أحمد البحراني
حتی صبیحة الخامس و العشرین منْ مایو آیار منْ عام 2000 لمْ یَکُنْ حزبُ الله اللبناني قدْ حرَّرَ بعد “الجنوب” من دَنَسِ الإحتلال الإسرائیلي و لم یکن قد بَدأَ مسیرةَ تألُّقِهِ المذهلة علی الصعیدینِ الداخلي و الإقلیمي ، التي غیَّرت وجهَ المعادلات الإقلیمیة السابقة لصالح مشروعٍ ایراني بدأ منذ 1979 .
و هو مشروعٌ وقف أمامه نظامَي الحکم في کُلٍ من أفغانستان و العراق لسنین ، واحدٌ باسم العروبة و الآخر باسم الدین ؛ و بإسقاطهما في -2001 و 2003- قُدِّمَ البلدان علی طبقٍ من ذهبٍ لإيران .
هکذا قال العَرَبْ ..!
و لعلَّ زلازل الخریف العربي عام 2011 و ارتداداتها المستمرة حتی اللحظة ؛ أعادت المشهد لصالح الإيرانیین بشکلٍ مضاعف ، في ظل سقوط أنظمة شکلت واجهة المقاطعة العربیة لإیران الإسلامیة.
و بنظرةٍ خاطفةٍ للشرق الأوسط في 2015 لاتحتاجُ الی ذکاء ؛ یتیقَّینُ المتتبعُ أن مجریات الأحداث في هذه المنطقة المشتعلة -ذاهبةٌ- نحو اعادة هندسةٍ شاملةٍ لخارطتها .
الإدارةُ الأمریکیة وإن اطلقت نظریة الفوضی الخلاقة بل بدأت فعلیاً بترجمتها علی الأرض في حقبة -کوندابوش- ؛ لکنَّها باتت تُدرکُ جیداً أن أي رسمٍ جدیدٍ لملامح شرق أوسطٍ جدیدٍ لایکتملُ من دون عَرضِهِ علی ایران أوَّلاً ؛ اللاعبُ الإقلیميُ و الدوليُ الصاعد .
إنَّ المباحثات النوویة لیست الّا -نافذةً- لمفاوضاتٍ أمریکیةٍ شاملة مع طهران تضمُّ ملفاتٍ اقلیمیةٍ معقدة ، بالرغم من نفي رأس هرم القیادة الإيرانیة
-فتحها- في الأمد المنظور . ففي السیاسة لاتوجدُ ثوابت کما هو معلوم ؛ و ان القرارات رهن المتغیرات ، تُتَّخَذُ بناءاً علی المصالح العلیا للبلاد .
و الّا کیف نُفسِّرُ رسائل اوباما
-غیر النوویة- للرجل الأول في ایران آیة الله علي خامنئي و رد الأخیر علی واحدة منها -بلغة- غیر نوویة أيضاً ؟!
فبعد أحداث الإنتخابات الرئاسیة الإيرانیة عام 2009 أشار خامنئي و في کلمة له و من دون احراج ؛ نصاً :
“إن الرئیس الأمریکي أطلق تصریحات جمیلة و أرسل لنا رسائل مکتوبة و شفهیة حول تحسین العلاقات و خلق ظروف جدیدة بین البلدین و أن یتعاون البلدان في تسویة الأزمات العالمیة ، و قلنا له ؛ نحن لانطلق أحکاماً مسبقة و انما ننظر الی أعمالکم” .
صحیحٌ أن تبادلَ الرسائل و اجراء اللقاءات بین عدوَّین لدودین ؛ یُعتبرُ تحوُّلاً جذریاً و استراتیجیاً في علاقة البلدین بعد أن کان مُحرَّماً لسنین طویلة ؛ و صحیحٌ أیضا أنَّ استراتیجیات “الشیطان الأکبر” و “محور الشر” و لأنها لیست آیات سماویة منزلة لا في القرآن و لا في الإنجیل -قابلةٌ للتغییر- ؛إلّا أنَّ الصحیح أیضاً أن تعاظم القوة الإيرانیة اقلیمیاً من جانبْ ، و انحلال نظیرتها الأمریکیة من جانبٍ آخر ؛ مؤشر علی تنافسٍ و صراعٍ وجوديٍ آخر ، سیصل حد کسر العظم في نهایة المطاف ، إن عاد الی أمریکا وَجْهٌ کبوش ..! فأوباما الدیمقراطي الذي لایحبِّذُ خیار الحروب بقدر الدبلوماسیة کمایُقال و الذي یبحثُ عن بصمةٍ تاریخیةٍ تُمیِّزهُ عن اسلافه ، سیغادر السلطة قریباً و سیُسَلِّمُها لمنافسٍ جمهوريٍ متشددٍ علی أغلب الظن ، إن لم یستثمر فرصة التوصل الی تفاهم مع الجمهوریة الإسلامیة لتعویض باقي هزائمه ، بدءاً من اوکرانیا مروراً بفشله في ایجاد حلٍ للملف الفلسطیني و ختاماً بسقوط حلفائه العرب و تنمامي قدرات حلفاء ایران .
نعم . أوباما مهدَّدٌ بتسلیم کرسيِّ الرئاسة و بقوة لخصومه الجمهوریین إنْ لم یأتي بجدید و إن بقی متردداً حائراً في اتخاذ المطلوب ، فالصراعُ داخل البیت الأمریکي لیسَ بسیناریو کما یزعم المتشدِّدونَ في ایران و عشّاق نظریة المؤامرة ، و کلام “خامنئي” الصریح في مدینة مشهد بمناسبة “نوروز” کان في غایة الوضوحِ و الدِّقة، حین قال و بالحرف الواحد ؛ إنَّ حقیقة الخلاف داخل أروقة السیاسة الأمریکیة تکمُنُ في أنَّ الجمهوریینَ لایریدون للدیمقراطیین قطف ثمار المفاوضات النوویة و کسب امتیازاتها المحتملة .
إنها “حقیقةٌ” یُدرکها أوباما أکثر من غیره ،و یدركُ جیداً الواقع الجدید للشرق الأوسط و توسُّع دائرة النفوذ الإیراني فیه.
تهنئتهُ المصورة للإیرانیین بمناسبة عامهم الجدید و أدبیاته المستحدثة التي خاطبت الشعب و النظام بلغة مختلفة ، و إن لم تعجب القیادة الإيرانیة کثیراً ، لکنهَّا جسَّدت حجم هذا الإدراك و مدی تفهُّم الإدارة الأمریکیة و استعدادها للتعامل مع -الأمر الواقع- بأسلوبٍ یضمن اللعب ببعضِ ماتبقی لها منْ أوراق .