(1)
هذا حوار يجريه الأستاذ الدكتور بوعلي النابي أستاذ الفلسفة في جامعة معسكر في الجزائرية (وهو ايضا أستاذ مشارك بمدرسة الدكتوراه للعلوم الاجتماعية والإنسانية، متدخل بوحدة الدين مقاربات فلسفية، جامعة السانيا وهران. عضو هيئة التحرير لمجلة “المواقف” بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة معسكر.) مع علي رسول الربيعي حول قضيا ومشكلات تواجه الإسلام اليوم.
إن ما دفعني لهذا الحوار مع الأستاذ الدكتور علي رسول الربيعي، في الواقع، هو نقاشي الفكري المستمر معه منذ سنوات واطلاعي أخيرا على دراسة لافته له اثارت كثير اهتمامي تتعلق بالإسلام ومكانته في الفضاء العام بوصفه مرشدا لا حاكما ( المنشور في موقع مؤمنون بلا حدود) وادارته لطروحاته من موقع سؤال مثير هو: ماذا يعني أن نفكر في الإسلام اليوم،( جزء ثالث في صحيفة المثقف يتناول به كيفية تكييف راولز من اجل فهم أعمق للإسلام) لا أريد أن أسأله عن الأفكار التي طرحها هناك فهي متوفر للاطلاع عليها ولكن أريد أوسع النقاش الى قضيا لم تتطرق لها تلك الدراسات.
أردنا من هذا الحوار ان لا يقف عند طرح السؤال ويدلي الباحث برايه في المسألة محل النقاش، ولكن أردنا أن يكون السؤال الجواب على مستويين، اسئلة نطلب منه أن يقدم وصفا وتحليلاً وتفسيرا للمسألة أو القضية كما يرها اصحابها أو من يتبناها، اي لا يقف عند أبداء رأيه الشخصي وموقفه المعياري منها ولكن ماهي طبيعتها من منظور اصحابها؛ وأسئلة أخرى نطلب رأيه أو جوابه عن السؤال المطروح.
وتأتي أهمية هكذا حوار هو مساهمة في النقاش في الفضاء العمومي حول الإسلام. وكذلك النقاش على المستوى الموضوعي هو ما يتعلق بالسياق التاريخي المشخص للفكر الإسلامي وللمجتمعات في السياق الإسلامي، وعلى المستوى الذاتي لما يمارس علي رسول الربيعي مايسميه هو تجاوز حالة أختلاط المفاهيم من اجل تقديم قراءة تشخيصية للمسألة أو الحدث والظاهرة محل السؤال. يتحرك الباحث على أرضية معرفية- منهجية تتقاطع عندها العديد من العلوم الإجتماعية تبرز من خلال تتناوله قضايا فكرية عديدة ومختلفة. نجده يطرح أراء مهمة في الفلسفة السياسية المعاصرة واسهامات ذات راهنية في العلاقة بين الدين والسياسة، والدين الفلسفة الأخلاقية، تعبر عن منظور أجتهادي واضح في مايتعلق بالفكر السياسي الإسلامي. نريد التركيز في هذه هذه الجلقة من الحوار على الأسلام الدين والظاهرة السياسية.
د. النابي: س/ نحن نعرف طالما يواجه المسلمون سؤالاً من قبل المفكرين والباحثين والكتاب الغربيون المختصون أو المهتمون بالإسلام : يقدم المسلمون الإسلام دين، واحد، جاء به الوحي، الاً ينطبق الحال هذا على الدين بشكل عام؟ ويسائلون لماذا يركز المسلمون على هذه النقطة بشكل متكرر؟ ما هي العواقب المنهجية والأنطولوجية والمعرفية لهذه الحجة وماهو رايكم ضمناً فيها؟
علي رسول الربيعي: ج/ نعم صحيح لطالما يُطرح هكذا سؤال. إن جوابي هو: يعتمد ذلك على كيفية نظرتك إلى مفهوم أو “مقولة “”الدين”. لا يستعمل المسلمون المصطلح ” دين” هنا بمعنى أنثروبولوجي، أو في إطار وظيفي بنيوي اجتماعي. فعندما يتحدثون عن الدين بهذه الحالة، وبشكل أكثر تحديداً عن الإسلام، يتحدثون عن الوحي أساسًا – الذي يُعرّف الدين الإسلامي به نفسه – وثانياً، عن اللاهوت، وبعضهم عن تنظيم اجتماعي- سياسي.
هذه هي الساحة التي يجد فيها المرء أختلافات كبيرة وهامة ( بين من ينظر من داخل الدين ومن ينظر اليه من خارجه) بين مقاربات النظرية الاجتماعية/ الأثروبولوجية للدين مقابل الفهم الديني للإيمان، أو الفهم التاريخي للدين مقابل الفهم الديني للتاريخ.عندما تقول النظرية الاجتماعية، عن سبيل المثال، أن جميع الأديان تخدم أساسًا الغرض والوظيفة نفسها، فأنه من الممكن وضعها جميعًا في إطارعام مشترك، قد يكون هذا هو الحال من الناحية الإجرائية. فجميع الأديان، يمكن أن تدعي أنها مستمدة من مصدر مقدس، وواقع مقدس، وتعطي معنى للحياة والمواساة للمعاناة، ويتم التعبير عن مظاهرها من خلال بعض الطقوس والالتزامات الجماعية المقررة. وبهذا المعنى، يمكن للمرء أن يتحدث عن الدين “بشكل عام”. لكن هناك اختلافات جوهرية بين الأديان ايضاً تتطلب أن نأخذها بنظر الأعتبار عند دراسة الأديان ومشكلاتها في علاقاتها بالواقع والإجتماع، فهناك أختلاف بين الإسلام التوحيدي الصارم، والمسيحية التثليثية، والإله القبلي لليهودية، أو الطائفة الهندوسية بألوهيتها العديدة مثلاً.
فالوضع من الناحية الواقعية مختلفا ولايكفي ذاك التوصيف النظري. فمن المهم في الحالة هذه هو ما يقوله كل دين عن نفسه، وكيف يبرر معتقداته الأساسية، والمعاني التي يعرضها على الواقع، وما هي الحقيقة المطلقة التي يدعي التمسك بها. تكشف هذه الفروق عن عالم الأختلاف بين الأديان. يتم تجاهل الكثير من هذه الاعتبارات المذكورة في النظرية الاجتماعية، ربما لأنها تتعدى أو تتجاوز نطاق اختصاصها، أو أنها، في أحسن الأحوال، تنظر الى الدين بوصفه ظاهرة ثقافية. لذلك أنا أدعو و أسعى في الوقت نفسه، وهذه عملية مستمرة لم تنتهي بعد، الى تطوير منهجية تدمج “جوهر” الدين أيً مقولاته الأساس والكبرى مع النظرية الاجتماعية، بحيث يتعرف الأول على فائدة الأخير، ويعترف الأخير بالأول كمصدر مشروع لنمط من المعرفة الأعتقادية، وحتى لو أطلقنا عليها المعرفة المتخيلة عن الحقيقة والتاريخ فهي لها قوة قوة وتاثير المعرفة الحقيقية و” المطابقة” تاريخيا. لهذا السبب أؤكد على نأخذ بنظر الأعتبار الإسلام كما يؤمن به المسلمون كدين، وحي متعال له جوهر خاص به، وبالتحديد عندما تميل النظرية الاجتماعية إلى تقديم صورة مختلفة عن الإسلام / الدين في – الإسلام الإيراني، والإسلام المغربي، والإسلام الإندونيسي، وما إلى ذلك – الخلط بين الثقافة الدينية، وبناء بنية مفاهيمية تجزيئية للمجتمعات في السياق الإسلامي. لقد سعيت للقيام بذلك في دراستي المنشورة بعنوان: “ماذا يعني أن نفكر في الإسلام اليوم في حلقاتها الثلاثة “، وكذلك عن طريق التمييز بين “الإسلام” وصفة “الإسلامية ” أيً مقارنة بـ” أكثر إسلامية”، والمسلمون الذين يكونون أغلبية في مناطق يهيمنون عليها ثقافيا، ولكن ليس دين الإسلام تحديداً. فيما يتعلق بالمقولتين الثانية والثالثة قد يكون من الممكن التعامل مع “الدين” من ناحية النظرية الإجتماعية / والأنثروبولوجية، ولكن فقط جزئياً، حيث سيكون هناك دائمًا تفاعل بين المقولات الثلاث، باعتباره مظهرًا أنثروبولوجيًا أو اجتماعيًا للوحي الإسلامي وكشف الخطة الإلهية في التاريخ ( في أعتقاد المسلمين).
د. النابي: س/ أليس استخدام الدين كمقولة أنثروبولوجية تعبير عن مركزية أوربية كما يقول طلال أسد؟ كيف يمكنك إذن حل المشكلات المنهجية لدراسة الدين عندما تكون المقولة نفسها “غربية”؟
-علي رسول الربيعي: ج / يحاول طلال أسد أن يتتبع كيف تم بناء مفهوم الدين تاريخيا، تصور تاريخي للدين، وبالتالي يعطي امتياز وأولوية النظرية الاجتماعية في التسلسل الهرمي للمعنى. مع أخذ هذا في الاعتبار وكذلك لأني أراقب صعود الدين في العالم الإسلامي منذ عقود ودوره كمحرك إجتماعي/ سياسي، فإن طموحي هو فتح طريق لفهم ديني مصاحب للتاريخ، معاكس الى التسلسل الهرمي ولكن دون تجاهل إنجازات النظرية الاجتماعية. يؤكد طلال أسد على أن مقولة الدين ذاتها عبارة عن بناء تاريخي أوروبي، مما سمح بحدوث العلمنة. ووضعت السلطة العلمانية الحدود بين الديني والعلماني. لم يكن تحديد هذه الحدود في الإسلام التاريخي في القرون الوسطى مشكلة على الإطلاق. إذن ما ينطبق على حالة تاريخية معينة لا ينطبق بالضرورة على الآخرى، أو على بنائه المفاهيمي. أما اليوم فيتطلب أن نفكر في الإسلام خارج أطر المعرفة القروسطية وخارج الايديولوجية العلمانية في صيغتها التي طرحتها الثورة الفرنسية وعصر التنوير.
د. النابي: س/ ألا تعتقد أن هذا هو بالضبط ما دعى طلال أسد في نقده للدين باعتباره مقولة عالمية تعتمد على أنثروبولوجيا أوروبية؟
– علي رسول الربيعي: ج / إذا كان الدين هو مجرد بناء أنثروبولوجي أوروبي سمح للعلمنة، فكيف يمكن أن نفسر، طبقاً لهذه المنهجية ومصطلحاتها بالذات، الإحياء الديني ليس فقط في الإسلام وهو ما لايخفى على أحد ولكن في المسيحية أيضًا؟ لا ينبغي للمرء أن ينسى أن الافتراض الأساسي للنظرية الاجتماعية (ومن ابرزها الماركسية والفيبرية وأتجهاتها وتفرعاتها العديدة مثالاً)، التي ترسم حدود حتمية، هو أنه مع حركة التحديث والحداثة الإجتماعية، تتحرك المجتمعات نحو العلمنة وبعيدًا عن الدين. لكن هذه النظرية فشلت في تفسير أو التنبؤ بما يمكن للمرء أن يطلق عليه “عودة المقدس” حتى في العالم العلماني، وبهذا المعنى تعرضت النظرية لضربة كبيرة. فاذن نحتاج الى التفكير بطريقة أخرى وختلفة وقد قد يكون لامفكر فيها غالباً.
أنا أحاول أن أؤكد، أنه لا ينبغي السماح لنظرية مركزية أوروبية من هذا النوع للسيطرة على فهم الدين، وهذا مختلف طبعا عن الدراسة ذات المنهجية العلمية تفسيرية أو تاويلية أو انطولوجية . فالمفاهيم في النهاية مقولات ديناميكية ومتغيرة، وكيف يحدد الباحث مقولة معينة، وما هي الافتراضات التي يضعها، تحدد إلى حد كبير مسار الباحث في البحث الأنطولوجي والمعرفي.
ومع ذلك، بغض النظر عن الكيفية التي يمكن بها تعريف أو إعادة تعريف الدين ضمن السياقات الاجتماعية والتاريخية (أي أنثروبولوجيًا كما يجادل طلال اسد)، هناك دائمًا جوهر أو مركز غير سيال يعين حدود الاحتمالات في أختلاف التفسير والتأويل، وفيما يتعلق بالأديان الإبراهيمية الوحيانية، هناك إعتقاد من قبل المؤمنين بالتدخل الإلهي الدائم في التاريخ وهو وراء مخططات الإنسان أو وراء البنى البشرية وهذه حقيقية سوسيولوجية تتطلب تناولها بجدية وعمق مناسب لتأثيرها على الواقع التاريخي. ومن هذا المنظور المنهجي، إن ما أحاول التفكير فيه يختلف من نواح كثيرة عن ما قام به طلال أسد، ولكن لابد من التأكيد على أنه ليس بالضرورة معارضاً له أو ضداً منه. فمن المسلم به، لايمكن أنكار دور البشرية في التكوين التاريخي للديني، وينبغي أن يحصل الشيء نفسه عن الأعتقاد ( من ناحية سوسيولوجيا الحقيقة) على دور “الإلهي” في التاريخ. هذا هو المكان الذي تثبت منهجية أبن خلدون أنه ذو بصيرة وذات أهمية خاصة. نأمل في نقطة معينة من الرؤى أن تتلاقى كلا الأدوار ويمكننا التقاط المكان الذي توقف فيه ابن خلدون.
د. النابي: س/ هل أن يكون الشخص مسلماً هي مقولة ظاهراتية أو ثقافية أو قانونية أو سياسية أو تاريخية ؟ كيف يمكننا التمييز بين المسلم وغير المسلم في مقاربتهم للإسلام عندما يتبنى، في سياق ما، العديد من المفكرين “المسلمين” موقفًا علمانيًا أو ليبراليًا ؟
-علي رسول الربيعي: ج / أولاً، يبدو واضحا أن غير المسلم هو الفرد الذي لا ينسب إلى العقيدة الإسلامية – ربما يكون مسيحيًا أو يهوديًا أو هندوسيًا أو بوذيًا أو ينتمي إلى أي نظام ديني آخر. أو من تخلي عن العقيدة الإسلامية بعمل أو بيان قاطع؛ لكن ما لايغتفر ابداً للحكام أولئك الذين يتهمون الآخرين بكل سهولة في عقيدتهم حتى لو كان هؤلاء الأخرين قد “أخطأوا” في طريقهم: فهذا الأمر متروك إلى الله فقط. قد أذهب إلى أبعد من هذا، فأقول إن العلمانية بشروطها وفهمها المعاصر خيارًا حقيقياً وعمليًا، بل ومُلحاً في الحالة الراهنة حيث يعاني الفكر الديني من الركود ويعاني من الفساد و عاجزًا لأسباب عديدة من تقديم أيً حلً لمشكلات المجتمعات في السياق الإسلامي، لاسيما وانه يتسم بالافتقار إلى المعرفة، والى الصدق، والى تقوى حاملي مسؤوليات الإيمان، ويعاني من غياب القيادة المسؤولة في أوضاع تفشي الفساد في أوساط المؤسسات الدينية والفقهاء والمشايخ. إن الفشل له ثمنه، ويجب إخضاع من فشلوا في الحفاظ على الروح الحقيقية للإيمان للمساءلة بعد أن تصدوا أن يكونوا مسيًري شؤون التقديس، بدءاً بأولئك المسؤولين، و”العلماء”، ولا سيما من يشكلون “فقهاء السلطان”. “العلمانية” ليست تجربة تاريخية سلبية أنها حلاً وعلاجاً مجرباً.
يقودنا هذا إلى سؤالك حول من هو المسلم – ما إذا كان المسلم يمثل ظاهرة أو ثقافية أو قانونية أو سياسية أو تاريخية. أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تكون أكثر مرونة إذا تم وضعها في سياقها بترتيب شامل، ولا يتم تناولها ببساطة كمسألة هوية قابلة للتغيير ومتغيرة باستمرار. هذا سيجعل من المستحيل تقريبًا تحديد جوهر ما يشكل المسلم. المسلم، بأوسع المصطلحات، هو مقولة متعددة الأبعاد، وربما حتى مقولة حضارية في قمتها أو أوجها، ويأتي أساسها من الوحي والدين على التوالي، مع ذلك، بما في ذلك جميع المقولات الأخرى – الظواهر الثقافية والقانونية والسياسية والتاريخية هي تجسيد للعالمية في الإسلام. الإيمان و”الإعتقاد” هو جوهر الإسلام وما يعيًن “المسلم.
د. النابي: س/ أيً معنى يحمل معنى إسلام؟
علي رسول الربيعي: ج / أستعمل كلمة الإسلام في ثلاثة معاني مترابطة
1. الإسلام كنظام ديني يوفر العقيدة، ومجموعة من المذاهب، وطقوس الممارسات الإلزامية، والمواقف الأخلاقية الروحية.
2. الإسلام كظاهرة تاريخية يزود أتباعه بـ الهوية الثقافية الدينية والوطنية العابرة للحدود.
3. الإسلام كقوة حضارية تستمر في تشكيل استجابة المسلمين للحقائق الاجتماعية والسياسية، مما يسمح بإجراء التعديلات اللازمة على العضوية في مجتمع عالمي متنوع.
هذه المعاني الثلاثة للإسلام مهمة لاستكشافنا المصادر والمواقف التي يمكن أن توفر المفاتيح اللازمة لفهم الذات الإسلامية للعلاقات الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على المواطنة في دولة قومية حديثة.
د. النابي: س/ نريد أن نطرح السؤال عن التعددية ولو أننا سنفرد جزء خاص من الحوار لمسألة التعددية،السؤال: كيف ترون حل العلاقة التناقضية بين الموقف الديني الذي يدعي التفرد الذاتي والحصري وبين موقف التعددية الدينية؟
علي رسول الربيعي: ج / التعددية الدينية نتيجة ثانوية للكرة الثلجية في التقدم التكنولوجي في مجال النقل والاتصالات. وبالتالي، لم يعد بإمكان الناس العيش في عزلة عن بعضهم البعض. للأسف، لم يكن اللقاء بين الثقافات والأديان دائمًا هو السلام. ومما يثير القلق بشكل خاص هو الأقصاء حيث كل تقليد، مسلح بأدعاء الأمتياز أنه قد مُنح خصوصية بشأن دينه، فيسعى إلى التفوق بدلاً من التكيُّف عند مواجهة إيمان أخر. وبالتالي، يظل التفرد الديني أحد أعظم أعداء النظرة الشاملة التي تغطي بشكل شامل موضوع ما التي قد تزود الإنسانية بتعددية دينية قابلة للحياة في الساحة العالمية الجديدة. بالنسبة لي، “النقطة الأساسية التي يجب مراعاتها هي ما إذا كانت المجتمعات الدينية مستعدة للاعتراف ببعضها البعض على قدم المساواة الروحية، ولكل منها الحق في الحصول على طريق الخلاص الخاص بها. لذا أدعو إلى موقف يتجاوز التفردات الاستبعادية والتعددية المتطرفة مثل تلك التي يعد جون هيك أحد ابرز ممثليها. المعاصرين.
د. النابي: س/ بهذه المناسبة ماهو رايكم في طروحات هيك حول التعددية؟
علي رسول الربيعي، ج / من الواضح أن طروحات جون هيك لها جاذبية، ويمكن وصفها بانها “سليمة ولها جوانب عملية” وكذلك واقعية ومفضيًة إلى علاقات أفضل ظاهريا بين المشاركين في الحوار الديني من اجل التعددية، لكنه لا يزال هناك مشاكل عملية مع تعددية هيك. أولا بسبب موقفه من ما يسميه :الاعتقاد الراسخ في “صواب” دين المرء. وكذلك أرى أن هناك مشاكل أخرى مع هيك أكبر واوسع من المشاكل العملية، فأنا اشكك في تأكيد هيك بأن ادعاء الحقيقة الدينية الخالص متكبر ومتغطرس ومتعجرف بطبيعته. وبالنظر إلى حقيقة التنوع الديني غير القابل للاختزال. لم يتحقق سوى القليل من خلال مشروع يتطلب مثل هذا التنوع أ ون يتم تلميعه بجلاء على أمل “إقامة أرضية مشتركة بين مختلف الشعوب.» وبما أنه “لا يوجد دليل تجريبي لادعاء [جون هيك] أن الأديان تشترك جميعها في هدف مشترك باستثناء عالم المطالب الأخلاقية؛ فمن الأفضل متابعة “الاحترام والوئام المتبادلين على أرضية أخلاقية مشتركة”. وأرى أنه من خلال التأكيد على أن الأديان الأخرى توفر طرقًا خاصة للخلاص، يمكن أن نجد طريقة وسط (وشاملة) لصياغة قضية “الشمولية الدينية”. وهكذا ستبدأ اهمية “الشمولية الدينية في الظهور كعنصر أساسي في سياسة العلاقات الدولية. ينبغي إعادة التأكيد على أن ادعاءاتي هي في أطار الإسلام وسياق التاريخ الإسلامي، وبالتالي يتم توجيهه نحو نوع معين (أو ربما أنواع) من التفرد الديني أكثر من توجيهه نحو التفرد الديني عمومًا. على هذا المنوال ، ليس من الضروري أن نستنتج أن التفرد في أدعاء الحقيقة سوف يؤدي بلا شك الى كره أولئك الذين لا يتفق معهم بشكل أساسي. التحدي هو إيجاد طرق لتوجيه المتعارضين لتطوير احترام وجهات نظر بعضنا البعض مع الاستمرار في الاعتقاد بأن أحدهما على حق والآخر غير صحيح.
د. النابي، س/ هل من مكانة للفطرة هنا، أو ماذا تعني الفطرة ابتداء، سنعود نسألكم عن علاقتها بالتعددية لاحقاً
علي رسول الربيعي: ج / يرى الإسلام الفطرة هبه طبيعية من الله توجه وتمكن الشخص من التحرك نحو الأهداف الأخلاقية المرجوة. توفر هذه الطبيعة القدرة العقلانية المطلوبة والإرادة الحرة التي تمكن جميع الناس من فهم وتحقيق توقعات الله الأخلاقية. تربط بالنظريات العلمانية وكذلك بالمسيحية الفطرة بالضمير الأخلاقي. وكذلك ترتبط مسألة الضمير في القرآن بفكرة الفطرة؛ وتعني التصرف البدائي النبيل الذي خلقه الله كوسيلة ضرورية للتوجيه العالمي. يمنح الله كل شخص طبيعة أخلاقية وعقلانية بدائية (الفطرة)، كأسس صحي لتطوير أخلاقيات عالمية حيث يمكن للشعوب ذات الاختلاف الروحي أن تبني إجماعًا عمليًا للقيم والأهداف. فالفطرة هي السعة لممارسة الاختيار العقلاني في مسألة الإيمان. يسلط الضوء على هذا على قدرة الإنسان أن يكون عقلانيًا ويفضل الخير على الشر، وهو أمر عادة ما يضعه اللاهوت المسيحي في العقل البشري والإرادة. لذا، فإن الفطرة أكثر من مجرد مفهوم أخلاقي لمعرفة الضمير ما هو الصواب والخطأ. ويشمل أيضًا القدرة على التعبير عن تلك المعرفة من خلال العمل الأخلاقي الملموس.
وعلى كل ما يهمني هو تناول الحالة الطبيعية أو الفطرة في سياق التعددية وفي سياق لاهوت اسلامي للقرن الحادي والعشرين ، (سنتحدث عن رؤيتي لهذا لاحقاً اذا سألتني عنه) يؤكد على أهمية الخطاب القرآني الكوني الذي يدعو البشرية إلى الاستجابة لطبيعتها الأصلية القائمة على القيمة الموضوعية للخير والشر. هذه هي اللغة التي لا يستطيع أي إنسان يملك العقل أن يفشل في تلقيها او فهمها. الأهم من ذلك، أن توضع كمصدر للوحدة بين شعوب الأديان المختلفة. ولا يؤكد هذا المقصد الاسنى على الأصل الإلهي للإدراك الأخلاقي متمثلا في الأوامر الالهية فقط ، ولكنه أيضًا يثبِّط الصلة والتوافق الضروريين بين التوجيه الأخلاقي والروحي. وبالتالي، يربط الإسلام، في اللاهوت الطبيعي، البشرية جمعاء في استعدادها الطبيعي ليس فقط لإدراك معنى العدالة ولكن أيضا لإعمالها. في هذا المصطلح العالمي للإسلام، لا يمكن لأي إنسان ، إذن ، أن يدعي الجهل بالمعنى المتأصل للخطأ والصواب؛ ويترتب على ذلك أنه لا يمكن لأحد أن يفلت من الحكم الإلهي لفشله في دعم العدالة على الأرض.
د. النابي: س/ نًريد تفسير: لماذا يعتبر أغلبية الأسلاميين الديمقراطية شكلاً من أشكال الحكم غير الإسلامي، ماهو تسويغهم لذلك؟
علي رسول الربيعي، ج / من خلال فهمي لأليات أشتغال العقل السياسي للإسلاميين يتم ، في كثير من الحالات، الخلط في مايتعلق بالديمقراطية، فيرى بعضهم أنها آلية محايدة تتمثل في الانتخابات والاختيار الحر. وهناك من يعي أو يؤكد على أنه لا يمكن فصل الآليات عن القيم التي تدعمها. وأن الديمقراطية تتطلب نظام علماني ليبرالي أو شيء من هذا النظام. فإذا تم استيراد الديمقراطية إلى هيكل القيم الإسلامية، فمن المرجح أن نواجه احتمالين. إذا هيمنت الديمقراطية على أنها المعلمة الضرورية، بينما يتم إخضاع الإسلام كمتغير ، فإن الأنطولوجيا ونظرية المعرفة المستوردة ستحكم. إذا حدث العكس، وهيمن الإسلام فعلاً ، فإننا، وطبقاً لمنظروهم، نواجه وضعا تميل فيه الديمقراطية المتضمنة في نظام القيم الإسلامية حتما إلى التحول إلى مايسمونه الشورى. من هنا نواجه – طبقاً لهم- انحرافات وجوديّة ومعرفية بين الآليتين. أيالى قواسم إجرائية واضحة من المرجح أن تؤدي إلى خلاف موضوعي خطير. بأعتبار نظام الشورى الإسلامي هو أكثر من مجرد نظير للديمقراطية كما يطرح بعظهم. علاوة على ذلك، يعتقد الإسلاميون أن المسلمين يميلون دائمًا إلى الغوص في تفاصيل الديمقراطية والانتخابات والحريات المفترضة المرتبطة بها، ويغيبون عن الصورة الكبيرة. يأنهم يرون أن هدف الخطاب الديمقراطي إلى تشكيل مجتمعات “مفتوحة”، يمكن أن يتسلل اليها النظام الأمبريالي بسهولة ويتخللها بطريقة تسمح للحريات الشخصية المتصورة بإخفاء الهيمنة الجماعية على الأمة.
د. النابي: س/ هناك ازمة اذن في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر ولاسيما في الايديلوجية الاصولية السلامية ؟
علي رسول الربيعي: ج / نعم، هناك أزمة ابستيمولوجية ” معرفية” اذا استعملنا هذا المصطلح طبقا للتوظيف المنهجي الناجح الذي بلوه وقدمه ماكنتاير Alasdair Macintyre ، وسوف يلاحظ عشاق ماكنتاير على الفور أن هذه الحجة تأتي في كتابه :”لمن العدالة، أي عقلانية؟”
أريد اقول أن النجاح النهائي لأي تقاليد فكرية (علمانية أو مقدسة) يعتمد على قدرتها على أن تثبت لأعضائها (والأجانب) قوتها التنظيمية المتفوقة من خلال إعادة تفسير وتطبيق نصوصها وتقاليدها في مواجهة التحديات المعرفية والأخلاقية الداخلية والخارجية التي تواجهها . فـ “الأزمة المعرفية” في تقليد ما هي: أنه كان في وقت ما قادرًا على توفير حلول عقلانية للمشاكل التي يواجهها أتباعه. تمر الأيديولوجية الإسلامية المعاصرة بـ”أزمة معرفية” يجب معالجتها من الداخل من قبل المثقفين والمفكرين المسلمين. واحدة من أكثر العلامات المؤسفة على هذه الأزمة تتجلى في الأضطراب والشعور بالضيق في هذا الزمن المعاصر في الفكر الإسلامي وبالتالي العالم الإسلامي العالم هو أن السلطات الفكرية قد اختفت جميعها من المشهد، تاركة مجال التفسير القانوني الى الفقهاء الذين تتمثل صفاتهم الرئيسية في ضيق الأفق نتيجة للمنهجياتهم القروسطية، والافتقار إلى العمق نتيجة لمعارفهم القديمة، والأقصائية نتيجة لرفضهم التعددية وأختلاف التفسير.
واذا نظرنا من خلال “الأطروحة المعرفية” الضمنية في الشعار الاصولي الإسلامي. يقول الافتراض الرئيسي لهذه الأطروحة: أن الإسلام، على عكس الديانات التوحيدية الأخرى، لا يهتم بالخلاص الروحي للإنسان فقط، ولكن أيضًا بكيفية أن يعيش هنا والآن وكيف – وإلى أي حد ينبغي للإسلام أن ينظم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. في الحقيقة، عبر التاريخ وفي الماضي، تعامل الإسلام مع هذه الشؤون. فقد واجه الإسلام منذ البداية تحديات أجبرته على الجمع بين المخاوف الروحية وغير الروحية.
تنشأ المشكلة عندما تستخدم ضرورات الماضي التاريخية تلك لتبرير أوضاع سياسية معاصرة. فيحتاج الزعماء الدينيون والقادة الأصوليون، في المرحلة المعاصرة، إلى إقامة صلة بين الإسلام والشؤون الدنيوية. بعبارة أخرى، يتعين عليهم تقديم إثبات عقلاني أن الطبيعة الحقيقية للإسلام تتضمن نظامًا شاملاً للأفكار والمبادئ التي تمس جميع المسائل ذات الأهمية لوجود الإنسان الروحي والدنيوي.
حيث يجزم معظم القادة الأصوليين، إن البشر ليسوا في وضع يسمح لهم بمعرفة الطريقة الصحيحة لتنظيم شؤونهم الدنيوية دون توجيه إلهي من الوحي الإسلامي: القرآن والتقليد، وبعبارة أخرى، يعتقد الأصوليون الإسلاميون لا يمكن أن تنجح العلمنة، الغافلة عن أوامر الله في أمور الحياة اليومية، في إنشاء نظام مثالي محلي او عالمي.
وهكذا، فإن موقف الإيديولوجيين الأصوليين المسلمين هو مسألة إبستيمولوجية ( معرفية) وكذلك دينية. فوفقًا لهم إذا أخفق المسلمون في تنظيم شؤونهم الدنيوية طبقاً للمبادئ الإسلامية القائمة على المعرفة التي كشف عنها النبي، فلن يكونوا في وضع مناسب يمكنهم معرفياًإعطاء إجابات صحيحة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية تنظيمهم الشؤون الدنيوية. ويجادلون أنه في الممارسة العملية، لا يمكن للبشر معرفة كيفية تنظيم شؤونهم الدنيوية دون مساعدة من الوحي الإلهي.
في ضوء هذه الأطروحة الأصولية، فإن العقل البشري هو أساس غير كاف لبناء المعرفة العملية حول التنظيم العادل للنظام العام . لكن من جهة أخرى، لم يقدم الأصوليون المسلمون تقييماً موضوعياً لكيفية أنجاز أوتحقيق القرارات العقلانية في تطبيق المعايير الإسلامية التي مورست أيام مجد ماضي الإسلام. وبالتالي، في ظل غياب المعرفة العملية المرتكزة على أسس دينية حول تحقيق الغايات المعيارية من خلال الوسائل الدنيوية، يواجه التقليد الإسلامي أزمة إبستيمولوجية بالمعنى الذي يتحدث عنه ماكنتير. لقد توقف التقدم في التقاليد الإسلامية وفقًا للمعايير الخاصة به. وكشفت مناهج البحث وأشكال من المحاججة عن اوجه القصور التي هزت الثقة في قدرة التراث والتقليد على تقديم حلول للمشاكل الملموسة التي يواجهها الأفراد والجماعات والشعوب المسلمة في السياقات الاجتماعية والسياسية في المعاصرة.
د. النابي: س/ لقد ورد في مقالكم الموسوم بـ” الإسلام في الفضاء العام: شريعة للإرشاد لا نظام للحكم” المنشور بمؤسسة مؤمنون بلا حدود، ما يلي(إن المشكلة الأساسية التي تنعكس في الصياغة الكلاسيكية للهوية السياسية الإسلامية، هي الاستبداد الديني القائم على ادعاء خصوصية استبعادية، تتعارض مع الروح العالمية التي تنشأ مع الديمقراطية التي تعترف بالتعددية الدينية” وهذه الفكرة تتعارض مع وثيقة المدينة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي اعترفت بجميع الطوائف الدينية التي تتمتع بحقوقها على اساس المواطنة في دولة مدنية….يجب توضيح هذا الامر لازالة اللبس لانك تكتب لقراء مجهولين.. ومع ذلك هناك سؤال هل يساعد الألتزام الديني في تعبئة الناس للوقوف بوجه ظلم السلطة الاستبدادية في هذا العصر؟
علي رسول الربيعي، ج / نعم ذاك ورد في فيماذكرت في لحظة مبكرة وتم نسيانه وسنتحدث عن أهميته وكيف تمذاك النسيان لاحقا في مدار نقاشنا لما يمكن ان نجد من اصول للتعددية في القرآن تساعد لتكون ارضية لتقبل التعددية الديمقراطية المعاصرة . أما فيما يخص تعبئة الناس للوقوف بوجه ظلم السلطة الاستبدادية في هذا العصر، فمن المؤسف لم يساعد الالتزام الديني الفعلي التاريخي في تعبئة شعور الناس بالظلم و بالغضب لمقاومة السلطة الاستبدادية للدولة فحسب، ولكنه لم يلعب دورًا في بناءً السلم الأهلي وفي التوافقات الوطنية وبناء الدولة. لقد أثارت القوميات المستوحاة دينياً والمستمرة، مع التنافسات العرقية والصراعات بين الطرفين ، تساؤلات جدية حول التأثير السلبي للإيديولوجية الدينية في المجال العام. مشكلة الدين كأداة للغايات السياسية قديمة قدم التاريخ. لا يوجد شيء جديد في ذلك. ما يضخمها اليوم هو المدى غير المسبوق لنشر المعلومات عنها. سواء في العراق أو باكستان أو الهند، فإن المشاهد المتلفزة للعنف الطائفي والتعليقات حول انتهاكات الأنظمة الدينية تسلط الضوء على مشكلة عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الروحي والعلماني في الحكم المعاصر. يشير العلمانيون إلى الأخطار الاستبدادية التي لا يمكن إنكارها للزعماء الدينيين الذين وجدوا ادعاءاتهم بالشرعية في عالم خارق للطبيعة بعيدًا عن متناول الخلاف أو الحوار. تتفاقم المشاكل المحتملة للحكم الديني بما يتناسب مع حصرية العقيدة الدينية. يمكن أن تأتي الإيديولوجيات الدينية الحصرية بقوى انقسامية تؤدي إلى تفاقم النزاعات الطائفية وبالتالي إعاقة ظهور هوية وطنية في المجال العام. علاوة على ذلك، أصبح من الصعب إدارة المجال العام، الذي من المطلوب أن يكون السعي فيه إلى ” الإجماع المتقاطع” على راي راولز، أيً، الى توافق الآراء بين المجموعات المختلفة ذات المعتقدات السياسية / الدينية المتضاربة، في ظل نظام يتمتع بتقاليد خصوصية ومعينة.
د.النابي: س/ نُريد أن نفهم حقيقة ماهو موقف العلماء المسلمون التقليديون والأصوليون من الحداثة، ولماذا ؟
علي رسول الربيعي: ج / علي، هناك شكوك، عميقة من قبل الثقافة الدينية في جميع أنحاء العالم الإسلامي أزاء الحداثة بوصفها ذات تأثير ضار على قدسية النصوص الوحيانية- التي هي أساس الشرعية التقليدية. فرضت الحداثة العلمانية على الدين أن يكون متوافقاً مع السياسة الديمقراطية في هذا العصر. علاوة على ذلك ، فقد شرًعت لدور العقل البشري في انتزاع واستخلاص معنى النصوص المقدسة، مما أدى إلى النسبية طبقاً لذرائعية العوامل البشرية. والأهم من ذلك عززت الحداثة أهمية تنوع الرأي والتسامح مع هذا التنوع من خلال السياسة الديمقراطية. وبالتالي تُفسر الحداثة والديمقراطية على أنهما تهديدان رئيسيان لسلامة الوحي الإسلامي وشكل الحكومة التي يدعمها. لمحاربة التأثير السلبي لنسبية المعنى الديني والخلاف المتزايد بسبب التفسيرات المثيرة للخلاف، أكد العلماء المسلمون التقليديون، من ناحية، على شمولية التفسير التقليدي باعتباره التفسير الوحيد الصحيح للفكر الإسلامي، ومن ناحية أخرى اعتبروا التحول الديمقراطي مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار السياسي والأخلاقي في المجتمع. هذه الاستراتيجية التقليدية دفعتهم إلى تشويه دور العقل البشري في استنباط تفسيرات ذات مصداقية في المطابقة وعملية للنصوص الدينية. سواء لدعم التطابق بين بعض الاهتمامات المشتركة للعدالة والإنصاف المشتركة بين الحداثة والإسلام ، أو دعمًا لبناء نظام سياسي قائم على الديمقراطية الدستورية في البلدان الإسلامية ز لقد فسر العلماء التقليديون الحجج الحداثية الداعمة للتفسيرات التعددية والديمقراطية الأنظمة كتهديد للسلامة الدينية للنظام العام الإسلامي.
وبالتالي، عندما يشارك فقهاء تقليديون أونظام سياسي قائم على الوحي مثل حكومة إسلامية في تقييم شرعية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والامتثال له (والذي منذ بدايته تجنب التورط مع الدين وحقوق الله على الإنسانية في صياغته) والقواعد العلمانية التي يقوم عليها، يجب أن يحددوا كيف أن الالتزام بالإعلان العلماني لن يؤدي إلى الإضرار بإيمان الفرد بمطلق الوحي. إن انعدام الثقة في الأسس العلمانية للإعلان يثير التوتر والخلاف بين أصحاب النفوذ الدينيين ودعاة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي. يرى الفقهاء التقليديون والأصوليون ومن يدعون الى الحكومة الإسلامية تهديدًا خفيًا للطابع الديني الذي يرديون او يدعون انه يمثلوه اذا دعوا او قبلوا تنفيذ حقوق الإنسان من خلال الالتزام بالسياسة الديمقراطية. في الواقع ، يؤكد أولئك الذين شرعوا بقوتهم السياسية من الناحية الدينية أن مثل هذه العملية السياسية ستنتهي في نهاية المطاف إلى حرمان الأسس الدينية للحكم الإسلامي ، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى رفض دور علني للدين. ولهذا السبب فضلوا الحكم “الديني” غير الديمقراطي.
د. النابي: س/ ما الذي يجعل إستراتيجية سياسية أو تصور إسلامي أكثر من إستراتيجية أخرى عند الإسلاميين أنفسهم أو كما يرى الأسلاميون ؟ هل هي لها علاقة بالتجربة السياسية التاريخية للمسلمين (مثل الخلافة والولاية الفقيه) أم أن تتوافق مع القرآن والسنة؟ أم أنه شيء أكثر ارتباطًا بالمحتوى والسياق، على سبيل المثال، تمثيل عن اهتمامات المسلمين، التعبير عن مطالبهم، وحل مشاكلهم؟
علي رسول الربيعي: ج / إن التصور هو محاولة لفهم وجمع العناصر المختلفة للظاهرة في كل متماسك، وفي المجال الديني أو الإسلامي، يستعمل المرء مصطلحات مثل ” اصل” و” فرع”. إن السابق هو التصوري/ المفاهيمي والضروري، أما الأخير هو الملموس والمحتمل. الإستراتيجية السياسية هي في معنى هذا المصطلح والشروط. وبالتالي فإن السؤال، ليس كما يطرحه الإسلاميون: ما الذي يجعل الإستراتيجية السياسية أكثر إسلامية من الأخرى، بل ما هي الإستراتيجية السياسية التي تخدم المواطنين والمسلمين و الإسلام أكثر من الأخرى، وتخضع لقيود قيميًة إسلامية. المقارنة هنا هي بين الاستراتيجيات السياسية باعتبارها العناصر المحتملة التي تخدم القيم الضرورية، وليس بين الأخير والإسلام. هذا هو الشرط المسبق لما يمكن للمرء أن يصف سياسة معينة بأنها سياسة وطنية تخدم المواطنين في دولة ذات أغلبية إسلامية. الآن إذا كنتِ تقصد بسؤالك كيفية الاختيار من بين الاستراتيجيات السياسية ووفقًا للمعايير الإسلامية، فإن الإجابة تكمن في المعرفة والالتزام بالأهداف والغايات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهذه لاتخضع لمعايير إسلامية ولكن يمكن أن لاتتعارض مع روح الدين، ولكن تخضع لمجموعة من العوامل مثل الحكمة والكفاءة والقدرات والبصيرة، والتي ستكون من السمات المميزة لأي قيادة فعالة و / أو استراتيجية قابلة للتطبيق. إن التمييز بين الديني والسياسي ليس إجرائيًا بالضرورة فقط لكنه جوهري أيضاً، أي ماهيً الأهداف القصوى و القيم العليًا التي تشكل مرجعية نهائيًة لديك وكيف يمكنك تطبيق السياسية / الإجرائية على تعزيز لاالقيمً الإسلامية / الجوهرية اذا كان الإسلاميون حريصون على ذلك؟
يتم تعريف الإسلام بالطبع بشكل رئيسي من خلال مصادره الرئيسية القرآن والسنة، وإلى حد أقل ينصح بتراثه التراكمي وتجربته التاريخية. فيشكل هذا “الجذع” المفاهيمي للإسلام. يقول الإسلاميون وطبقا لرايهم على مستوى المحتمل أو “الفرع”، يكون النظام الإسلامي مسؤولاً عن تمثيل مصالح المسلمين، والتعبير عن مطالبهم، وحل مشاكلهم. ويشكل كل من الأصل والفرع وحدة وبنية النظام الإسلامي والمصدرين التوأمين لشرعيته. ولكني أرى أن هذه ليست مسألة يسعى فيها المرء إلى مصالح الإيمان على حساب رفاهية المسلمين، أو المصالح العملية على حساب المبادئ. أن ليس بالأمر السهل، لكن هذا هو التحدي الذي كان يتعين على الإسلاميين مواجهته لكنهم فشلوافشلاً ذريعا في ذلك، وعلى أي حال، لا توجد حلول سهلة.