درية شفيق من رواد تحرير المرأة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وينسب لها الفضل في حصول المرأة المصرية حق الانتخاب والترشيح في دستور مصر عام 1956. كانت درية شفيق «امرأة مختلفة» كما عنونت الباحثة الامريكية سنيثيا نلسون في كتابها عنها، الذي ترجمته نهاد سالم، وصدر عن المجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان «امرأة مختلفة» تقول الشاعرة والكاتبة المصرية أسماء يس إن المناضلة درية شفيق من أولى النساء المصريات اللاتي طالبن بحقوقهن المهدرة، وسعت لنيلها سعيًا دؤوبًا، دافعة كل ما استحق الأمر من اثمان. عندما ولدت درية شفيق عام 1908 كانت الحياة السياسية في مصر موزعة بين الحزب الوطني الذي اسسه مصطفى كامل الذي كان يطالب على صفحات صحيفة اللواء بجلاء الإنجليز عن مصر، ويرى أن «لا مفاوضات الابعد الجلاء» وحزب الامة ذى التوجه الليبرالي الذي اسسه احمد لطفي السيد الذي تبنى فكرة الأمة المصرية، ونادى بقوانين وتشريعات حديثة، والحركة السلفية التي كانت تواجه الدعاوى الليبرالية واسسها محمد عبدو. وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى، وأعلنت بريطانيا الحماية على مصر، ظهر على الساحة وجه قيادي جديد ينتمي للبرجوازية المالكة الأراضي؛ سعد زغلول وفي عام 1932صيغ اول دستور مصري، ونص على تشكيل برلمان من مجلسين؛ النواب والشيوخ، وفي ذات العام عادت هدى شعراوي من اجتماع الجمعية الدولية للمرأة في روما وخلعت حجابها وفي عام 1925 أسست شعراوي الاتحاد النسائي المصري. بعدها حصلت درية شفيق على منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم للالتحاق بجامعة السربون بفرنسا. في باريس كانت المواجهة الأولى مع السلطة المصرية التى اختارت لها أن تدرس التاريخ والجغرافيا، في حين كانت تريد أن تدرس الفلسفة لكنها لم تقطع هذه المسافة لتستسلم، كتبت الى طه حسين تطلب مساعدته، بعدها تم تسجيلها في قسم الفلسفة في السربون. قضت 3 سنوات تقرأ وتكتب بالفرنسية، وتدرس تراث اوروبا الفلسفي وحضارتها، وتكتشف واقع اوروبا الجديد الذي أعقب الهجمة الفاشية. وقد كانت لتلك السنوات اثر كبير على وعي درية شفيق النسوي الناشئ فمنحته مضمونا ناضجا. كانت باريس في الثلاثينيات مكانًا براقًا، وفد إليه الادباء الأمريكيون خروجا على المواقف المتشددة من الجنس، وتوافدوا على صالون الناقدة الامريكية جرترود شتاين، وتفجرت نظريات الحرية والمساواة بين الجنسين. كان على درية أن تنهي رسالتى دكتوراه في ثلاث سنوات، فاختارت موضوعين؛ أحدهما الفلسفة الجمالية الفرنسية والفن المصري القديم. والآخر عن حقوق المرأة في الإسلام. عندما عادت لتحقيق حلمها بالتدريس في الجامعة، رفض الدكتور احمد امين تعينها بحجة أنه لا يستطيع تعين إمرأة جميلة للتدريس في الجامعة؛ كان يرى أن طباعها وحداثتها وجراتها ستعرض الجماعة الوليدة في خطر. أخذت دعواتها للصفوة من نساء مصر بالتكاتف لمواجهة الفقر والجهل والمرض تنتشر، وكان من نتائجها أن اغدقت الكثيرات من سيدات الصفوة الميسورة لانشاء منظمات خاصة اودعم منظمات نسائية موجودة. وفي يوم وليلة أصبحت درية رئيسة تحرير مجلة المرأة الجديدة. وزادت الانتقادات حول هويتها؛ فهي تتكلم الفرنسية، وهو ما يبدو عوارا واضحا حول هويتها؛ وكان الرد المناسب هو إصدار مجلة نسائية باللغة العربية، وكانت مجلة «بنت النيل»صدرت بورق مصقول، ومقالات حول قضايا نسائية. على مدى سنوات بذلت درية شفيق جهدا كبيرا لتغيير القوانين المجحفة بحقوق النساء، فبالإضافة للحق في الانتخاب، كانت تسعي لتغيير القوانين التى تحول دون حصول المرأة على عضوية البرلمان، وكذلك تغيير قانون الاحوال الشخصية الذي يسمح بتعدد الزوجات، وتطليق الزوجة والاحتفاظ بالأطفال، وفي بداية الخمسينيات كان الوضع في مصر يزداد اضطرابا، فحولت درية مجلتها من منصة هدفها تحرير المرأة البرجوازية، إلى حركة تربط تحرير المرأة بالسياسة عموما٠ خططت مع بعض النساء لاقتحام البرلمان،وبالفعل اقتحمن البرلمان،كان ذلك في عهد الملكية عام 1950، حتى استقبلها رئيس مجلس النواب، ووعدها بأن ينظر البرلمان في مطالب النساء. كانت ال مطالب: السماح للنساء بالاشتراك في الكفاح الوطني،وإصلاح قانون الأحوال الشخصية، والمساواة في الأجور عند العمل المتساوي.
في موقف مناقض لكل تصوراتها خرجت درية في عام 1952 على رأس تظاهرة لفتيات يرتدين الزي العسكري، وذهبن لمحاصرة بنك باركليز، استجابة للفوران الذى كان يعم البلا د، وتعاطفا مع الفدائيين الذين يقاتلون قوات الاحتلال في الإسماعيلية بعد ذلك بستة أشهر قامت ثورة يوليو، التي بدأ للجميع في البداية إنها جاءت لتطهير البلاد من سلطة فاسدة، وسرى انهم لا يريدون سوى تغيير الوزراء وتعين محمد نجيب قائدا أعلى.. بعدها كانت درية شفيق في مكتب محمد نجيب، وذكرته إن الثورة لن تكتمل إلا إذا تحررت المراة، استقبلها نجيب بلطف بالغ، لكنه أخبرها انها قد تستثير القوى المؤيدة للثورة لو بدأت الآن بالمطالبة بالحقوق السياسية للمرأة. فوعدته بالتزام الهدوء لفترة. طلبت من جمال عبدالناصر ما يفيد بتحويل جمعية بنت النيل إلى حزب سياسي، وقبل طلبها، كان موقف درية شفيق وحزبها مؤيد للثورة في بدايتها، منتظرًا منها الكثير للنهوض بالحريات والتعليم والحقوق. كانت اولى مواجهاتها مع الثورة في عام 1954؛ حين قررت قيادة الثورة وضع دستور جديد، دون أن تضم اللجنة التأسيسية إمرأة واحدة، فقررت درية الإضراب عن الطعام في نقابة الصحفيين، كانت ترفض الخنوع لدستور لم تشارك المرأة في صياغته، انضمت إليها بضع سيدات، كان نصيبهن الانتقاد، وتتالت الاتهامات٠ استمر الإضراب حتى دخلت درية وكثير من رفيقاتها المستشفى، وكانت النتيجة منح المرأة المصرية حق التصويت والترشح في الانتخابات العامة لأول مرة في تاريخ مصر. بسبب الأوضاع المتغيرة في البلاد بعد الثورة وعدم وجود نشاط سياسي حقيقي، ظلت درية شفيق في عزلة. أصدرت عدة دوريات منها مجلة بنت النيل ومجلة الكتكوت الصغير للاطفال، وفي سنوات العزلة ترجمت درية القرآن إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما ألفت عدة دواوين شعرية، إضافة إلى مذكراتها الخاصة. توفيت درية شفيق في عام 1975 حين سقطت من شرفة منزلها بالقاهرة وقيل إنها انتحرت بعد عزلة عاشتها 18 سنة.