بخصوص الهجوم الأخير ل”داعش” هو تأكيد على ما قلناه مع الكثيرين؛ بأن مع سقوط عاصمة الخلافة المزعومة -الرقة- لم تنتهي داعش إلا جغرافياً كإمارة، لكن وجودها التنظيمي والعقائدي ما زال مستمراً وقوياً في العديد من المجتمعات السورية والعربية عموماً حيث تغذيها موروث ثقافي عقائدي وكذلك الحاجة للأمن؛ إن كان الأمن الغذائي حيث الفقر والحاجة واستغلال الجماعات الإسلامية المتشددة لحاجة الكثير من البيئات للإعانة، كما نجده في مختلف المناطق السورية والعربية، وكذلك الأمن على مستوى الحفاظ على الهوية والوجود حيث هناك تهديد لحياة الكثيرين في تلك البيئات من هذه الجماعات المتطرفة وبالتالي الإجبار على التأييد لهم في الكثير من الحالات، كما لا ننسى دعم حكومات المنطقة وبالأخص النظامين السوري والتركي لبعض تلك الميليشيات الراديكالية الإسلامية وذلك تحت بند المصلحة والاستفادة من صراعهم مع قوات سوريا الديمقراطية وذلك على مبدأ؛ “عدو عدوك صديقك” حيث إضعاف أي منهما للآخر يصب في مصلحة تلك الأنظمة، وذلك وفق قناعاتهم السياسية والأمنية، وقد لاحظنا كيف أن الجميع كانوا يفركون الأيدي فرحاً وهم يتأملون نجاح داعش ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وبالتالي فإن مهمة قسد والإدارة الذاتية كبيرة وصعبة وتطلب جهود جبارة للوقوف في وجه مثل هذه الهجمات الإرهابية؛ وأولها تبدأ من تأمين الأمن الغذائي وحاجات الناس الضرورية للحياة الكريمة في مناطق سيطرتها وكذلك الأمن الشخصي فكرياً ومجتمعياً من تغلغل “داعش” داخل تلك البيئات المجتمعية وأعتقد أن أحد أهم الضروريات هو العمل على البنية التحتية والمشاريع التنموية بحيث لا يتم استغلالهم مادياً اقتصادياً وكذلك العمل على وضع السلطات المحلية بيد أبناء كل منطقة، فهم أعلم بشؤون مناطقهم وكيفية إدارتها وكذلك العمل على نشر ثقافة التشارك والأخوة وحاجة كل مكون للآخر ضمن مبدأ العيش المشترك بدل المفاهيم التي زرعتها السلطات السابقة من خلال تسيد مكون على باقي المكونات المجتمعية حيث دون ذلك ستبقى المنطقة تحت تهديد الفكر السلفي الداعشي وهذه بالتأكيد يلزمها جهود سنوات وربما عقود طويلة.. نعم “داعش” ليست ظاهرة عابرة في مجتمعاتنا، كما يحاول بعض الإسلاميين القول بها، بل هي جزء متأصل في الموروث الثقافي والمجتمعي الشرقي الإسلامي واستئصالها تحتاج لجهود جبارة بدل محاولة الوقوف معها من مبدأ المصلحة الآنية حيث شاهدنا كيف أن كل الأطراف -بما فيه بعض الكرد- كانوا يأملون لو ينجح التنظيم الإرهابي في هجومه الأخير على سجن غويران.
بالأخير نقول؛ بأن داعش ما زال موجوداً والقضية ليست قضية مسرحيات، كما حاول البعض ترويجها! والقضية الأخرى والتي نطلب عدم الذهاب فيها لأبعاد عنصرية قوموية هو محاولة بعض الكرد تحميل كامل المكون العربي تبعات ما يحصل من هجمات داعش ضد قوات سوريا الديمقراطية، نعم صحيح هناك الكثيرين من المكون العربي السني متورط بتلك الهجمات عموماً وليس فقط الأخير على سجن غويران، بل في مختلف المناطق ومع مختلف التيارات والميليشيات الراديكالية كما في مناطق الاحتلال التركي، لكن وبالمقابل هناك آخرين -من نفس المكون- تصدوا ويتصدون لكل تلك الهجمات العدوانية؛ إن كان ل”داعش” أو تلك الميليشيات الإسلامية المتشددة والمدعومة من تركيا ولذلك أي محاولة لوضع المكون العربي في مناطق قسد تحت بند “دعم الإرهابيين” هي محاولة لضرب السلم الأهلي في مناطق الإدارة الذاتية وجزء من لعبة استخباراتية إقليمية نأمل عدم الوقوع بها حيث أضرارها ستكون كارثية على مختلف الصعد والمكونات المجتمعية في تلك المناطق وشعبنا بغنى عن خلق المزيد من التوترات والأزمات وخاصةً الداخلية مع التمنيات بالسلامة لكل اهلنا وفي المقدمة للأبطال الذين يحمون التجربة بأرواحهم.