حمكو وضِرس الخالة ” عيشوك “
17/1/2022
امين يونس
” … توّفى العم حسو ، زَوج الخالة ” عَيشوك ” ، عن عُمرٍ يُناهِز التسعين . ولأني كنتُ مُسافِراً ، لم يتسنى لي حضور مراسم الدفن والعزاء ، وعندما عُدتُ بعدها بأيام ، ذهبتُ الى الخالة عيشوك لأواسيها ، فوجدْتها تبكي بحرقة وعلائم الألَم والأسى واضحة على محياها . فقُلتُ لها : وّحِدي الله ياخالة ، رَحلَ العم حسو بعد أن نال نصيبه من الدنيا … فلا داعي لهذا البكاء والنشيج . رَدَتْ الخالة عيشوك : يا لك من ساذج … هل تعتقد بأني أبكي على حسو … أن ضرسي يُؤلمني بِشِدة ” ! .
……………..
تعّرَضَ حمكو لحادث سيارة بسيط ، فأصيبت ساقه بجرح ، ورقد في الفِراش . زُرته مع باقةٍ من الوَرد ، فرأيته مهموماً ، عابِساً متجهماً ، فقُلتُ لهُ معاتِباً : ما بِكَ ياحمكو … ولماذا تُبالِغ ، سمعتُ بأن الحادث كان تافهاً وأن الأضرار طفيفة ، وأنك ستتعافى قريباً ، فما لي أراكَ مكفهراً مُستاءاً أيها المجنون ؟ قال بمرارة : هل تعتقد بأنني متألمٌ جراء حادث السيارة ، يارجُل ؟ كلا . أكادُ أنفجرُ من الغيظ لأسباب أخرى ، هاك مَثَلاً : قبل أسبوعَين إشتريت برميلاً من النفط الأبيض ب 180 ألف دينار ، لن يكفيني لأكثر من شهر ، ودفعتُ 220 ألف ديناراً لأدويتي المختلفة ، حيث أنها ليستْ متوفرة في المستشفى الحكومي ، وسددتُ 45 ألف دينار رسوم الماء و 190 ألف دينار أجور الكهرباء الوطنية والمولدة الأهلية … كتبنا قائمة بالمواد الغذائية المُهمة فقط وليست الكمالية ، ودفعنا الفاتورة التي شارفتْ على المئَتَي ألف دينار . عندنا مُكيفات هواء أي ” سبلتات ” لكننا لم نستخدمها مُطلقاً منذ إبتداع المقاييس الذكية … عندنا سيارة ، لكن البنزين غالٍ ، عندنا مدافئ نفطية لكننا لا نستطيع شراء النفط بكميةٍ كافية ، عندنا مدافئ غازية ، لكن الغاز غير متوفِر …
أنني يارجُل ، لا اُفّكِر في حادث السيارة إطلاقاً ، فالهموم اليومية كافية لإغراقي .
…………
كما ان الخالة عيشوك لا تبكي حُزناً على المرحوم حسو ، بل لأن ضرسها يُؤلمها … فأن صاحبنا حمكو ، لا يتألم من ساقه المُصابةِ في حادث ، بل بسبب جراحاته اليومية وشعوره بالظُلم والغُبن .
إذا إستعصى إصلاح وعلاج ضِرس الخالة عيشوك ، فأن القَلع هو الحَل الأمثَل .