أجرى الحوار : شاكر فريد حسن
*أنا إنسانة أمارس صراع البقاء منذ ولادتي
*بدأت كتابة الشعر في جيل 12 عاماً ، ولكني لم احتفظ بما كتبت ، وفقط الآن أفهم حكمة القدر في جرياني الدائم وعدم احتفاظي بـ “تحف أثرية” لا مكان لها في آني
*الكتابة هي لسان الذات أو لغة النفس
*ليس بمقدوري تقييم أية حركة ثقافية، ولكنني مدينة لكل من وما ساعدني على الحفاظ على جذوري والبقاء على قيد الوعي وعلى قيد الحرية وعلى قيد الحياة
*الحب هو حالة للمشاعر لا تعرف العدم ، وفيها ينمو الأطيب في الذات والأطيب في الآخر
سلمى جبران شاعرة فلسطينية تقيم وتعيش في عروس الكرمل حيفا ، أكدت حضورها في ساحتنا الثقافية والأدبية بجدارة وتميُّز، من خلال قصائدها التي نشرت لها في صحفنا ومجلاتنا الأدبية، وفي مجموعتها الشعرية الأولى ” لاجئة في وطن الحداد ” التي صدرت لها قبل فترة وجيزة، وجاءت في أربعة كتب، وهي :” دائرة الفقدان، الحلم خارج الدائرة، متاهة الحب، حوار مع الذات” . لا تبحث عن الشهرة ، ولا تلهث وراء النقاد ، إنها تكتب لتعبر عن خلجات قلبها ونبضها وجرحها ووجعها الداخلي، وتعنى بإنضاج الفكرة، وتجمع بين حروف كلماتها قطوفاً من الرومانسية والرقّة والحلم والدفء الإنساني والمشاعر الصادقة، ونلمس في نصوصها الخيال الخصب الواسع المتجسد في الدلالات والإشارات والمعاني العميقة. ولتسليط الضوء على تجربتها الشعرية كان لي معها هذا الحوار :
* من هي سلمى جبران؟
السؤال عام جدًّا، ولكنّي أقول: أنا إنسانة أمارس صراع البقاء منذ ولادتي وأصبح ذلك جزءًا من مبناي الدّاخلي الذاتي نفسيًّا وشعوريًّا وفكريًّا، وأرى أنّ هذه الحالة تنعكس عليّ حتى جسديًّا. نجحت في كل مراحل حياتي أن أتصاحب مع الألم والحزن ومع كلّ صعوبات الحياة التي واجهتها والتي أحيانًا اخترتها وأحيانًا أخرى اختارتني. كَوني أُمًّا عصف بحياتي عصفًا غير اعتيادي بسبب ظروف استثنائيّة عشتها ولا أريد أن أكتب عنها، أو أن أُحلِّلَها لأنّني أرى أنني إن فعلتُ ذلك فأنا أستحضرُها ولستُ أُجيد استحضار الأرواح!
أُحبُّ في نفسي بساطتي التي مكّنتني في غالب الأحيان أن أرى الأمور على بساطتها وبدائيّتها ممّا جعلني أصل إلى عمقها وأبقى هناك طويلًا حتّى أتعب أو حتّى أصل إلى سراب! أقدِّس الإنسان روحًا ونفسًا ويطول تأمُّلي في سبُل ممارسته الحياة حتّى أملّ!
بالنسبة لتحصيلي الدّراسي والمهني فهو يشبهني تمامًا: طمحت بالوصول إلى لقب ومهنة ثمّ لقب ثانٍ ومهنة أخرى وعندما وصلت شعرت أنّني أعود إلى نفسي وقرّرتُ أن “أربح نفسي … دون أن أربح العالم”!
* حدثينا عن بداياتك الشعرية ، وما هي المؤثرات في تكوين تجربتك الإبداعية؟
بدأت كتابة الشِّعر في جيل 12 عامًا ولكنّني لم أحتفظ بما كتبت، وفقط الآن أفهم حكمة القدر في جرياني الدّائم وعدم احتفاظي بـ “تحف أثريّة” لا مكان لها في آني. تربّيت على أصوات الزّجل والمناجزات الشّعريّة والتغنّي بالمتنبي وأبو فراس الحمداني والجواهري وسليمان العيسى وأبو سلمى. وأكثر من أثّر بي وجعلني أحلّق في أجواء سماواته هو جبران خليل جبران حيث انتشيتُ هناك بالحب والرّوحانيات والآلام المقدّسة. بعد هذه المرحلة لم أكتب شعرًا لفترة غير قليلة ولكنني عشت شعرًا كتبه لي الحب المعمّد بالألم وهذا الشِّعر الذي سكن كل خلاياي كنتُ أسمعه في داخلي وكَتبتُ بعضًا منه في المرحلة التّالية.
* الكتابة ماذا تعني لك ، وهل لك أي طقوس خاصة؟
الكتابة هي لسان الذّات أو لغة النفس. الكتابة في كل مراحل حياتي هي علامة وجودي وتواصلي مع نفسي ومع واقع حياتي. لكل حالة كتابة طقوسها الخاصّة وكل الطقوس تنبع من حالة هدوء وتوحُّد تتجلّى في حوار مع الذّات يهدف إلى حوار مع الوجود ومع الدُّنيا.
*لمن تقرأ سلمى جبران ، وماذا تقرأ ، ومن يعجبك من الشعراء العرب المعاصرين؟
حاليًّا أقرأ روايات تكشف عن أعماق ذاتية إنسانية مثل: “العطر” لزوسكيند– “ذاكرة غانياتي الحزينات” لجابريئيل ماركيز – “الغريبة” لمليكة أوفقير – “صمت الفراشات” لليلى عثمان – “إنانة والنّهر” لحليم بركات– “سيّدة المقام” و”طوق الياسمين” لواسيني الأعرج وطبعًا “باب الشمس” لإلياس خوري، قرأتها مرّتين على الأقلّ، والكثير من الرّوايات الأخرى التي تكشف خبايا النفس البشريّة. أقرأ أيضًا الأدبيات المهنية العلاجيّة، مثلًا إرفين يالوم، فرجينيا ساتير ووين داير.
وعن الشعراء العرب المعاصرين، فأنا عشت شعر محمود درويش وأعتبره السّماء التي تغطي الشّعر العربي الحديث وتنقله إلى كونيّة خاصّة متكاملة خالدة لا تعترف بالعدَم. وكذلك يعجبني شعر راشد حسين وحنا إبراهيم وسميح صبّاغ وحسين مهنّا وتوفيق زياد وسالم جبران. ولكنّني شربت قبلهم من نبع جبران ونزار قبّاني وعبد الكريم الكرمي وسليمان العيسى ومعروف الرصافي وإيليا أبو ماضي والجواهري وغيرهم.
* الحركة الثقافية في الداخل الفلسطيني كيف تقيمينها، وهل هي قادرة على استيعاب كل التجارب الإبداعية؟
بما أنّني أومن بالفردية وخصوصيّات الفرد، فأنا أُتابع أفرادًا أثروا بي وبالآخرين وأثاروا حب استطلاعنا لاكتشاف قدراتنا الذّاتية وقدرات الآخرين وسكبوا نورًا على مواطن الجمال والحرية في العالم. لذلك ليس بمقدوري تقييم أية حركة ثقافية ولكنني مدينة لكلّ من وما ساعدني على الحفاظ على جذوري والبقاء على قيد الوعي وعلى قيد الحريّة وعلى قيد الحياة. التجارب الإبداعيّة لا تأذن أحدًا بالدخول إلى الوعي الثقافي العام وهي “تملك نفسها ولا تريد أن أحد يملكها” مثل المحبة الجبرانيّة، ولذلك فالقدرة على استيعابها، في أي مكان أو زمان، هي قدرة لانهائيّة.
* حركة النقد في بلادنا ، ما رأيك فيها؟ وهل للعلاقات الشخصية أثر في الكتابة النقدية؟
لم أقصد أن أقرأ نقدًا أو أن أتابع “الحركة النّقديّة” ولكن من خلال اطلاعي على مجموعة كبيرة من المقالات النّقديّة أدركت خصوصيّة النّقد في بلادنا وخضوعه إلى عدّة معايير أحدها “القرب من الصّحْن”. ولكن طبعا هناك من النقاد المحليين، أمثال شاكر فريد حسن، مَن أعطى حقًّا وأوجد مساحةً ل”البعيدين عن الصّحْن”. لم أقرأ أدبيات نقد أكاديميّة وأنا على ثقة أنّ هناك نقدًا ذا مصداقية في هذه الأدبيّات، رغم أنّ العلاقات الشخصيّة في مجتمعنا تطوّرت و”تعصرنت” من علاقات قبليّة حمائليّة إلى علاقات حزبيّة عقائديّة أعجز عن تحليلها وأظن أنّها تؤثِّر بشكل أو بآخر على الكتابة النّقديّة.
* هل لدينا شعر مقاومة فلسطيني اليوم، أم أنه انحسر وتلاشى؟
أعتقد أن من أبرز قصائد المقاومة كانت قصيدة: “سجِّل أنا عربي” وأذكر أنها كانت في حينه إثبات وجود وحق، ولكن تنكُّر محمود درويش التام لها كان صارخًا و”لاعب النّرد” تجاوزتها بقرون وأبعدتها. أي حقّ أرجعه شعر المقاومة؟!! الشعر تعبير عن المشاعر وعما يدور في كياننا ووجودنا- ولذلك مجرّد التعبير هو مقاومة للعدم وللموت. محمود درويش قاوم العبودية الذاتية وحرر نفسه وارتفع إلى الكونية الإنسانية مهملًا كل قيد نضعه حول أنفسنا أو يضعه حولنا المضطهِد. بعضهم امتلك “لقب” المقاومة مقترضًا إياه من المضطهِد نفسِه ومدينًا له به … وسألتني سابقًا عن ظاهرة “صناعة النجوم الأدبية”؟!! وأجيب: هل كان “شعر المقاومة” ظاهرة أم حالة منشودة أم موجودة!!؟
*ما هي الموضوعات التي تطرقت إليها في مجاميعك الشعرية؟
الحزن- الفقدان- الحب – القبليّة – التقاليد الاجتماعيّة والعائليّة – العقليّة الأبويّة الذّكوريّة – الأمومة – التعامل مع الظلم والاضطهاد – التناقضات في التعامل مع المرأة – ظواهر النرجسيّة الذكوريّة ضد المرأة – الوحدة – الغربة – المحبّة – التمرُّد – الحلم – الصدق مع الذّات ومع الآخر – الوعي – اللاوعي – الروح – الحرّية – المعاناة – الحنين- الموت – الصمت – الحوار مع الذّات – الجنون – اللغة والحروف – الضعف – البدائيّة – الوطن كحلم ذاتي.
*ماذا يعني لك الحب، الوطن، الغربة، وكيف تتجلى هذه المفردات في قصائدك؟
الحب هو حالة للمشاعر لا تعرف العدم، وفيها ينمو الأطيَب في الذّات والأطيَب في الآخر.
الوطن هو الوجود الآمن للنفس في المكان والزمان المتاحين وفي المساحة الذّاتية الخاصّة. والغربة هي الوجود في مكان وزمن غير آمنين وعيش صراع البقاء بشكل دائم. فالغربة والوطن بالنسبة لي حالتان متزامنتان وغير متناقضتين في البعد الذّاتي الفردي. أما الوطن بالمفهوم السياسي القومي الاجتماعي فهو مفردة جنّنتني على مدى عقود ولم أفهم منها غير لغتي التي أعشقها.
تتجلّى هذه المفردات في القصائد التالية:
متزامنتان وغير متناقضتين في البعد الذّاتي الفردي. أما الوطن بالمفهوم السياسي القومي الاجتماعي فهو مفردة جنّنتني على مدى عقود ولم أفهم منها غير لغتي التي أعشقها.
تتجلّى هذه المفردات في القصائد التالية:
*وطني يسكنني
وطني يسكُنُني ويهاجِرُ بي
يودِعُني سِرًّا
أرَّقَ مضجَعَهُ
لا يفقهُ إن كانَ
بكاءًا أم شدوًا
أو كانَ نعيمًا أم نارًا واقِعُهُ
يتوطَّأُ أرضًا،
يعتنقُ الحُلْمَ فيصحو
لا يجِدُ مكانًا في دنيا
باتت تتزاحمُ فيها أضدادٌ
ما فيها أحدٌ مَعَهُ
فارتادَ بقاعَ الدُّنيا
ينشُدُ وطنًا
في الرّيحِ مواقِعُهُ
وتهاوى الحُلْمُ،
تحوَّلَ وطني روحًا
في كلِّ حواسي مَوْقِعُهُ !
(جديدة وأُلقيت في حفل توقيع رباعية “لاجئة في وطن الحداد” (التي صدرت في شهر 12- 2014) في النادي الثقافي الأرثوذكسي في حيفا. وهذه قصيدة من ديوان لم يرَ النّور بعد)ونشرت في منتدى الدكتور محمد البوجي. للأدب والنقد والفكر.
*الحـبُّ يموتُ ليحيا
الموتُ يحدِّقُ في عينَـيَّ
وينساني
يتركُني أحيا بينَ
أزقَّـةِ دربي، يرعاني
ويناجي فيَّ هوايَ
ويُطْلِقُـني، فـأُعاني
وأَحـنُّ إلى قيدٍ حرَّرَني
من عِـبءٍ أضْـناني
فأروحُ أُفتِّشُ في
مـاضيَّ وفي أحزاني
عن لـحظةِ حـبٍّ
كَفَرَتْ بقيودِ زماني
وأتاحتْ لي أن أحيا
لحظةَ عشقٍ أحمرَ قاني
أن أنسى فيها
كلَّ عذابٍ يتحدَّاني
أَنْ أَنسى نفسي فيها
فيذوبُ كياني
تتحـلَّلُ فيها كلُّ حياتي
فتصيرُ دقائقَ وثواني
أحياها بينَ الكأْسِ
وبينَ الأُخرى
فتزيدُ حرارةَ شِرياني
يتوطَّنُ في بدَني خمرٌ
قد أَحرَقَ فيَّ جنوني،..صحَّـاني
لم يسرقْ من عمري
لحظةَ غفوٍ بل أرَّقَ أجفاني
لـكنِّي لم أُدرِكْ عتمةَ دربي،
لم أُدرِكْ سرَّ مكاني
وقطعتُ الدَّرْبَ أُفتِّشُ فيهِ
عن كلِّ فصولِ الأرضِ
لألقى نَـيْسـاني
لم ينبضْ فيَّ فؤادٌ
لم تولدْ بسمةُ حبِّي
في أيِّ ربيعٍ ثاني
أدركْتُ بأنَّ الحبَّ
يموتُ ليحيا
ويبدِّلُ قيدي بقيودٍ أَرقى
ويحدِّدُ عنواني…
*حُبُّكَ صارَ جَوْهَرْ
لم يكن حُبُّكَ يا روحي
بريقاً عابرًا
يزهو ويظهَرْ
لا ولا كان حِليًّا،
لؤلؤًا أو حجرًا أخضرْ
لم يكن عقدًا يحيط
عنقي، لم يكن جوهرةً
لم يكن خاتمَ مَرْمرْ
لم يكن لونًا يُحيلُ لونَ
وجنتيْ أحمرَ أحمرْ!
لا ولا كان كلامًا
ولقاءً ووعودًا… كانَ أكبرْ !…
كلُّ ما فيهِ حياةٌ
وأحاسيسُ فؤادٍ
واعِدٍ يزهرُ .. يكبُرْ ..
بل كانَ شمعةً تُضيئُني
أُضيئُها فتبقى شُعلةً
فلا تذوبُ، لا تُصْهَرْ
لكنَّ شمعَها أَحالَهُ
الحُبُّ رُخامًا لَيِّنًا
لا يتكـسَّرْ
فصارَ قلبُنا وصارَ حُبُّنا
أُحجِيَةً يصعُبُ أن تُفسَّـرْ
لم يعد فيها بريقٌ أو
عطورٌ أو قشورٌ
صارَ جَوْهَرْ ! …
*أسـرارُ المحبَّــة
تزهو وتشرقُ في دمي
أسرارُها ويعيدُني
تعريفُها للبدءِ
يغمرُني بنورِ حقيقةٍ
ترقى وتكبرُ بينَ أعطافي
فيصغُرُ أن ينافِسَها خيالُ
في عالمي تخبو تعاريفُ المحبَّةِ،
جُلُّها فكرٌ وآراءٌ وإحساسٌ وأقوالُ ..
وأخوضُ فيها رحلتي بحثًا
عنِ القيَمِ الجميلَةِ
كلِّها، فيصُدُّها في خاطري
شكٌّ وتهجُرُها خِصالُ
هل تنتهي فينا المحبَّةُ
حينَ تحجبُها شروطٌ
أو يُحاوِرُها كمالُ؟
*غـريبــة
غريبةٌ أنا وحيدةٌ
أحسُّ متعتي بغربتي
تخطفُني الحروفُ، تستغِلُّ
أحزاني ويُتْمَ وحدتي
تأخُذُني إلى برّيّةٍ بريئةٍ
يظلُّ فيها النّورُ ساطعًا
وهازِئًا بأحزاني وظُلْمَتي ..
تستيقِظُ الأَحلامُ في زوايا
قلبِيَ المهجورِ ترتقي
وتستَثيرُ بي محبَّتي
تختلطُ الرُّؤى بعالمي
أحسُّها تغيَّرَتْ تبدَّلَتْ
هل تستَفِزُّ بي موتي
بنورِها أمْ أَنَّهُ يشِعُّ
شاهِدًا ولادتي!
* ما هي القصيدة التي تعتزين فيها وتودين تقديمها للقراء؟
أنا أحب كل قصيدة كتبتها، ولكن توجد عندي قصائد تشبهني كثيرًا وتعبّر عنّي وأحبُّها بشكل خاص. من هذه القصائد: “وطني يسكنني” (من ديوان لم يرَ النّور بعد)– “صورة البنت الخجولة” –”قالت ليَ الآهات” – “آتي لخابيتي” وغيرها.
ولكنني أختار قصيدة:
إغـــــلاق دائـــــــــــــــرة
صلَّيْتُ وجُلْتُ وحُمْتُ
ودارتْ روحي
في كلِّ فضاءاتِ الكَونْ
وحملتُ جروحي
كي تأكُلَ في نفسي
كلَّ طحالبِ ماضيَّ الغائبِ
كي تجلوَ عنّي عِللًا
تُمْعِنُ في زَرْعي في
ذاتِ البَيْنِ لكي أحيا البَيْنْ
حلَّقْتُ وغاصتْ نفسي في نفسي
فتبيَّنَ في عُمقي خدْشٌ
يتعافى منْ وطَنٍ يتأرْجَحُ
فوقَ عروشٍ تتعَفَّنُ
يتعافى من عُقْمِ نفوسٍ
قَلَبَتْ قِيَمًا وتمادتْ
تنشُرُها وتبثُّ الهَوْنْ
لكنّي أزمعْتُ بأن تترجَّلَ روحي
كي تكشِفَ في مَيدانِ الدُّنيا
عن أصلِ الَّلوْنْ!!
(من ديوان لم يرَ النّور بعد)
* هل لديك مشروع ثقافي مُعيَّن تسعين لتحقيقه؟ ما هو؟
لا أعرف بالضبط ماذا يعني مشروع ثقافي. لدي مشروع ثقافي علاجي ولم ينفَّذ بعد، ولكنه في البال دائمًا وهو عبارة عن منتدى لقاءات شهريّة لمجموعة صغيرة، وفي اللقاءات ندخل الموسيقى والقراءة والفكر والهواجس الذّاتية لنجد مفهومًا جديدًا لحياة كلٍّ منّا. أما عن المجموعات الشّعرية فإنني قررت بعد رباعية “لاجئة في وطن الحداد” أن أنشر ما كتبت بعدها وما سأكتب.
*كيف ترين دور المثقف في أيامنا هذه؟ هل تغير هذا الدور؟ وكيف ترين علاقة المثقف بالسلطة؟
مفهوم المثقف مفهوم عام وضبابي إلى حدٍّ بعيد. ولكن سلامة موسى وصف المثقف بالعارف والملمّ، و”المعرفة قوة” حسب الفيلسوف فرنسيس بيكون (عام 1620). لذلك دور المثقف كان كبيرًا ومؤثِّرًا في السابق دون ربط الثقافة بالألقاب الأكاديميّة. مفهوم المعرفة اليوم تغيَّر إلى حدٍّ كبير. إذا كان المثقف مبدعًا، فإنني أرى أن للمبدع دورًا وجوديًّا كبيرًا حيثُ لا يبقى من الإنسان بعد فنائه الجسدي إلا ما أبدع. والإبداع هو تعبير عن شعور وحالة ذاتية خاصّة وفريدة من نوعها أو إلقاء ضوء على تجربة ذاتية، ولذلك يسمّى إبداعًا لأنه إنتاج جديد وممكن أن يكون فنيًّا أو أدبيًّا أو فكريًّا. وبناءً على ذلك للمبدع دور وإسهام في بناء التراث الإنساني. لا أظن أن الإبداع والسّلطة يتفقان لأن المبدع، بالتعريف، حُرّ.
* مفهومك للحرية، وهل المرأة الفلسطينية نجحت في انتزاعها؟
الحرّيّة بمفهومها العام هي مساحة ذاتيّة فرديّة تضمن البقاء والنّمو وهي حق مطلق للفرد. إذا أدرك الفرد ما لا حقَّ له به فعندها حقّه وحرّيته يتكاملان. لا أظن أن المرأة الفلسطينية أو العربيّة بشكل عام تمارس حريتها بشكل طبيعي. تقاليدنا وعاداتنا وحضارتنا مليئة بالتناقضات فيما يتعلق بالمرأة. ولذلك انتزاع الحرّية لا يمكن أن يكون سهلًا أو ثوريًّا ولكنه سيرورة فردية واجتماعيّة حتميّة.
* ما رأيك بالتجارب الشعرية الشبابية، وفي ظاهرة “صناعة النجوم الأدبية”؟
لست ملمّة بكل ولا بمعظم هذه التجارب، ولكن القليل الذي أعرفه منها أرى أن وجوده مبارك وإيجابي. أما عن ظاهرة “صناعة النجوم الأدبية” كما أسميتَها فإنّ منطق القلب والعقل يجهضها مع الزّمن.
*ماذا مع مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
أقرأ وأقرأ وأشعر دائمًا بالتقصير في هذا المجال وأكتب ما أشعر وما أحس أنه يكتبني. لا أفصل بين القراءة والكتابة والحياة. لذلك أي انجاز أو إصدار شعري لي لا أخطط له إنّما يولد خلال عمليّة التجدّد الدّائم الذي أعيشه. عندي مجموعة شعريّة جاهزة أفكر بنشرها بعد سنتين.