بقلم الصحفي الروسي المتخص بالشؤون الدولية أندريه إيزيف
المصدر “الحياة الدولية:
ترجمة عادل حبه
من المتوقع تواجه السياسة الخارجية لتركيا في العام المقبل ظروفاَ صعبة. فإلى جانب التحديات الافتراضية الجديدة (على سبيل المثال، هناك شكوك جدية لدى الرئيس الأمريكي المنتخب تجاه القيادة التركية) ، و “ورث” العام الجديد من الفترة الماضية مشاكل ناجمة عن نشاط تركيا على الساحة الدولية الذي يتعذر كبحه أحياناَ. ووفقاً للمحلل السياسي التركي حسن كوسبالابان (مورد إنترنت برسبيكتيف) ، فإن “اللاعبين الإقليميين والعالميين، الذين استفادوا بنجاح من تعثر تركيا في المشاريع غير المعتدلة والتنازلات غير المعتدلة في الساحة الدبلوماسية، بحث جرّوها إلى حصار غير مسبوق”.
إن المشكلة التي ترتدي أهمية كبيرة، حسب رأي الخبراء الأتراك، هي تدهور العلاقات مع الحلفاء الغربيين، وقبل كل شيء ، مع الولايات المتحدة. هذا التدهور الذي تعترف به بشكل غير مباشر قبل قيادة البلاد. ولذا وعد الرئيس رجب طيب أردوغان في نهاية شهر كانون الأول الماضي في لقاء مع أعضاء الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية في العام الجديد “بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع أمريكا وأوروبا”.
وقبل ذلك بشهر، تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمام اللجنة البرلمانية حول الميزانية، وحدد المبادئ والتوجهات الرئيسية “النشطة والإنسانية” لسياسة البلاد الخارجية في عام 2021. وبعد أن وعد بإستمرار الجهود الدبلوماسية ، إذا لزم الأمر ، و “العمل على الأرض” (أي بالقوة) ، فإنه أولى اهتماماً خاصاً لتأكيدات التزام بلاده بمبدأ التضامن الأطلسي وخاصة في علاقة الحلفاء مع الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى الاتجاهات التقليدية للسياسة الخارجية تجاه (الغرب وروسيا والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ككل)، فقد اعلن الوزير سياسة التضامن مع الشعوب الناطقة بالتركية بإعتبارها أحد الأولويات الرئيسية، بل واعترف بأنه يشعر كسياسي يجب أن “يكرس” كل جهده لذلك. وبالتالي حد أهمية الاتجاه “التركي” ..
بالمناسبة ، سترتفع ميزانية الوزارة بحسب رئيسها في عام 2021 إلى 5.8 مليار ليرة تركية (قرابة 700 مليون دولار أمريكي بسعر الصرف الحالي) ، بالإضافة إلى أن تمويل مكتب الاتحاد الأوروبي سيصل إلى 800 مليون ليرة ( 100 مليون دولار أمريكي.
وحسب توقعات الخبراء في السياسة الخارجية ، سيتم إيلاء اهتمام رئيسي للعلاقات مع الغرب، علماً إن جميع التكهنات تقريباً “مرتبطة” بموقف إدارة واشنطن الجديدة مع أنقرة. وفي الوقت نفسه ، فإن المشكلة الأكثر حدة التي يعترف بها الجميع هي الصراع الدائر حول حصول تركيا على أنظمة الدفاع الجوي الروسية إس -400.
ويشير دنيز كيليكار من برنامج Ocak medya، على سبيل المثال، إلى أن العلاقات الأمريكية التركية ستستمر في هشاشتها، وأن الوضع سيتعقد بسبب “التزام جو بايدن بالديمقراطية”. وفي هذا الصدد، يوصي المؤلف بأن تولي القيادة التركية اهتماماً خاصاً بالالتزام الصارم بحقوق الفرد وحرياته وضمان سيادة القانون ، الأمر الذي من شأنه أن يسمح لتركيا في نهاية المطاف بإنهاء “حالة الإنزواء” التي تجد نفسها فيها بحلول نهاية عام 2020. وحسب رأيه ، سيتم تحديد جدول أعمال أنقرة الدولي إلى حد كبير ليس فقط من خلال سياسات الدول التي “تضع قواعد اللعبة” – الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأعضاء الناتو ، ولكن أيضاً من قبل جيرانها ، روسيا وإيران ودول الشرق الأوسط.
وتتوقع صحيفة “جمهورييت” الليبرالية أنه في العام المقبل ، ستنخرط تركيا بشكل أساسي في “إصلاح” العلاقات المتضررة مع الحلفاء الغربيين ، في شخص الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، في محاولة “لخلق توازن موازن للتعاون مع روسيا”. في حين دعا المعارض غازيت دوفار إلى أن تدير تركية وجهها “للغرب”.
إن الفكرة التقليدية السائدة في تركيا تنطوي على الأمل الذي يتشارك به كثيرون في ألا تتمكن الولايات المتحدة أو أوروبا من التخلي عن علاقات التحالف مع تركيا، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى موقع تركية الجغرافي السياسي الفريد. في هذا الصدد، وبحسب صحيفة “صباح” الموالية للحكومة ، ينبغي العمل بجرأة لجعل العلاقات مع الغرب مفيدة للطرفين. وفي الوقت نفسه، دون المساومة على النقاط الأساسية، على سبيل المثال، حماية مصالح الفلسطينيين.
وفي الشرق الأوسط ، ينصح الخبير السياسي فاروق شين في مقال نُشر على الموقع الإلكتروني لمؤسسة Tavak Vakfı ، على تركيا أن تثبت بسرعة عدم مواجهتها مع جيرانها في المنطقة. لهذا ، من الضروري أولاً وقبل كل شيء تعديل السياسة في الاتجاه السوري، مع الاعتراف بأن “الأسد قد انتصر”. وعلاوة على ذلك ، من الضروري تطبيع العلاقات مع مصر وإسرائيل ودول الخليج، وقبل كل شيء مع المملكة العربية السعودية. ويدعو الكاتب إلى سياسة سلمية في القوقاز أيضًا، “بعد أن جلست جورجيا وأذربيجان وأرمينيا على طاولة المفاوضات”. ويصر فهيم تاشتكين ، المحلل السياسي الذي يعيش في المنفى، في “غازيت دوفار”، أيضًا على مراجعة السياسة في القوقاز، محذراً من أن السياسة “العثمانية” القائمة على المثالية ذات الجاذبية “للأتراك الشباب” في هذه المنطقة لن تؤدي إلى الخير.
ويتم إيلاء الكثير من الاهتمام للعلاقة مع روسيا. وهكذا ، وفقاً لمقالة السيدة إرجين في صحيفة “حريت”، يمكن اعتبار العلاقات بين تركيا وروسيا “تعاوناً تنافسياً”. وتشير الكاتبة إلى أن هذه العلاقات القائمة على البراغماتية تسمح لكلا البلدين بتجاوز الخلافات التي تنشأ بينهما بشكل دوري. وفي الوقت نفسه ، يشير عدد من الخبراء إلى احتمال “عدم القدرة على التنبؤ” بالعلاقات مع موسكو، حيث ستستمر المصالح التركية والروسية في التقاطع في سوريا وليبيا والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى.
في هذا الصدد ، يمكن سماع دعوات إلى “الحذر” ، وتوصيات “للحفاظ على مسافة من بوتين” (Ocak medya) و “موازنة روسيا” بالتعاون مع الغرب (Hürriyet ، Cumhuriyet) ، تذكيراً بأن روسيا “ليست هي الأكثر وداً تجاه تركيا”.
وعند الحديث عن الآفاق المباشرة لموقف تركيا الدولي ككل ، يدعو الخبراء إلى مزيد من الواقعية. وتحتاج تركية إلى تحديد أهداف قابلة للتحقيق، وتجنب الأوهام الجيوسياسية (نعيم بيبيور أوغلو، صحيفة Gerçek Gündem على الإنترنت)، وإلا “في العقد المقبل ، ستكون هناك تناقضات بين المبادئ والمصالح السياسية، وستفقد تركية حالة التوازن ، وتنحرم من رؤية الاتجاه الرئيسي، وتجعلها تعيش ليوم واحد فقط حسن كوسبالابان، مجلة برسبيكتيف على الإنترنت).
وإلى جانب التوافق الكامل مع تصرفات القيادة التركية من قبل وسائل الإعلام الموالية للحكومة، فإن بعض منشورات المعارضة (Gazete Duvar ، Cumhuriyet) مليئة بالتشاؤم، وتعلن بصوت أعلى وأعلى إلى إعادة النظر في مسار السياسة الخارجية التركية في العام الجديد ، لا يمكن تحقيق ذلك دون إجراء تغيير السلطة في البلاد.