“عندما يمسك بالقلم جاهل، وبالبندقية مجرم، وبالسلطة خائن، يتحول الوطن إلى غابة لا تصلح لحياة البشر”
مصطفى السباعي
بين حين واخر نشاهد عبر منصات التواصل الاجتماعي اصوات من بعض الشخصيات العراقية تدعوا فها المغتربين في الشتات الى العودة الى الوطن! وكلنا يعلم بان ليس هناك من المغتربين من لا يتمنى العودة الى وطنه والاستقرار فيه ويعيش بين اهله واصدقائه واحبائه وفي مناطق سكناه، والكثير منا طالت غربته وانقضت السنين وغزا الشيب راسه دون ان يعود الى وطنه،وفقد الامل في ذلك كما تلاشى الحلم بالعودة مرة اخرى.
الجميع يعلم بان اغلبية المغتربين تركوا العراق قبل عام 2003 هربا من الدكتاتورية التي كانت تضطهد الشعب العراقي بكافة الوسائل من ترهيب و اعتقال لاسباب سياسية او دينية او مذهبية او قومية و حجب حرية التعبير والصحافة وتكميم الافواه والحكم بالحديد لاكثر من ثلاثة عقود واطبق على العراقيين بطوق من الظلام والظلم وعاش العراق في عزلة غريبة من نوعها لم تشهد دولة في العالم مثلها وخيم على العراق فكر واحد ورائ واحد وحاكم واحد وحصار من قبل التحالف الذي اذاق العراقيين الويل والثبور كما مورست انتهاكات علنية لحقوق الانسان من قتل جماعي وتنفيذ الاعدامات بدون محاكمات رسمية كما تم تصفية المعارضين من احزاب تقدمية وقومية وحتى من المعارضين من قبل شخصيات من حزب البعث الحاكم انذاك كما حصل في عام 1979 والتي اطلق عليها حينها”مؤامرة الرفاق”
بعد دخول الجيش العراقي الى الكويت اصدر مجلس الامن قرارا بفرض عقوبات اقتصادية على العراق لتجبر العراق على الانسحاب من الكويت ولكن استمر الحصار حتى بعد الانسحاب العراقي وتلته قرارات اخرى متتالية، وفي ضل هذا الحصار الجائر عانى العراقيون الامرين من هذه العقوبات التي حرمتهم من ابسط مقومات الحياة وهي الغذاء والدواء وابسط وسائل الراحة،فاضطر الكثير من العراقيين للهجرة الى دول الجوار بحثا عن الامان والحياة بعيدة عن الحروب التي زج بها النظام بلاده والتي كانت نتائجها كارثة تلو اخرى، فكانت تركيا والاردن محطات للهجرة الى دول الشتات مثل اوربا وامريكا وكندا واستراليا، وعاشوا في مدن الانتظار فترات استمرت بعضها عدة سنوات الى ان وصلوا واستقروا فيها ثم حصلوا على الجنسية وعملوا في مختلف المهن والكثير منهم انشأ مشاريع تجارية وصناعية كما حصل الكثير من ابنائهم مناصب يفتخر بها الاباء وجاليتهم العراقية ،ولكن بقت عيونهم شاخصة نحو الوطن وتغير نظام الحكم والتخلص من الطغمة الفاسدة.
انتظر المغتربون يوم تغير النظام وتاسيس نظام ديمقراطي جديد لكي يعود كل واحد منهم الى وطنه وبلدته وحارته واصدقائه، و أستبشر العراقيون خيرا بسقوط الصنم الأكبر، ولكن تلاشت فرحتهم بل تبددت بعد سقوط النظام البائد واصبح العراق يحكمه نخبة فاسدة نظامها المحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية متمسكة بالسلطة والاستحواذ عليها بكافة انواع الوسائل المشروعة وغير المشروعة واصبح النظام اكثر ضررا من السابق وتفشى الفساد المالي والاداري وانعدام الامن ثم اندلعت حرب طائفية والقتل على الهوية وفجرت مساجد وكنائس وعزلت الكثير من المناطق طائفيا او مذهبيا ومزق النسيج الوطني وما انتهت حتى بدا مسلحو تنظيم “دولة العراق والشام الإسلامية” المعروف بـ “داعش” سيطرتهم على 40 % من اراضي العراق ومنها مدينة الموصل التي تعتبر ثاني اكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد فخلفت حرب داعش الاف القتلى والنازحين وهرب الالاف داخل البلاد والى دول الشتات.
اذا الهجرة لم تتوقف، سواء قبل 2003 او بعدها،لاسباب لم نذكر منها سوى جزء يسير ، لان ما تقترفه الاحزاب الحاكمة الان تفوق ما اقترفه النظام السابق ومازالت هذه الاحزاب ومليشياتها تنهب بدون ان تهاب احد لما تملكه من سلاح لم يستطيع احد من رؤوساء الحكومات المتعاقبة ان يقضي عليه …. ، فكيف يطلق البعض تصريحاته ودعوته للمسيحيين للعودة الى الوطن، هل يضمن مصطفى الكاظمي وحكومته بوطن امن في ظل هذه المليشيات التي بحوزتها اكثر من 7 ملايين قطعة سلاح…! هل يستطيع رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي ان يوفر عملا للعائدين في بلد بلغت نسبة البطالة فيه حوالي 40%!واغلقت المئات بل الالاف من المصانع ! واصبح العراق يستورد 90% من احتياجاته من الدول الاخرى، واذا كان متوفرا فلماذا يتظاهر الالاف من الشباب الحاصلين على شهادات جامعية في ساحات الاعتصام بتوفير وظائف شاغرة لهم وبدون جدوى! واستشهد اكثر من 700 متظاهر منهم بدون ان يقدم الى المحكمة اي شخص تسبب في استشهاد هؤلاء، كما نذكر بان من يناشد المسيحيين بالعودة عليه ان يسال لماذا مازال الشباب ينتفض في ساحات المدن ! كما نريد ان نذكرهم بان الشعب اصبح يطالب بمحاكمة الطغمة الفاسدة وليس بالكهرباء والماء والخدمات فقط ! بل اصبح شعارهم الموحد”نريد وطن” وطن لا يكذب فيه السياسي ولا يكذب فيه رجل الامن ولا يكذب فيه رجل الدين ولا يكذب فيه القاضي!
كما نود ان نسال هؤلاء الداعين لعودة المغتربين، الم يتطلعوا على ان العراق يحتل المركز الاول في مؤشر الارهاب العالمي متقدما على افغانستان ونيجريا والصومال واحتلاله المركز الخامس في” اسوأ البلدان” لموشر السلام العالمي، كما يتذيل قائمة اسوأ جوازات السفر في العالم.
نعم نغفوا على امنية حلم العودة الى الوطن ولكن عندما يكون الوطن اقدس من الانتماء المذهبي والطائفي والقومي.
بعد ان قرات مقالي هذا قبل نشره الى احد الاصدقاء في احدى مدن الشتات،طلب مني اضافة ما يلي” انني مستعد للعودة عندما اسمع احد من اقرباء هؤلاء”الداعين” عاد واستقر..”