دور البارزاني الخالد في إقامة جمهورية كوردستان
جواد ملشكاهي
تمر هذه الايام الذكرى السادسة والسبعون لأعلان جمهورية كوردستان في مهاباد بشرق كوردستان،تلك الجمهورية التي انشأت بدعم من الأتحاد السوفيتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،لكن الدعم السوفيتي للجمهورية لم يستمر بسبب المصالح الاقتصادية والسياسية التي كانت تربط موسكو بطهران، وقد شارك القائد الرمز البارزاني الخالد في اقامة الجمهورية والدفاع عنها في ظروف اقليمية ودولية حساسة للغاية.
عائلة البارزاني التي قاومت الاحتلال العثماني والبريطاني والأنظمة التي توالت على حكم العراق وسوريا وايران،لم تأخذ الحدود السياسية المصطنعة من قبل القوى الكبرى لأرض لكوردستان بنظر الأعتبار ،فكلما شعرت العائلة البارزانية بالظلم والأضطهاد القومي في أي من اجزاء كوردستان الأربعة واينما اندلعت شرارة ثورة في هذا الوطن المحتل، هب ابنائها والى جانبهم العشائر الكوردية الأخرى لتحرير الأرض الكوردستانية وانتزاع الحقوق القومية من الأنظمة المتسلطة على رقاب شعبنا الكوردستاني.
كان الأحتلال السوفيتي للجزء الشمالي من ايران بعد الحرب العالمية الثانية في اواسط اربعينيات القرن الماضي وتحديداً مع بدء الخطوات الأولى لأنشاء جمهورية كوردستان في مهاباد بشرق كوردستان بقيادة القائد الكوردي الراحل قاضي محمد ورفاقه،فرصة ثمينة وبمثابة بارقة امل لخلاص الجزء الشرقي لكوردستان على الأقل من ظلم واضطهاد النظام الشاهنشاهي في ايران،فهب البارزاني الخالد مع مئات المسلحين المتطوعين من عشيرة بارزان والعشائر الكوردية الاخرى في 11 ايار من عام 1945 وعبروا الحدود العراقية الايرانية للدفاع عن الجمهورية.
في 22 كانون الثاني من عام 1946 وفي مراسيم خاصة اقيمت في مدينة مهاباد لأعلان جمهورية كوردستان الديمقراطية،تم منح البارزاني الخالد رتبة (الجنرال) من قبل رئيس الجمهورية قاضي محمد، تكريماً لشجاعته وبسالته في الكفاح المسلح ودوره المتميز في معترك النضال القومي وشجاعته وخبرته العسكرية، ووضعت جميع القوات المسلحة تحت امرته،للدفاع عن حدود وكيان جمهورية كوردستان الفتية.
اناطة هذه المسؤولية الكبيرة للبارزاني الخالد،زادته عزيمة وارادة واصرار للذود عن اراض الجمهورية واداء المهمات الموكلة اليه بشجاعة فائقة وثقة عالية بالنفس، حيث قام بتنظيم تلك القوات وتقسيمها الى وحدات عسكرية مختلفة فضلا على القيام بتدريب المئات من الشباب الكوردي المتطوع على الاسلحة وفنون القتال واعدادهم نفسيا وعسكريا لمجابهة التحديات التي كانت تواجه الجمهورية سواء من قبل النظام الايراني او بعض العشائر الكوردية الموالية له.
استمرت جمهورية كوردستان في مهاباد حوالي 11 شهرا حيث قدمت خدمات كبيرة في مجال الاعمار وبناء المدارس والمستوصفات والتدريس باللغة الكوردية،لكن الاتحاد السوفيتي وعبر صفقة اقتصادية وسياسية مع النظام الايراني تخلى عن دعم جمهورية كوردستان،حيث كان هذا القرار بمثابة اعلان الضوء الأخضر لقوات النظام الايراني لتحريك قواته نحو مهاباد عاصمة الجمهورية والمدن والقصبات التابعة لها،لأستعادة السيطرة عليها.
في هذا الظرف العصيب كان البارزاني الخالد وقوات البيشمركة على اهبة الاستعداد للدفاع عن الجمهورية، الا ان امكانيات وقدرات الجيش الايراني والمرترقة الموالين له ارغمت قادة الجمهورية على ارسال وفد حكومي برئاسة(صدر قاضي) شقيق قاضي محمد الى خطوط التماس للتفاوض مع قائد القوات الايرانية التي كانت تنتظر الاوامر لأقتحام مهاباد واقناعه بعدم اللجوء للقوة مقابل انسحاب قوات البيشمركة من داخل وضواحي مهاباد و السماح لهم بدخول المدينة.
واصدر القاضي محمد الأوامر للجنرال بارزاني بسحب قوات البيشمركة بعيدا عن مهاباد تفاديا لوقوع ضحايا بين المدنيين واراقة دماء الأبرياء، لذلك دخلت النظام الأيراني المدينة من دون قتال وانتشرت فيها، ولم تمر سوى ايام على دخول الجيش الايراني للمدينة حيث قامت بأعتقال رئيس الجمهورية وغالبية قادتها واعدمت قاضي محمد وعدد من رفاقه في ساحة جوارجرا بوسط مهاباد.
بعد سقوط الجمهورية واعدام قادتها، لم يبق امام البارزاني وقواته خيار اخر سوى اللجوء الى اراض الأتحاد السوفيتي،حيث بدأت ملحمة عبور نهر اراس،بعد قتال ضار وشرس مع القوات التركية والايرانية والعراقية على الحدود حتى دخول اراض اذربيجان التي كانت احدى الجمهوريات التابعة للأتحاد السوفيتي انذاك ون هنا بدأت مرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلوماسي للبارزاني الخالد.
تلك الاحداث والوقائع التأريخية تظهر جليا ان البارزاني الخالد كان له دورا كبيرا في إقامة جمهورية مهاباد ودعمها عسكرياً للحفاظ على حدودها كجزء من واجبه القومي، ولولا قرار قادة الجمهورية للسماح للقوات الايرانية لدخول المدينة من دون قتال،لقاوم البارزاني وقواته الجيش الايراني الى الرمق الأخير اما بتحقيق النصر او الأستشهاد مع رفاقه دفاعاً عن هذه الجمهورية التي ارعبت النظم التي تقاسمت ارض كوردستان عبر اتفاقيات مشبوهة مع القوى الكبرى.