حينما ينقذنا الفن من الرداءة
د زهير الخويلدي
” نحن في حاجة أكيدة إلى الجمال لكي نوسع…حقل قيمنا الممكنة ولكي نفكر على نحو مختلف…”1[1]
بماذا يتعامل الناقد الفلسفي مع الأثر الفني؟ ماهي الشروط التي تتيح عملية التلقي؟ كيف يمكن لأثر فني أن يغير حياة البشرية؟ وبأي معنى يقاوم الفن التفاهة والقبح والانحطاط القيمي؟ وما شرط إمكان نقد الذوق؟
عندما يكون المتلقي أمام أثر فني على غرار أغنية وقطعة موسيقية وقصيدة شعرية وفيلم سينمائي ومشهد مسرحي وتمثال منحوت وهيكل معماري ولوحة مرسومة وفسيفساء جدارية وأنشودة دينية وعمل أدبي فإنه مطالب بأن يتبع الخطوات الذوقية التالية:
- التركيز على ماهو جميل في هذا الأثر والاستمتاع به وذلك بالاقتدار على بلوغ العمق في السطح.
- أن يلمح التناغم الذي يوجد في الأثر من وجهة نظر شكلية ويرصد التناسق بصورة تجريدية.
- أن يعيش المتلقي المعنى الذي يتضمنه الأثر ويشارك في سبك الدلالة وفهم المرجع والإحالة.
- أن يقوم المرء بتصعيد الطاقة الليبيدية في الأثر والتسامي وتحويل إلى هدف ثقافي وفعل ملتزم.
- أن يشتغل المتلقي على مهمة تقبل السر وتتبع اللغز والخروج المتاهة وتفكيك اللغة المشفرة التي تعبر بها الآثار عن ذاتية مبدعها.
- أن يعتمد المرء على الأثر الفني من أجل بناء الجسور2[2] وردم الهوة التي تفصل بين الذات والعالم ويحقق التواصل بين الذوات ويزيل أشكال سوء التفاهم بين الأنا والآخر ضمن وضعية تشاركية.
لا يعتمد العمل الفني على العناصر المادية والأشكال الرمزية فحسب وإنما يخوض تجارب ضمن حقول سياسية ويقوم بالتجريب في المجتمع والخيال والذاكرة واللاوعي والتاريخ والجغرافيا والطبيعة والثقافة.
من المفروض أن يتم وسم الأثر الفني من خلال التعريف بالفنان الذي وقعه وعبر إسناد عنوان واضح له والكشف عن التقنية التي استعملها في عمله ومقارنتها بالقياس مع آليات غيره من الآثار الفنية المعاصرة له وتنزيله ضمن السياق الخاص به والإطار الاجتماعي والمناخ الثقافي والوجود السياسي المحيط به.
كما يمكن التفطن إلى المعارف التي وجدت من جهة مصادر الإلهام والخلق وتذكر الاعتقادات التي مثلت الحالة البدئية للفنان الذي وقعه والانتباه إلى جملة الحوارات الافتراضية التي أجراها مع شخوص رموز.
بهذا المعنى يخبر الأثر الفني عن الوطن الذي يوجد فيه الكائن ويدل على وظائف الفن وقيمة الجمال في مجتمع الرداءة ويكشف عن نسيان الوجود واختفاء الذات وتلاشي الوعي ويدعو إلى المقاومة بالصور ويضع العالم ضمن إطار ويترجم تنوع الإحساسات في لوحة ويستدعي الشعب بالقدوم ويحرض على إرادة الحياة ضد انتشار العدم واكتساح الصحراء للمناطق الخضراء ويجعل الضلال تعكس نور الشمس.
التحدث عن الجمال الأصلي زمن المآسي التي تتعرض لها البشرية والكوارث التي تعصف بمدنيتها وبيئتها الطبيعية يمكن أن يمثل علاجا من صدمة الواقع البائس ومواجهة فنية مع البشاعة ومراهنة على حقيقة الغاية الإنسانية ومحاولة للكشف عن المعطيات الأساسية للحرية وانتصارا للكرامة والحق3[3].
يتراوح العمل الفني بين الهواية والحرفية وينتقل من دنيا اللعب والتجريب إلى حقل المهارة وفضاء الإتقان ويحاول التأليف بين السماح بالفعل وحسن الصنع ويبذل الجهد للإبحار في الأعماق والتمرد على السائد.
كما يحاول الفنان التحديق في الراهن والنظر إلى المشهد وإبصار المصير وقراءة المستقبل ويجعل من المتحف ميدان مشاركة ويغير زوايا النظر ويركز الانتباه على الأطراف والسطوح والمرايا المحدبة.
يمتلك الأثر الفني إستراتيجية في العرض تتمظهر من خلال قوى إنتاجه وتبرز عناصره التكوينية ويلعب الترتيب الذي تظهر من خلاله امتزاج الألوان والأشكال والخطوط والأحجار والأضواء والرموز والمواد.
هكذا مرت عملية تلقي الآثار الفني بجملة من الأطوار أهمها: فهم عملية الانبثاق والتشكل وبعد ذلك المرور إلى عملية مشاهدة المسحة الجمالية التي يتضمنها والانتهاء بإظهار المعنى من خلال العبارة4[4].
جملة القول أن تلقي الأثر يعتمد على مرونة الفنان في تبليغ المضمون الجمالي وتجلية الأشكال الفنية وقدرة الذاتية على الخلق والإبداع والإنشاء والتشكيل والتعبير عن الرائع الجليل والجمال الخلاب.
الهوامش:
[1] Pépin ( Charles ), Quand la Beauté nous sauve, Robert Laffont éditions, Paris, 2013,p 57.
[2] Bourdie Alain , Dominique Bénard et Anne-Marie Houdeville, Découvrir et comprendre l’art contemporain, édition Groupe Eyrolles, Paris, 2010,p82 .
[3] Cheng (Francois), Cinq méditations sur la beauté, texte enrichi et lu par l’auteur , édition Albin Michel, Paris, 2006, Audiolib, 2008.
[4] EwiG (Isabelle) et Maldonado (Guitemie), lire l’Art contemporain dans l’intimité des œuvres, édition Larousse, Paris ,2005 -2013,p 05
المراجع:
-Bourdie Alain , Dominique Bénard et Anne-Marie Houdeville, Découvrir et comprendre l’art contemporain, édition Groupe Eyrolles, Paris, 2010.
– Cheng (Francois), Cinq méditations sur la beauté, texte enrichi et lu par l’auteur , édition Albin Michel, Paris, 2006, Audiolib, 2008.
-EwiG (Isabelle) et Maldonado (Guitemie), lire l’Art contemporain dans l’intimité des œuvres, édition Larousse, Paris ,2005 -2013,
-Pépin ( Charles ), quand la Beauté nous sauve, Robert Laffont éditions, Paris, 2013,
كاتب فلسفي
[1] Pépin ( Charles ), Quand la Beauté nous sauve, Robert Laffont éditions, Paris, 2013,p 57.
[2] Bourdie Alain , Dominique Bénard et Anne-Marie Houdeville, Découvrir et comprendre l’art contemporain, édition Groupe Eyrolles, Paris, 2010,p82 .
[3] Cheng (Francois), Cinq méditations sur la beauté, texte enrichi et lu par l’auteur , édition Albin Michel, Paris, 2006, Audiolib, 2008.
[4] EwiG (Isabelle) et Maldonado (Guitemie), lire l’Art contemporain dans l’intimité des œuvres, édition Larousse, Paris ,2005 -2013,p 05