آمال محمدي
بحثت عنك في الكتب ولم أجدك قصدت المكتبة العمومية، قلبت جيدا في رفوفها، جاء أمين المكتبة وكان رجلا أرعنا سألني قائلا: ماذا تفعلين أيتها الفتاة الجاهلة؟ أجبته بصوت يشبه حفيف الشجر الفاتر أفتش عنه، قال لي: ما اسم كتابك؟ قلت :لا أعرف كلَ ما أذكره أنَ المقدمة كانت أدبية، وأما باقي الفصول كانت اقتصادية. الكتاب ليس عاديا لم أعهد له ترتيبا أبجديا أو أرقاما تسلسلية أو فهرسا واضحا أردت أن أثبت لهم جميعا أنه كتاب يستحق القراءة رد غاضبا: هل تسخرين مني يا فتاة؟ هذا هو الجنون بعينه اخرجي حالا، لن تجدي شينا هنا وواصل كلامه بتهكم وبعبارات قاسية قسوة الجليد تنم عن قصر نظره: خرَجوا الجامعات أصبحوا حمقى ويهلوسون كثيرا، بالله عليكم ماذا تتعلَمون في الجامعة ؟ألم تعلمكم البحث جيدا ؟ ألم تلقَنكم أن الكتاب اسم ونسب و بداية و نهاية ؟توجه أدبي أو علمي؟ قلت: بلى دعني أجرَب مرة أخرى، هنا في رف الاقتصاديات علَني أجد ضالتي. فإن لم أحصل على كتابي موقنة أنني سأجد مرجعا آخرا يتحدث عنه وفجأة وقع نظري على كتاب أخضر صغير الحجم مزخرف يتحدث عن الاقتصاد أيضا سخرت من نفسي ما لي وللاقتصاد! لا بأس سأجرب نزلت إلى الأسفل وبدأت أتصفح الكتاب على عجالة فقلت لأمين المكتبة هو المطلوب، سأستعيره منك وأعيده لا حقا أسبوع وتعيدينه هل هذا مفهوم؟حسنا سأفعل…..عدت إلى منزلي فتحت الكتاب وبدأت أتصفح، الكتاب مبوب و مرقم و مفهرس أيضا ! تتوافر فيه كلَ الشروط العلمية و الموضوعية يتحدث عن الاقتصاد بكل حيثياته و لا يتحدث عن مرجعي أغلقه غاضبة وأتمتم بكلمات قصدت أن لا يسمعها[الكتاب ] هو مثلك فلما استثنيته بالحديث؟ سأسألك بطريقتي أيها المتغطرس ، سأتغلغل إلى أعماقك وأسبر أغوارك انتظرني ككذبة حسناء تجر ثوبها المنمق في منتصف الليل سأعود إليك وليكن موعدنا تحت ضوء القمر كما يفعل العشاق تخالني حبيبة، لست كذلك، يبدو أنك متعجرف تريد أن تستعبدني صفحاتك الملونة وكلماتك المستغلقة لن أقع في حبك لن أطلعك على سرَي، لم أعد متحكمة في نفسي كتاب في الاقتصاد يأسرني! لماذا ينتابني القلق؟ ففي كل مرة أقلَب صفحاتك وأقرأ سطورك الأولى أتوقف دون أن تستوقفني علامات الوقف أرجع حينا وأغفل حينا آخر لقد حوصرت أعلي أن أعترف له أنني لست متخصصة ، أم فقط هاوية متنكرة ففي كل مرة أحاول أن أقنع الكتاب لكي يفهمني أصطدم بأنفاسي المتقطعة و المندفعة اندفاع البركان في فوهة ضيقة وعلى بعد أميال دويَ هائل[ يسمع] يحاول أن ينقل لي رسالة مستعجلة كفاك اختباءا اخرجي من شرنقتك كوني فراشة ملونة، مذللة تصادق الحقول و تتراقص على نغمات السواقي العذبة كوني كذلك فحسب أغلقت ذلك الكتاب على الفور أخذتني أنفاسي من يدي كطفل صغير وأرادت أن تحاسبني: قفي هنا خط أحمر، أأحاسب لأنني أخطأت قراءة كتاب؟ قالت بابتسامة باهتة :ليث الأمر كذلك وانتهى في صفحته الأولى لكنَك بالغت في القراءة وهذه جنحة اعترفي و انسحبي حالا ولكنَني لم أهزم، قالت: ستنكشفين قلت لها :أنت الشاهد الوحيد هنا، لا أستطيع الإنكار حتى و لو فعلت سيبقى دليل إدانتي يلاحقني كفى سأذهب وأعترف، ستذهب الكذبة في استحياء لتكشف عن نفسها لن تفيدني الشرنقة إطلاقا، سأصارحه وليفعل ما يشاء أريد أن أصبح فراشة ملونة، تجوب الحقول الجميلة دون خوف موعدي به يتجدد كل ليلة عندما يخيم السكون و يعلن القمر عن السهرة، أمد يدي المرتجفتين إلى الكتاب لأفتحه ألقيت التحية عليه فاستغرب قائلا: ليس من شيمتك إلقاء التحية…قلت له كيف حالك؟ قال لي لماذا هجرتني ؟ ، قلت له الجو حار، قال لي: لماذا تهربين؟ قلت اعذرني قد تأخرت كثيرا، أجهشت بالبكاء لقد توقف الزمن بالنسبة لي في تلك اللحظة، كل شيء مرتبك التوتر سيد السهرة لم أدعوه حتى لكنه حضر عنوة المهم سأسمعك مقطعا موسيقيا أولا، وليكن هذا فاصلا بين كذبة مضت، وكذبة تحاول التعري أعلم أن الأمر لن يعجبك آه سأشعر بالغيرة منها، أنت ألفت الأولى و أحببتها وأنا أحاول التعري و الظهور لتحبني ولكن مظهري الجديد لم يعجبك أنا رواية شاردة هربت من كتاب القصص الكبير لتبحث عن توأم روحها لكنه لم يكن رواية أو أسطورة بل كان فصلا، زاوج بين الخيال و الخداع وأجاد ذلك بإتقان كان كتابا بمقدمة أدبية تأسر القلوب و تسحر الألباب قد سرقني من أول سطر له، أما باقي الفصول لم أكترث لها كانت فصولا في الاقتصاد وأردت من كل ذلك التحقق فحسب و لكني أخطأت الوجهة أرجوك اصفح عني، لا تحكم علي، لا تلمني قال لي لا تقلقي، لا بأس هوني عليك جيد أنك صارحتني خطأ في العنوان إذن!
في كل الأحوال،لست من كنت أنتظرها،قاطعت كلامه كسكين حاد….أعلم أنك تنزف من الداخل…. أخبرني لأسعفك، قال لي: بأنني صديقته المقربه ، رغم كل شيء أعلم مسبقا أن قراءة البعض من سطورك واللقاء بك يوميا لا يكفي فقد قررت مسبقا أن تتناولك أنامل فرنسية لقد اخترت فلماذا أحزن! أنا سعيدة بك في كل الاحوال لأننا بقينا على العهد أصدقاء .وبقينا نلتقي يوميا إلى أن افترقنا مجددا وفور اكتشافي أن الكتاب قد قفز من رف غرفتي القرنفلية ليذهب في رحلة البحث عن قارئ جديد حزنت كثيرا و قررت أن أقاطعه وهو بدوره لم يكثر للأمر وقاطعني لم أرتد المكتبة ولم أحاول حتى الدخول إليها أترصد ها من بعيد كأي سارق لم أحتمل كل ما في الأمر أنني اعتد عليه و أصبح جزء مني ، لم أخطط لذلك كل ما في الأمر أنني وقعت فريسة نفسي لكنه لن يعلم بالأمر، هذا سري الجديد هذا جرحي الحديث لا يحتاج إلى شاهد قط لم تكتمل صورة الحسناء على الصفحة الصماء. قررت أن أكسر جدار الجفاوة بيننا فاقتحمت المكتبة أخذت الكتاب بقوة من الرف ولكنه لم يرد أن يأتي معي بل ترك لي رسالة مفادها أنني قارئة لا أناسبه فقط تلك الفرنسية من تجيد وحدها من تجيد. هي لا تناسبه يعرف ذلك مسبقا ولكنه ينكر ذلك، كل ما أردته أن نبق على العهد سوية ، فصديقي الذي اعتدت مجالسته كل ليلة تحت ضوء القمر قد تخلى عني، يالها من صداقة مزيفة! أعلم أنك لن تستطيع المقاومة قد أغواك العبق علاقتكما ليست مشروعة تلك الأنامل الفرنسية كانت تغازلك أمام أمين المكتبة بلا استحياء حتى الرفوف المجاورة سئمت من ذلك العبق المسكر لا يجوز ذلك لا يجوز الخمر في المعبد كيف تجرأ ؟فقط تحاول أن تحول المعبد الى كنيسة! تحاول استبدال الرفوف وإحراق الكتب لتبقى أنت. تنكر لي وأعلن الولاء لها ستكون سيد الرفوف هنا لن ينافسك أحد و لكنك ستخسر الكثير … قد قرر الذهاب معها و تركني رواية شاردة، تبحث عن راو جديد.