قصتي بدأت في شتاء إحدى السنوات الأسوأ في حياتي،كنت فتاة حالمة،طموحة وكذلك ساذجة! أرى العالم من زاوية مشرقة ومزهرة،لم تعرف الغيوم الملبدة في السماء طريقا، لتظلم بقتامتها قلبي،كنت أمشي على منهج “من جد وجد ومن زرع حصد” ههه
يالها من سخرية ! هذه المقولة التي حفرت في عقلي و وجداني، جراء تلقيني إياها فترة سنوات المدرسة الإبتدائية، وكأنها آية قرآنية مقدسة،وصارت منهاجي في سنين دراستي الطويلة والمملة..
اجتهدت فعلاً ، وعملت ودرست بكد وجدية كالمزارع، حرثت أرضي البور وزرعتها بالعلم والمواضبة والبحث،لكن للأسف! لم أجد ماكنت أجتهد لأجله،ولم أحصد من زرعي الوفير غير الخيبة..
خيبة الأمل شعور جد قاسي ومحبط،عندما تتقن عملك وتكد وتجتهد في دراستك، وتجد نفسك عنوة خارج لائحة المتفوقين!
كان بلاغ لوزارة التربية والتعليم، عن مباراة لتوظيف أساتذة،كانت الشروط أن يكون المرشح حاصل على شهادة الباكالوريا، بالإضافة إلى عامين دراسيين لايهم في أي تخصص..تقدمت للمباراة وأنا كللي ثقة، بأني سأكون من الأوائل المرشحين لاجتياز الإختبار،لأني بالإضافة إلى حصولي على شهادة الباكالوريا بتفوق، فأنا حاصلة على الإجازة، زيادة على ديبلومات أخرى لاداعي لذكرها، تجنباً للتباهي والتبجح بمشواري التعليمي، الحافل بشواهد الإستحقاق المرفوق بالخيبات بميزة الشرف..
استيقظت ذات صباح باكر، توجهت لمقر المباراة وأنا أتلو في طريقي “من جد وجد ومن زرع حصد” ههه
لا أعلم لماذا ينتابني ضحك هستيري كلما نطقتها؟
اجتزت الإختبار الكتابي والشفهي، وكنت كمن يجتاز إختبار مشرف حضانة الأطفال، لسهولته وليس لقدرات خارقة مني،انتهيت من الأجوبة في ساعة وربع من مجمل ساعتان كزمن محدد،توجهت للمشرف سلمته أوراقي، وإذا بي أوقع في لائحة المرشحين، وقعت علي كلماته كالصاعقة:”مؤسف أن فتاة نشيطة مثلك، لن يستفيذ منها الجيل القادم من طلابنا!”. أجبته ببلاهة واضحة، مدارية بها خوفي ربما، مما دب في ذهني من أفكار تشاؤمية:”لماذا سيدي؟ماذا حصل يجعلني أرفض منذ البداية،و حتى قبل تصحيح الأجوبة؟”
أجاب وبكل صدق قد ظهرت على ملامحه علامات عدم الرضى، بالوضع الذي تحتم عليه أن يوضع فيه:”آنستي لقد تم إختيار إبن سائق والي المنطقة في هذه الوظيفة،وكما تعلمين يتم إختيار مرشح واحد من كل منطقة..” أتممت كلماته بشرود، وقد سالت دمعات بغير هدى مني:”..وسوء حظي جعلني من نفس منطقة إبن سائق الوالي..ياله من هراء! لماذا إذن تم إعلان البلاغ للعامة، مادام قد تم إختيار المؤهل منذ فترة؟”أجاب رغم تأكده من عدم اقتناعي بما سيقول:”إنها فقط أمور شكلية..”.قلت وأنا أمزق أوراق الأجوبة الخاصة بي، وقد فار الدم في عروقي:”بل هي مجرد خذيعة ياسيدي المحترم!لادعاء الشفافية في إختيار المؤهلين للوظائف.. إنها متاجرة بجهدنا وأحلامنا وآمالنا، التي ستبقى رهينة الشكليات،حبر على ورق،اليوم ينصب إبن سائق الوالي،ليس لكفاءته ولا لعلاماته الدراسية،و لكن لحسن حظه الذي جعل والده يعمل سائق لدى الوالي..وغدا على من يأتي الدور؟ إبن الطباخ،إبن مربية كلب إبنة الوالي،إبن مزين الحديقة،أم هو إبن صاحب الحانة،أين يقضي الوالي سهراته، وليلاته الحمراء..؟”.
خرجت وأنا أتعثر في خطواتي غضبا وقهرا وخيبة،تهاطل المطر فوق جسدي المتعرق المحموم سخطا واستنفارا، كأنه الحمم البركانية، انهالت علي إما تضامناً مع حالتي المستعصية على الشرح،أو سخرية ولعنة، لسذاجتي وجهلي لخطة الوصول، الأنجح والأوفر للوقت والجهد!
لطيفة النواوي