اجرت الحوار عزيزة رحموني من المغرب
حفنة من الأسئلة مني و ردود باذخة من مبدع مشاغب في ساحة الحروف الشائكة، يراودها-يروضها-يراضيها و يفتح جسورا للمتلقي كي يقاسمه فكرا مستنيرا يفوح بعبق الإنسانية… هذا الصوت العربي المتمرد بدأ الحوار بنبرة دبلوماسية جاء فيها:
“لي شرف كبير أن تكون محاورتي أديبة راكزة هي الشاعرة والإعلامية العربية المبدعة عزيزة سوزان رحموني .. عسى أن أكون قد بلغت مستوى أسئلتها المهمة والخطيرة في ردودي عليها .. مع تحياتي وتقديري الكبير .”
ثم تتالت ردوده كزخات المطر أو كهبوب..الريح.لنتابع:
_فائز الحداد إذا فتح لنا سماء قلبه، أية أسراب ستطير منه، و ما الذي لا يعرفه القارئ عنه بعد؟
أكيد هناك الكثير مما لا يعرفه القارئ عني و عنك ربما أيضا ، فالمبدع كإنسان استثنائي مليء بالأسرار وعالمه واسع ، وأحيانا شائك .. وما يرشح عنه كبوح كتابي ، أعتقد يدور في التعميم الظاهر أكثر من التخصيص الباطن ، وفي الموضوعيات أكثر من الذاتيات ، ويبقى اكتشاف عالم الشاعر ، مهمة صعبة جدا ويضطلع بها القلة ممن يقوم بدراسة منجزه دراسة دقيقة بتخصص العارف والملم في التقييم والتحليل والتأويل
..
التأويل الذي أعوّل عليه كثيرا ، فالقصيدة الحديثة لا تعطي نفسها بسهولة أبداً ، وهي من تمثل وتؤطر عالمي بكل تواضع ..
بمعنى لابد وأن تكون هناك قراءة نقدية منتجة توازي النص في معاصرته وعصرانيته ، ولا أخفيك سراَ .. فلقد اعترضت على الكثير من الدراسات التي كتبت عني ، لوجود بون بين فهمي للنص وبين فهم العديد من النقاد ، اللهم إلا القليل منهم من كان يجيد النقد حقا ، وقد ذكرت أسماءهم في مناسبات كتابية وحوارات سابقة . ولكنني هنا لا بد وأن أشيد بكتابات أ.د إنعام الهاشمي النقدية وكذلك ترجماتها الرصينة في ما كتبته وترجمته لي كذكر للجهود الكتابية القيمة .
_أي السبل قادت فائز إلى اقتراف الكتابة؟
إذا كان هناك من جريمة اقترفتها منذ يوم ميلادي اللعين إلى يوم مماتي الجميل فإن الشعر يقف أولا في سلسلة جرائمي ..
أما من قادني إلى الكتابة إلى الشعر كمَيْل فطري فأعتقد أنه هوسي بالموسيقى ، و ولعي بالغناء المحلي والعربي ، فقد صنعت في طفولتي ” ربابة ” ، وتعلمت العزف عليها بدون معلم وأنا في العاشرة سِنا ، ويا ما لقيت جزاءاتي عليها بعقوبات متلاحقة ، ثم تعلمت العزف على آلة العود فيما بعد كهاجس لم يغادرني قط ، ومن الموسيقى جاءني الشعر غازيا لي كقارئ للشعر الزجلي والعربي فصادقت المتنبي وأبا تمام و ابو العتاهية والبحتري وابن الفارض وغيرهم ، بجانب شعراء العراق الكبار وفي مقدمتهم شاكر السماوي ومظفر النواب الذين كنت اعرفهما شخصيا .. ومر زمن عار ٍ وتصحرت المسافات ما بيني وبين فراقهم بسبب قسري ، ولما كانت القصيدة العمودية السمة الطاغية في العراق بسبب الأحداث التي مر بها ، سلكت طريق القصيدة العروضية وصرت اسما معروفا فيها بين الشباب آنذاك في العراق ، لكنها لم تكن هاجسي الأول فهجرتها رغم أن لي مجموعة شعرية فيها واتجهت صوب قصيدة النثر والتي اعتبرها هي الشعر الحر بعينه وليس غيره ، فتوجت انتمائي لها في أول مجموعة شعرية صدرت لي في بغداد عام 1990 وهي ” قبعة الأفعى ” وتوالت فيما بعدها إصداراتي المتعددة فيها وآخرها مجموعتي ” روزالين ” التي صدرت في دمشق قبل شهرين 2012 .
–الإرهاب ألوان، أيها اقسى : إرهاب الحب’ الخبز’ الفكر’ الدين؟
أعتقد أن مفهوم الإرهاب كظاهرة لا يتجزأ أبداً ، وهو كريه ومقيت بكل أشكاله ، لكن هناك إرهاب أقل وطأة وأخر أكثر خسائر من إرهاب آخر ، ويبقى في تقديري إرهاب الخبز في المقدمة ، فالإنسان إذا جاع كفر ، وبعده تأتي الإرهابات الأخرى في ظلالها القاتم من حيث الخطورة والبطلان وهناك شواهد وأمثلة وبراهين عما يعانيه بنو آدم فوق الأرض وفي كل العوامل المحركة للحياة.
إرهاب الحب لا يختلف كما أرى عن إرهاب الفكر وإرهاب الدين ملحق بهما .. فنحن أمة جبلنا على الاغتصاب ومصادرة الحريات منذ الجاهلية إلى جهالة هذا الزمن العولمي المرعب ، ولازلنا نتشدق بالعناوين الفارغة تاريخيا وحاضرا.
_متى تنبت الأسئلة في فراغ داكن؟
إنضواءً تحت استعاراتك التي استلّتيها من عنواين نصوصي وربما مقاطع شعرية منها أو تلك التي عبّرت فيها عن رأيي في التنظير على النص أقول :
إن أسئلة الشاعر الدائمة والمؤرقة تحيى في فراغ داكن وعالمه عبارة عن فراغ داكن دائما .. فأسئلتي الروحية والوجودية تضعني بمكانة الخالق الأرضي كإنسان ، فالشاعر كائن سماوي استثنائي لا تربطه مع الأرضيين سوى الأفعال الفيزيائية وربما هبط على الأرض بفرمان خلقي متفرد ، فوجوده لا يسبقه في الحقيقة غير وجود الرسل والأنبياء لذلك قلت في نص ( لولا الأنبياء لاختار الله الشعراء ) ..
الفراغ الداكن هو سبب أسئلة الشاعر القاتلة وقلقه المميت ، لذلك سيبقى الشاعر في خسائر متلاحقة لا يتقدمه أحد في خسراناته .. وبالمناسبة أنا أعشق هذه الخسرانات لأنني لا أريد أن أكون رابحا ونادما ، ويا ما أهديت ربحي ( للذين حملوا الجرار على كتفي وناءوا ) وكما تعودت .. فيا لخساراتي الدائمة .
هل للوهم مراتب ؟
نعم هناك مراتب للوهم وأولها وهم التفوق والسلطة ولا أخفيك سِرا بأنني أيقنت بمراتب الوهم الحقيقية لا الافتراضية بعد قراءتي لكتاب علي حرب ” أوهام النخبة وبيروقراطية المثقف ” .. فهل من شيء يسبق الوهم في المرتبة بالنسبة للواهم .. خصوصا في وهم الحب !؟ ..
أمَا الحلم في حقيقته مقدمة الأوهام كأضغاث وكوابيس ؟
_متى يُعربُ الحب شعرا و متى ينتحر كلاهما ؟
يعرب الحب شعرا مرفوع الجبين وعلامة رفعه حبيبتي التي حين ألتقيها لا أبرح شفتيها إلا ثملا تسبقني إليها كل شياطين الحب بنادر الغيرة فألوذ بملائكتي الدافئة لأطردها من جنات عدني التي تجري من حولها المريمات .
الحب الحقيقي كائن حي كالكائنات الحية الأخرى يحيا بماء العناق .. و وتينه يتصل بنابضين كطبي جذب ويرتبط بجذرين مشتركين في التفكير والوجدان .. خيمته الاحترام وعموده الثقة وفي انتفائهما ينحى منحىً مصلحيا وبراغماتيا وينتحر إن طغت الغرائز على الروح وانتفت الأحاسيس الصادقة .
ربما قرأتِ نصي بعنوان ” معرب بك ِ ” عسى أن أحسنت إعراب حبيبتي شعرا .
يا آية َ الملاذ ِ في غرور ِ العطر
ياااااااااااااااا ..ا
لحوارك ِ الوردي في أظافر ِ الليل
ملمسك ِ الشوكي أبرحني عابدا يا زهرتي
ذاعنا لإلهك ِ الغرير ..
مسبحا لجفنك ِ بالندى
لكن أذاك ِ المغري أبرحني ناهما..
ساجدا لغواك ِ الجميل !!
_فائز يغزل الحرف ضوءا و يسدده تجاه سؤدد القارئ …لكن الحب “تيمة ” غالبة في كتابته، لماذا ؟
أتذكر من قصائد العمود لي سابقا هذا البيت الشعري الذي ينسجم تماما ومفاد سؤالك الجميل هذا ..
لا تلبسي حلالا ولا تتجملي
فلقد غزلتك كالحروف بمغزلي
يا سيدتي .. أنا لا أطلق الحرف في الشعر كطير ضال في ريح فالحرف الشعري هو أول بسملات المفردة الشعرية وأساسها في البناء الجملي ، فالشعر كمعرف معروف هو صفوة الأدب الخالصة إن كان الأدب صفوة اللغة حقا ، فهو ليس بترف كتابي أو بنسيج حروفي كيفي أو خياري ولا بصنعة وتصفيف شَعر ولا لون من البهرجة والمكياج أو شكل من الاكسسوارات ولا فرمان الدعاية أو الإعلان ..
فما بالك إذا اقترن الحرف بالشعر ..؟ ولا غرو إن قلتُ : بأنني أحس بجرس الحرف في المفردة والمفردة في الجملة في مداميك البناء الشعري .
أنا هنا أسألك .. هل تجدين أسمى من ثيمة الحب في الكتابة الشعرية ؟ ، الجواب لك سيدتي قبل القارئ الكريم .
_متى تتنهد القصائد عطرا باذخا ؟
القصيدة الجميلة كالمرأة الباذخة الأنوثة تضوع بعطرها الباذخ حين تأتي بالجديد في الجمال والتكوين ، بل هي في حقيقتها امرأة ناهد تضوع عطرا سماويا يشعل المكان والفراغ بآيات تترى .. فلم يخلق الله أجمل من المرأة على الإطلاق بمفاتنها وتضاريسها النادرة .. فهي صفيته الأولى في الجمال لذلك وضع جناته تحت أقدامها وجعلها مصدرا للحياة والموت معا .. فإن تنهّدت القصائد فتنهّدها يزف المرأة زهرة أولا لتحمل في جنباتها المتصلات الأخر كالأرض والوطن واللذة والحياة وحتى الكوارث والحروب فلكل منها تنهداتها وعطرها !؟ .. لذلك أقول بكل جرأة بأن القصائد هي النساء .
أما عن العطر المقدس لي .. فلا أجد أجمل من عطر المرأة الطبيعي بتاتا ، ولن يضاهيه أي عطر صناعي أو زهري عندي ، رغم تعلقي المزمن بعالم العطور منذ صغري بشكل كبير .
_هل للخطيئة وحي يا فائز و متى تكون الخطيئة حسنة ؟
هنا تكمن جدلية التناقض والترابط معا في انعكاساتها وترادفها ، أي جدلية التضاد والوفاق .. والمعنى الفلسفي لها يجسده الشعر قبل غيره ، أولا .. أما كان الخطأ طريقا للصواب ؟ .
وحي الخطيئة إذن : هو إيعاز مسبق في ولوجها عن عمد .. والحسنة هي اعتراف بائن بأنك قد اقترفت خطيئتك بإيمان المبصر العارف والمصر على ارتكابها ..
أنا هنا لا أضع تناصّا بين الشعر وبين الدين .. وقولي هذا مأخوذ على محمل المخيال والافتراض في استهداف المعنى الجديد فأنا رجل شاعر وليس برجل دين .. ولن أوقف هدير المفردة بالرجوع إلى ماهو ممنوع من الصرف الشعري قبل اللغة وأسجن المعنى . لذلك أصر بأن للخطيئة وحيا كما للحسنة من وحي ، فكلاهما مترادفان بمعنى التضاد النسبي والمطلق في آن .
_هل الشعراء ظل لشهريار ؟
على صعيد الأنويات والتسلط والغرور نعم .. ربما في كل البعض وبعض الكل ، ولكن هذا يخضع لعوامل كثيرة بعضها جيني ربما أو نشأتي سايكولوجي مركب والشاعر إنسان قبل أي شيء ، فجل الرجال شهريار بمزاياه الشرقية في النسونة وحب التفرد وتتحمل المرأة جزءا من هذا التكوين ، لكنني لدي قناعة شبه مركزة من أن الرجل يحمل من السلب أكثر من الإيجاب وبأنه خائن من الطراز الأول و قاتل محترف أكثر من أي حيوان مفترس الذي يقتل ليأكل ويعيش فحسب ، ولا تنسين بأننا أولاد المجرم الذي قتل أخيه من أولاد آدم ..
في الجانب الآخر هناك نساء شهريارات أيضا في جمع طوابع الرجال للإيقاع بهم والإجهاز عليهم ، لا فيزيائيا بل للبطش بهم وسوقهم إلى أنفاق السقوط والموت اجتماعيا وتعرفين سيدتي نحن كمجتمع شرقي تشكل السمعة علامة بارزة في شكل وجاه الإنسان ولدينا أمثلة كبيرة على ذلك ، والمعادلة يمكن إيجازها بأسمين ( شهريار _ شجرة الدر ) تمثيلا لا حصرا .
لقد كتبت كاستعارة ورمز نصا بعنوان ” شهريار ” منشور في مواقع متعددة .. قلت :
حين نلغي بعضنا….سيشارُ الينا
كرقمين ِ أعزلين
قلتِ :
ما أنتَ الا صفرٌ في جدول النفي
وأنت أول الأرقام !!
لكن تذكري ..
لولا صفري ما بلغت الألف
وما تضاعف شأنك بين النساء
إن شئت ِ لنفك الشراكة ..
خذي واحدك من الألف ، والمتبقي لي
فأنا شهريار الف ليلة
ثم أنت ِ يا .. شهرزاد
_أتعتقد بضرورة تحديد نسْلِ الشعر ؟
طبعا وبشدة إذا كنا نستهدف الشعر كحقيقة .. في زمن الضياعات الكثيرة والنزق الكتابي وشيوع مجانية النشر الكيفي والكمي ، وفي زمن الاندثار وخسائر الشعر وهوس التحبير المضر وتفشي ظواهر السرقات والبلطجة الأدبية وتسيد عولمة الفكر السلبي في التعميم والتعتيم .. كان لابد من ضرورة تحديد نسل الشعر في الحرص على النوع كندرة وإقصاء الكَم كنفايات كتابية ..
ولو أحصينا القصائد والنصوص التي تنشر بدقة لمعرفة المتميز من الشعر ومن يمثله لأحرقنا الثلثين وأبقينا الثلث منه .. وبهذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أنني قد كتبت موضوعا عن تحديد نسل الشعر ومنشور أيضا قد أنهيته بسؤال صريح و واضح ..
هل هي دعوة لتجديد بيعة الشعر للشعراء الحقيقيين لتأسيس منهجية نقدية ، يكون الشعراء حصرا بناتها ولبناتها ؟ .
أجل لنشر غسيل الشعر على حبال الحقيقة وتحديد نسله في أرحام الندرة والنادر الذي أضحى لماما كندرة أصائل الخيول في هذا الزمن الهجين ..!!.
_متى تكون المرأة قصيدة و متى تكون مسدسا أو دمعة على العرش ؟
بعيدا عن اقتران الدالة بالدليل أو تعارضهما فالمرأة التي قلتُ عنها مرارا هي ( المنزّة دائما من كل عيب ) تبقى سيدة هذا الكون بلا منازع .. ورغم ذلك استطيع القول بكل جرأة وصراحة بأنها .. هي كل هذا وأكثر من ذلك بكثير فهي ( أما نعمة وإما نقمة )كما قيل عنها ، ولكن هناك من الفوارق ما لا يمكن جدولتها بإشارات رقمية ولا تعريفية.. فهذه المسألة تحددها فلسفة العلاقة بين الرجل والمرأة وخطوط بيان الصلة والارتباط .
وفي الشعر تعرفين متغيرات موقعها عند الشعراء على مر التاريخ في الغزل والمديح والهجاء والحماسة والفخر .. فهي عندهم الوردة والشوكة والظبية واللبؤة والمخلصة والخائنة والزاهدة والغانية وهلم جرا .
فليس كل امرأة قصيدة رغم أن حبيبتي قصيدتي الأولى ، ولا كل امرأة مسدس وربما هناك نساء كاوبويات قَتلن وقُتلِن ؟ لكن امرأتي بالنسبة إلي ستظل ” دمعة على عرش ” .
_يقول فائز ذات مقال ان “المرأة مِرآة يخونها المكياج” ما تفسيرك ؟.
الشعر لا يفسر يا سيدتي بهذه البساطة ، وبتفسير تعريفي أو وصفي مجرد كون الشعر يشتغل على منظومة التأويل أكثر من التفسير وحتى التحليل أيضا ..
لقد قلت في حوارات سابقة بأن النص الشعري بمثابة جبل ذي سفوح قرائية متعددة ولكل قارئ قراءته وتحليله وتأويله وهنا لا أريد أن أخضع المعنى إلى سطحية المرور الراكض بأنني ألج تفسيرا بقدر ما أريد أن يقرأ بإنتاجية القراءة النموذجية على أنه عنوان شعري لقصيدة وليس بعنوان لمقال .
أما إذا اردنا أن نحيله لغير الشعر فالمسألة بسيطة كالذي يريد أن يجيء إلى ترجمة المصطلح في الانجليزية إلى اللغة العربية بتفكيك كلماته خارج دلائله ووحدة الترابط فيما بينه ليكون المعنى على غير المعنى الحقيقي للمصطلح .
_هل يعرف فائز تضاريس القلق ؟ و الأرق؟
أنا أريد هنا أن أحيل هذه التضاريس لفضاء لشعر حصرا خارج الشخصنة ومعاناة الذات والحب والمرأة والدراسة والنجاح كظواهر عامة .. بمعنى أن آتي إلى الخلاصة المعنوية المعبرة حقا عن فحوى السؤال في الشعر والذي هو قدري .
فالقلق هو السبب المستفز الأول للشاعر ، وما من شيء يؤرق الشاعر مثل قلق الشعر ، فالعملية مترابطة ومترادفة في صناعة القصيدة .. فالقلق مصدر الأرق وسببه الرئيسي ، أما عن تضاريسي أنا .. فهي وعرة حقا وأسلك دروبا ومنعرجات كثيرة للوصول لغايتي ..
بلى تقلقني القصيدة كثيرا وتؤرقني وأكاد لا أفرق بين قلقها وأرقها حين تمسك بي وتقودني في بادئ الأمر لأقودها في النهاية !!؟.
_إذا غزلَ الصمتُ الأذى ما الذي ينقشه الشاعر ببصيرته ؟
هنا المعضلة المؤرقة لي حيث الأذى هاجس الصمت .. ” الصمت الذي يوصف بالذهب إن كان الكلام من فضة ” .. فهو نار الذهب في انبعاث البوح واشتعال الفضة .. فليت لي بدماء الذهب لجظة اشتعاله لأشعر بأذاه في صمته ..
لقد كان الصمت يغزلني أعواما وغزلته في انعتاقي في عزلتي الدائمة وليس في الهروب منها ! .
الصمت يا زميلتي أبلغ بكثير عند الشاعر من أيقونات الصوت الذي لا صدى له غير القرقعة الفارغة .. فكم أحب صمتي في أذاه المبرح حين يغزلني حجرا أكتم صوتي وأنازع حنجرتي البكاء.
_ إنتاج الثقافة و استهلاكها معادلة صعبة في العالم العربي، لماذا؟
لا اعرف هل ألتقي معك في ( إنتاج الثقافة ) أو لا .. وكأنني أشعر بأن الإنتاج يختلف في معانيه ويذهب إلى معان متعددة تتعلق بالماديات أكثر ، وأخشى أن لا يكون على غرار إنتاج سلعة ستخرج من معمل .
أجل هي صعبة وصعبة جدا بمكان .. لأننا عالم ودّع الثقافة منذ سقوط الأندلس آخر معاقل العرب ، فهناك باعتقادي كانت خلاصة العرب الثقافية في الأدب والفلسفة والعلوم .. ولأننا شعب تعوّد على الثقافة الموجِهة الواحدة كثقافة الدين والسلطة والقبيلة وما يتصل في ذلك من تفرعات ومتصلات ، ولا ادري لما أخذني سؤالك هذا إلى كتاب ” الأمة الأندلسية الشهيدة ” لعادل سعيد البشتاوي ، ورواية ” المخطوط القرمزي ” لأنطونيو غلا لكنه على أية حال الجرح الذي أحمله للأندلس العظيمة.
أعتقد يا سيدتي بأن الثقافة العربية خضعت وتخضع لمعايير تأثيرية كبيرة ومتعددة منها ما هو قطري وعربي ومنها ما هو إقليمي وعالمي .. فنحن كعرب في عصرنا الحديث قد تخلينا عن أصول وأساسيات ثقافتنا الخالصة لصالح ثقافات الدين والقومية والطائفة ، ولأسباب جلها سياسية وأيديولوجية ، فبعضها ذاتية وأخرى خارجية خارجة عن إرادتنا .. وهذا قد خضع لمصطلحات تحمل التجزئة عنواننا لها ، وتعرفين جيدا بأن الكتاب كعنوان أولي بات لا يتداول في بلادنا العربية ولا يمر إلا على ظهر جواز دبلوماسي لا عادي ودواوين جزء منها ، ناهيك عن دور السياسي القاهر للثقافي ومبدأ الإقصاء الذي يواجهه المثقف عن أي قرار استراتيجي يتصل بالوجود والمصير .
فإنتاج الثقافة عربيا الآن هو خط أحمر يتصل بثقافة العولمة وعسكرة الثقافة ، بالإضافة إلى وجود المنظمات الثقافية الدولية المانعة والمقيدة لكل ثقافة وطنية خالصة كمنظمة ( الكونسورتيوم ) الأمريكية وغيرها والتي تحارب ثقافات الشعوب والأمم الأخرى.
في سؤال وجه لي في راديو ( سوا ) عن مستقبل الثقافة العراقية في ظل ( الديمقراطية الأمريكية الجديدة ) .. قلت :
هل نتوقع ثقافة نظيفة في ظل وساخة الاحتلال ؟
وفي ظل هذا السؤال أتساءل .. هل هناك إمكانية لإنتاج ثقافة عربية خالصة ؟ ..
إننا نتوهم إن تصورنا ذلك .. فنحن نحيا ثقافة التابع والمتبوع والقوي والضعيف فالزمن السياسي تاريخيا قد ودعنا كالشياه الضالة لصالح ثقافة الجبروت وصراع الثقافات التي يلخصها شكل العلاقة بين ( حمل _ وذئب ) .
_سأسرق عنوانا لأحد نصوصك و اطرحه سؤالا هنا: الشعر و الفلسفة من سبق مَن ؟
الشعر طبعا من سبق كل الأشياء وليس الفلسفة وحدها ، فالشعر بدأ حيث ابتدأت الرئة الأولى بالتنفس ولأول إنسان ومن ثم جاء ( كونوش ) .. وحتى لو كانت الفلسفة من تمثل الرأي الأول في تأسيس الفكر والكتابة فإن أول نص فلسفي كان قد كتب شعرا ، ولاحقا ليس هناك من ابتكار أدبي أو علمي إلا ويكون الشعر أساس مخيلته وهذه قناعتي البتة ، ولك من الأمثلة الكثير والكثير جدا . ناهيك عن علاقة الفلاسفة مع الشعراء ومكانة الشاعر عند الرب الفيلسوف والفيسوف الرب .
الشعر لم يسبقه شيء أبدا حتى التنزيلات التي تبَنّته وأكلت من جرفه كثيرا فقد بقيت في حاجته وليس هو بحاجتها والاستشهاد به في الخطب والتراتيل وغناء العبادات خير دليل على ذلك .
_المنتديات الثقافية ، ما لها و ما عليها في رأي فائز ؟
هل هناك منتديات ثقافية مستقلة في بلادنا غير مؤدلجة وتعبر عن الفكر حقا بعيدا عن السلطة وعولمة الفكر ومصادرة الرأي ؟!! إذا كات هناك مثل تلك المنتديات أرجوك أن تدليني عليها وتزوديني بعناوينها لأنتمي إليها ولو أني لا أنتمي إلا لوجدان الشعر في أسوء وأحسن الأحوال.