السياسي هو الوصول الى السلطة وليس تحقيق شعارات عامة تحرك عواطف البسطاء.
الذين يرون إن جلاء الامريكان لا يتحقق إلا بإنهاء العملية السياسية نفسها ربما لن يترددوا عن المطالبة بإعادة صدام للحياة كدليل على عودة العراق خاليا مما يعتبرونه “مخلفات الاحتلال” وهم سيطلبون كل المستحيلات التي تسمح لهم بتوفير ما يعتبرونه ذرائع لمواصلة السير على طريق العنف المعبد بدماء العراقيين الذين سيتعرضون لشتى التهم بطريقة تسمح بتحويلهم الى أهداف مشروعة “في نظر جماعات العنف” لعمليات القتل والابادة فضلا عن تخريب مؤسسات الدولة وتحطيم السلم الاهلي عبر إثارة الفتن.
من يتحدثون عن إنهاء ذرائع العنف في العراق يوهمون أنفسهم ويحاولون إيهام المواطنين بأن الفصائل المسلحة ستحل نفسها أو تتحول الى العمل السياسي المدني متناسين أن حل أي فصيل مسلح وعودة أعضائه الى الحياة المدنية هو عمل في غاية التعقيد ويحتاج لسنوات حتى اذا إقتنع ذلك الفصيل وجميع أعضائه بذلك المصير فما بالك فيمن يرى إن العملية السياسية كلها كفر في كفر أو أنه ينظر اليها باعتباره خدعة يشارك فيها بإعتبارها فاصلا بين مرحلتين، وهو فاصل ينتفع منه ويعتبره فرصة للتدريب والمعرفة حتى تسنح له الظروف فينقض على البلاد والعباد ويعمل فيها عقيدته المتفردة في صوابها.
من يتحدثون عن إنهاء ذرائع العنف في العراق يريدون أن يبرروا القفز في الفراغ لأنفسهم وأن يدخلوا في سجال إعلامي مع جماعات العنف التي ستفرغ بعض عناصرها للسجال بينما سينشغل البقية في مواصلة “المسيرة”، والذين يتحدثون عن إنهاء ذرائع العنف في العراق يريدون أن يخففوا عن أنفسهم صدمة الجدية الامريكية في سحب القوات الفعلية بعدما توهموا ان الامريكان ينتمون لعقلية الاستعمار القديم الذي يعقد اتفاقيات الانسحاب ليبقى عبر اتفاقيات فرعية.
كان على القيادات العراقية الرسمية فتح حوار جدي مع الجماعات المسلحة للتأكد من توجهاتها وخططها وفتح عملية مصالحة حقيقية معها للتوصل الى وضع آمن ومستقر في عراق ما بعد الانسحاب، أما الخطر الاكبر فقد يكون هو الاصرار الامريكي على بقاء قوة كبيرة تنحصر اعمالها في حماية الدبلوماسيين وموظفي السفارة والقنصليات الامريكية والمشاركة في تنفيذ مشاريع المساعدات، فوجود مثل تلك القوة سيكون نافذة مشرعة أمام العنف ولو كان الخيار بين تقليص حجم مشاريع المساعدات وتقليص الحمايات والموظفين الامريكان فأن الخيار الاخير هو الافضل خاصة وأن من سيتبقى لن يكون ذا تسليح عال وهو سيكون مجرد طعم هش قد تعود معه صور مقاولي الفلوجة الى الذاكرة بقوة.