د محمد غاني
أكاديمي و باحث مغربي
كلما عرج الانسان بقدراته الفكرية أو الروحية أو حتى البدنية الا و اتضحت له أمور كانت غائبة عنه من قبل، نظرا لاتساع زاوية نظره للقضية المتفكر فيها من جهة و للقدرة المتبلورة نتيجة هذا العروج على المقارنة و الاستنتاج، و من ثم الخروج بقرارات سليمة ، و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بالحكمة “ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” 1و لذلك قص علينا الوحي الالهي بشقيه القرآني و النبوي قصة الاسراء و المعراج حتى يكون لنا في الرسول الأكرم أسوة حسنة في تحصيل هذا المعراج في كل أبعادنا الانسانية الروحية و البدنية و الفكرية عبر الأبحاث العلمية و الدراسات المتأنية لا لشيء غير اتساع وجهات نظرنا لنحدد بصر إيماننا أولا و لنتحكم خير تحكم في خيرات الأرض و نصرفها خير تصريف و نخلف الحق خير خلافة ، تلك الخلافة الوسط التي لا تفريط فيها كما هو حال الامة الاسلامية اليوم و لا إفراط كما هو حال الأمم المتقدمة حاليا في طغيانها على الأمم الضعيفة.
شبه الحق سبحانه نوره المتألق في هذا الوجود البهيج بمصباح في زجاجة2، و لا شك أن العقل له زجاجته أيضا، و ذلك لأنه نور منبثق من نور الحق، فما هي يا ترى زجاجته التي تزيد هذا المصباح العقلي ألقا فيهتدي الى التفكير السليم و يتحلى بالحكمة المتوخاة؟
يرى رائد علم نفس النجاح براين تريسي في كتابه ارسم مستقبلك بنفسك أن سلامة الحكم على الأمور تعد “عاملا أساسيا من عوامل الحظ، و تسمى كذلك زجاجة العقل أو التفكير السديد، إنك تنمي هذا التفكير السديد عن طريق المقارنة الدائمة لنتائج أفعالك بما توقعت أن تنجز، فمن شأن هذا التأمل المنتظم لأدائك أن يعطيك رؤى و دروسا تعينك لأن تصير أكثر نجاحا و فعالية في المستقبل”3
من خلال تقعيد تريسي لهاته القاعدة التي وصل اليها بنور العقل المحفوظ بزجاجته، واعيا بالأمر حتى خرج علينا بكتابه العظيم عن النجاح Create your own future ، و الذي يعد من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية بل في العالم بأسره، و قد وجدنا نحن أهل الاسلام هذه المعلومة مجانية منذ بدأ الوحي لنبتدأ منها أبحاثنا و دراساتنا المأمورون بها بقول الإله”اقرأ” و بالاشارة الى دور تحديد بصر العقل عبر حفظه بزجاجة التفكير السديد عبر توسيع نظرته بالتوسل لذلك بمعراج فكري روحي و فكري و بدني أو ما أسميه بتحديد مجهر البصيرة4. لو كنا فعلنا لابتدأنا من حقائق لم يتوصل له العلم الا حديثا، و لكن الأمر لا زال ساريا و الباب لا زال بعد مفتوحا ، فلم لا نلتجأ الى هذا الكتاب المكنون لنغترف من خزائنه؟ متدبرين متفكرين مستعينين في ذلك بنور العقل و زجاجته ، كما بنور الكتاب الكوني دون أن ننسى تجارب السابقين تاريخيا؟ إن الملاحظة العلمية عزيزي القارئ ينبغى أن تكون دوما موصولة بالماضي مستشرفة للمستقبل ، يضيف تريسي في هذا المضمار أن التفكير السديد هو القدرة على التعرف على الأنماط و النماذج في المواقف الجديدة المماثلة لتجارب الماضي، فبعد أن تكتسب المزيد من المعارف و الخبرات فإنك تخزن في ذاكرتك المزيد من الأنماط على مستوى اللاوعي، و سرعان ما تصبح قادرا على اتخاذ قرارات أفضل و أسرع في هذا المجال، حتى مع عدم توفر معلومات كاملة ، سوف تصبح قادرا ….على ملأ الفراغات بشكل أسرع”5.
1،البقرة 269.
2،مقتبس من الآية الكريمة 35 من سورة النور:” الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ”
3، انظر براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك، ص 298.
4، انظر مقالي: الحكمة، تحديد مجهر البصيرة على الموقع الالكتروني الثقافي الفكري thewhatnews كما على موقع الاسلام في المغرب و جريدة قريش اللندنية.
5، انظر براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك، ص 299.