ابو فراس الحمداني
مازالت حوزة النجف الاشرف تحتل المرتبة الاولى في تسلسل المدارس الدينية الشيعية في العالم حيث يتم تقييم العلماء على اساس تخرجهم من هذه المدرسة الرصينة ومنْ
يدرس الفقه وعلم الاصول في حوزة النجف يضمن له مكاناً علمياً مرموقاً في حوزات قم وطهران وباكستان والهند ولبنان، ومايميز حوزة النجف عن غيرها من الحوزات الدينية هو نهجها العلمي الاصيل وابتعادها عن الفعل السياسي المباشر , حيث تعتمد على نظرية الأمة الحاكمة وليس المرجعية الحاكمة, فهي لا تتحرك من موقع الحاكم بل تتحرك من موقع الشارع أي الناس حينما يطلب منها ذلك , وهي بذات الوقت لديها رأي سياسي ، فمن تقاليد النجف المعروفة لايجوز لطالب العلم ان ينتمي لاي حزب سياسي و لايجوز له ان يحمل اي افكارفئوية او قومية او عنصرية , من أجل تحصينها لكي لاتنقل الصراعات الى داخل اروقة الحوزة وتؤثر بذلك على الاجواء العلمية في النجف ,ومن المعروف ان علماء النجف ومرجعيتها تميزوا عن الحوزات الايرانية بعدم ايمانهم بولاية الفقيه كونهم يعتمدون نظرية الأمة الحاكمة كما اسلفنا أي أنها غير معنية بالتنظيم الحزبي وتأسيس كيانات سياسية, وإذا ما دخلت المرجعية الشيعية في العراق في الشأن السياسي فقد كان هذا مطلباً شعبياً وليس من موقع الفقيه الحاكم كما هو الحال في إيران أي ليس مطلب المرجعية , لهذا فهي تتحرك طبقاً لنظريتها لحماية خيارات الناس حيث ان السيد السيستاني ومن قبلة السيد الخوئي وجميع تلاميذهم يعتبرون بحث ولاية الفقيه اجتهاد غير ناجز ويعتبرون الظروف غير مؤاتية لانشاء دولة الامام وهم بذلك يمثلون استمرار للمدرسة الفقهية النجفية المعروفة التي تحمل على عاتقها نقل علوم الائمة ( عليهم السلام )والحفاظ على تراث المدرسة الجعفرية الفقهي والتصدي للمسائل الفقهية المستحدثة والحفاظ على نهج الولاية واستقلالية سلطة المرجعية من اي تأثير داخلي وخارجي ، والجميع يعرف حجم الضغوط التي مارسها النظام البعثي على حوزة النجف ولكنه لم يستطيع ان يثنيها عن خطها المبدئي الاصيل ، حيث خرجت من النجف فتاوى مهمة تؤكد على الوحدة الوطنية ومنها فتوى السيد الحكيم في بداية السبعينات القاضية بحرمة قتال الاكراد وفتوى السيد الخوئي الذي اعتبر ارض الكويت مغتصبة ولايجوز حتى الصلاة فيها , وفتوى الشهيد الصدر بحرمة الانتماء لحزب البعث وهذه الفتاوى كانت تمثل تحدي كبير لاركان الدتكاتورية في بغداد وعززت روح الممانعة والكبرياء في الشارع العراقي ،،وبعد سقوط النظام البعثي واسترجاع الامة لارادتها واجهت الحوزة مستوى جديد من التحديات الكبرى يقف في مقدمتها الارهاب التكفيري الذي حاول ان يضرب منابع العلم والنور والاعتدال حيث نفذ اول عملياته الاجرامية باستهداف السيد محمد باقر الحكيم وتلتها استهدافات اخرى لمرجعيات كبيرة ، ومازال الصراع مع الارهاب قائما حيث شهدت الاشهر الاخيرة عمليات ارهابية من نوع اخر استهدفت وكلاء المراجعيات ومكاتبها المنتشرة في ارض العراق وتقف وارء هذه الاستهدافات قوى داخلية مرتبطة بالخارج , نفذت عملياتها الاجرامية بعد ان فشلت في نشر افكارها المنحرفة بين الناس نتيجة لوعي المرجعية وحضورها الكبير في الشارع لجأت هذه القوى (التكفيرية الشيعية )الى ضرب المكاتب والوكلاء في محاولة لاخماد الصوت المعتدل والعلمي والمنهجي وفي تكريس لمفاهيم جديدة في ادارة الخلاف الفقهي من خلال اذرع مسلحة تقوم بمهة نشرالافكار بقوة السلاح ولان المرجعية لاتملك اي ميليشيات او قوى مسلحة فانها بالضرورة ستكون خاسرة في مثل هذا النوع من الصراعات ,,والتحدي الاخرالذي يواجه مدرسة النجف يتمثل بالنفوذ الايراني داخل الحوزة من خلال الطلاب والاساتذة التي زجتهم طهران في حوزة النجف في السنوات الاخيرة التي اعقبت التغيير وهؤلاء يعملون كلوبي ضغط داخل حوزة النجف من اجل تغيير معالمها وجعلها اداة سياسية تابعة لولاية الفقيه في ايران و هؤلاء الطلاب يستلمون رواتبهم من طهران ويعملون ضمن فريق عمل متناسق يتبادلون الادوار ويراهنون على الوقت لتغيير معالم مدرسة النجف الاشرف التي استمدت ثقافتها من البيئة العراقية المنفتحة والمتسامحة فأحتضنت الافغاني والباكستاني واليمني والبحريني والسعودي والتركي بدون تمييز ، بعكس المدرسة الفقهية الايرانية التي تميز على اساس العرق وتعطي الافضلية للطلبة الفرس وتعتبر المرجعية منصب سياسي اكثر من كونه علمي او ديني وموقف المرجعية امام هذا التحدي ضعيف كونها تقف امام امكانيات دولة بمستوى ايران ، والمستوى الثالث من التحديات التي تواجه الحوزة التحدي المتمثل بالمرجعيات الحزبية ، هذه المرجعيات التي تم استحداثها بعد التغيير وتم تنصيبها من قبل الاحزاب حيث تحول زعمائها الى مرشدين روحيين للاحزاب وبعد ذلك تم تنصيبهم كمراجع فقه في مؤتمر حزبي بعيد عن التقاليد الرصينة التي وضعتها الحوزة لاختيار المرجع الذي عادة ما يتم على اساس الاشارة ( اشارة العلماء المجتهدين ) وهم يمثلون الخط الثاني من علماء النجف يشيرون لشخصية المرجع الجديد على اساس العلمية والاجتهاد والتقوى والورع والفضيلة بالاضافة الى رأي الامة المهم في عملية التصدي للمرجعية الذي يطلق عليه اصطلاحا بالشياع حيث يشاع اسمه بين الناس على اساس فضله وعلمه وزهده هو الشياع عند أهل الخبرة. ويسمى بالشيوع المفيد للاطمئنان وتضمن هذه التقاليد الرصينة التي توارثتها حوزة النجف استقلالية منصب المرجع وكفاءته وابعاد هذا المنصب عن هوى السلطان وتاثيرات القوى الخارجية لذلك لجأت المراجع الحزبية الى تجاوز هذه التقاليد وحاولت ان تفرض رجالاتها كمرجعيات في الحوزة و اصبحت الساحة تعج بمثل هذه المرجعيات الحزبية التي اساءت لنفسها ولارث الامة الرصين مثل مرجعية الصرخي واليماني والقائمة تطول ,واعتقد ان الحوزة العلمية وماتحملة من ارث انساني ورسالي ومكانة مهمة في الوجدان الشيعي ، وموقعها المهم في الحركة الوطنية العراقية المعاصرة وتاثيرها الكبير في البنية الاجتماعية العراقية ولما تختزنه من قيم عدل وتسامح ومحبة تحتم على جميع النخب العراقية ان تنجز مشروعا فاعلا للتواصل مع الحوزة العلمية ينطلق من ضرورات اجتماعية وسياسية ملحة للحفاظ على حوزة النجف وحمايتها من التهديدات الداخلية والخارجية ، فتغيير ملامح الحوزة يمثل ضربة بالصميم للبنية الاجتماعية العراقية ، فبعد ان فقدت الاحزاب الاسلامية مصداقيتها وعم الفساد ربوع الوطن وتلاشت الشعارات وفقدت القيادات بريقها اللامع لم يبقى للوطن من مرتكز غير النجف الاشرف وعلماءها الاعلام الذين اثبتت الظروف القاسية التي مر بها العراق ان النجف وحوزتها الطاهرة كانت للعراقيين جميعا سنة وشيعة , عربا وكردا وتركمانا واشوريين مسلمين ومسيحييين حوزة النجف التي اعطت لنا الكثير وقدمت المئات من علماءها المخلصين في صراعهاضد الدكتاتورية من اجل حرية وكرامة الانسان العراقي, تحتاج اليوم الى من يدعهما ضد الارهاب التكفيري بشقيه السني والشيعي ويقويها ضد الضغوط الخارجية لتحافظ على هويتها العراقية الاصيلة التي حفظت للبلد وحدته وتماسكه.