د. محمد غاني
أكاديمي و باحث مغربي
لم يشعر أي لبيب لمتتبع التطورات السريعة المتوالية لعصرنا الراهن و التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات المتخلفة في جميع المجالات الاقتصادية و السياسية و الدفاعية بل و حتى العقدية بقدر ما يشعره اليوم من ضرورة لصيانة المكتسبات العقدية التي غرسها الاسلام الصافي منذ بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم في قلوب المؤمنين البسطاء ، لكن المظاهر الصادقة لهذا الاسلام الصافي في مبادئه السمحة التي تدعو الى التعايش و السلم و الحوار الحضاري المفعم بعقيدة التوحيد التي تؤمن بأن لا إكراه في الدين بدأت تتغلف بكثير من المغالطات المقصودة و غير المقصودة ، البريئة و الملغومة ، المستهدفة و غير المستهدفة ، ذات النية الصادقة و المبيتة.
لا غرو أنه إن كان يصعب على المتتبع في الوقت الراهن للشأن الديني بالعالم الاسلامي التفريق بين الغث و الثمين من الأفكار ، و المتعمد منها و غير المتعمد خصوصا و إن الدلائل المتكاثرة تشير الى اعتماد جهات استشراقية و غربية لتقنيات البرمجة من أجل توجيه الأفكار و المعتقدات بما يفيد منه المجتمع المتقدم أكثر مما يستفيد منه المتخلف سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو حتى العقدية.
إذا كتب القارئ كلمة ” فيلم signs” على محرك البحث جوجل فسيعثر على فيلم وثائقي يحمل نفس العنوان يتحدث عن مشروع باحثين غربيين من أجل “العلمنة الكاملة للعالم” ،1، و المشروع كما هو مذكور على الوثائقي اسمه”نوفوس أوردو سيكلورم” و يذكر أن دراسات حديثة أثبتت أن الإعلام يسعى الى نشر الإلحاد بين الناس، و هذا ليس بغريب البثة في عالم أصبحنا نرى فيه بالملموس عولمة لكل مظاهر الحياة بما فيها مظاهر اللباس “الماركات العالمية” و طرق الأكل”ماكدونالدز” و المواضيع المتطرق اليها اعلاميا “العولمة” و سماع الموسيقى”الهيب هوب” و غير ذلك من الأشكال الثقافية التي غزت كل مجتمع بل كل مدينة أو بالأحرى كل قرية و لو كانت في الثلث الخالي.
عندما يكون الطفل صغيرا يتلقى حليب الأم المعقم و المفعم بالمضادات الحيوية ضد الفيروسات التي قد تهدد حياته حيث شددت دراسة وردت في دورية “طب الأطفال” ، وضمت مختصين في مدينة برشلونة الإسبانية على أن عملية الرضاعة تعتبر مهمة جداً لصحة الرضيع ، فحليب الأم يحتوي على خلايا قاتلة للجراثيم والفيروسات وهو بمثابة مضادات للكائنات الدقيقة التي تتعرّض لها الأم ، فكلما طالت فترة الرضاعة كلما عاد ذلك بالفائدة على الأم والطفل ، 2.
إن العقيدة الاسلامية حليب صاف يرضعه المؤمنون جيلا عن جيل من الصالحين من المؤمنين
و العلماء منهم، الواعين بما قد يعتري التربة الإيمانية من فيروسات عقدية تتفشى في المجتمعات كتفشي النار في الهشيم ، و من هنا يأتي دور المثقف الملتزم المحايد في التوعية و التثقيف و التحذير من أجل الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه و إنقاذ ما يمكن إنقاده.
ما ينبغي التنبه له أيضا هو المنهج الإسلامي العظيم “الجرح و التعديل” الذي وضعه علماء الحديث من أجل معرفة من يمكن الأخذ منهم النصوص الحديثية من المحدثين ، و هذا المنهج نفسه هو ما ينبغي اعتماده اليوم من أجل معرفة صافي الأفكار الدينية و كذا مخلصي العلماء الصالحين للعقيدة الصحيحة فلا يرضع شبابنا حليب الغيل الذي نها عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم “لا تقتلوا أولادكم سرا، فإن الغيل يدرك الفارس قيد عثرة عن فرسه”. 3.
ففي دراسة أجراها الدكتور محمد المليجي – أستاذ ورئيس أقسام النساء والتوليد بطب القاهرة – لتبين الحكمة من هذا الحديث المذكور والتي شملت ستين سيدة… بعضهن مرضعات حوامل والأخريات مرضعات لسن بحوامل، قام بتحليل لبن الثدي لهن لمعرفة إلى أي مدى يحدث تغير في مكونات لبن الأم المرضع نتيجة للحمل، وقد فوجئ بأن نسبة اللاكتوز (سكر اللبن) والدهون قد انخفضتا، وبصورة إحصائية ملحوظة في لبن الأم الحامل، ولهذين المكونين أثر بالغ وأهمية قصوى لنمو المخ والجهاز العصبي، بل وسائر أنسجة الطفل الأخرى.4.
1، انظر فيلم signs على الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=0kG0mE1M6w4
2، انظر «حليب الأم» معقم ووقاية وعلاج ، آمنة بهزاد، جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 2011/12/28
3، (أخرجه أبو داود وابن ماجه في سننهما)
4، انظر منتديات لك النسائية : http://www.lakii.com/vb/a-9/a-432600/