سمير عادل
قيمة العملة المحلية العراقية، بدأت بالانخفاض التدريجي امام سعر صرف الدولار الأمريكي، وكل ذلك في ظل حكومة محمد شياع السوداني، وادى الانخفاض المذكور الى ارتفاع الأسعار وخاصة المواد الغذائية، حيث وصل سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي اكثر من ١٦٥ الف دينار لحد كتابة هذا المقال.
حكومة السوداني تغض الطرف عما يحدث في الأسواق، وليس هذا فحسب، بل انها تتلذذ وتستمع بسماع اخبار وتسريبات، بأن سبب ارتفاع سعر صرف الدولار هو تهريب العملة إلى ايران، وتحميل الاحزاب والمليشيات الإسلامية الموالية لإيران مسؤولية ذلك، وليس هذا فحسب بل استغل السوداني، تسمية بطولة الخليج لكرة القدم في البصرة، ب”الخليج العربي”، وأكد ما قاله في مقابلة مع قناة (دويتشه فيله) التابعة للحكومة الألمانية (DW) على تسمية الخليج بالعربي، ردا على غضب المسؤولين الإيرانيين على تلك التسمية ودفاعهم على أن الخليج هو “فارسي”، نقول خدمت تصريحات السوداني على تقوية وتأكيد الأوهام في المجتمع بأن سبب انخفاض قيمة العملة المحلية العراقية (الدينار) هو تهريبها الى ايران، وليس مرده السياسة النقدية لحكومة السوداني التي نشرحها هنا، التي تحاول التنصل منها والتعمية عليها وطمس الماهية الحقيقة المعادية لمصالح الغالبية المرحومة من جماهير العراق.
طبعا لابد من التنويه، ان الاعلام المعادي للنفوذ الإيراني هو الاخر روج لتلك الفكرة او الوهم، سواءً بشكل مقالات او تصريحات او تقارير عن عمليات تهريب العملة او مثلما جاء في برنامج (كلام نديم) الذي يعرض من يوم الاثنين-الخميس في الساعة الحادية عشرة ليلا على (سكاي نيوز العربية)، التي ذهبت بنفس الاتجاه، سواءً لتقوية النزعة المعادية للنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة او بشكل متقصد، لطمس حقيقة السياسة النقدية لحكومة السوداني المتطابقة مع السياسات المالية لصندوق النقد الدولي.
والحق يقال، ان قصة التهريب الى ايران من قبل المليشيات والأحزاب الإسلامية الموالية لإيران، لا تنحصر في حدود تهريب العملة، بل يتعدى الى تهريب منظم للنفط الى ايران، وهناك أيضا ارصفة للتحميل والتفريغ في موانئ البصرة مقسمة على المليشيات والأحزاب الإسلامية في السلطة، حيث تذهب نسبة من الأموال المستحصلة منها إلى ايران، وعلاوة على ذلك، أن النقاط الحدودية تسيطر عليها نفس الأحزاب والمليشيات، وأيضا يذهب قسم من أموال التعريفة الكمركية التي تقدر بأربعة مليار دولار سنويا المفروضة على السلع الى ايران.
أي ان تلك المليشيات واحزابها، تهرب كل مقدرات المجتمع العراقي الى ايران خلال كل تلك السنوات، في مقابلها، تحصل قادة الأحزاب الإسلامية والمليشيات على امتيازات سياسية وحصانة امنية ودبلوماسية من النظام الإسلامي الحاكم في ايران، ويجدر بالذكر كانت حصة قاسم سليماني رئيس عمليات فيلق القدس الذي اغتالته القوات الامريكية قبل عامين من النفط العراقي ٢٠٠ الف برميل يوميا، ومع كل هذه السرقات وعمليات النهب والتهريب، لم تضعف من قيمة الدينار العراقي بالذي حدده البنك المركزي ب ١١٦ الف دينار مقابل كل ١٠٠ دولار امريكي، في مزاد عملة البنك المركزي العراقي.
صحيح ان عمليات تهريب العملة تؤثر بشكل او بأخر على سوق تداول العملات، ولكن يكون محدودا وطفيفا، وليس من شأنه ترك اثار كبيرة على مجمل ارتفاع أسعار السلع والتأثير على الأسواق مثلما نراه اليوم في الأسواق العراقية، وهذا لا يعني أيضا إنه لا يؤثر على الاقتصاد ولكنه كتحصيل حاصل. أي ان عمليات تهريب العملة موجودة في كل بلد، بيد أنها تتراوح في كميتها حسب وجود الدولة أو من عدمها مثلما يحدث في العراق.
وعليه ان تهريب الدولار من العراق الى ايران ليس جديدا، فمنذ تسليم العراق الى الأحزاب الإسلامية الموالية لإيران وبفضل الاحتلال الأمريكي، أي منذ تشكيل اول حكومة وهي حكومة إبراهيم الجعفري في عام ٢٠٠٥، والدولار يهرب بشكل منظم الى ايران، وبعد ذلك تم تنظيم التهريب عبر إنشاء البنوك والمصارف التابعة للمليشيات والأحزاب الإسلامية، ومع هذا وخلال عقد ونصف أي بين عام ٢٠٠٥-٢٠٢٠ ظل سعر صرف ١٠٠ الدولار يساوي ١٢٠ ألف دينار في الاسواق، وكان من المقرر ان يصل أي سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي في عهد باقر صولاغ الذي شغل منصب وزير المالية في حكومة المالكي الثانية إلى ١٠٠ ألف دينار.
بشكل اخر نقول، كان وما زال يجري تهريب العملة الى ايران، على قدم وساق منذ سنوات، وحتى في ظل انخفاض أسعار النفط الى دون ٣٠ دولار للبرميل في الأسواق العالمية في عهد حكومة العبادي، وسيطرت داعش على ثلث مساحة العراق عام ٢٠١٤، وتسليم خزانة خالية من الأموال من قبل حكومة المالكي الى سلفها حكومة العبادي، وإعلان سياسة التقشف من قبل الاخيرة، لم يتغير سعر صرف الدولار امام الدينار كما نشهده الان، حيث كان يباع ١٠٠ دولار في مزاد العملة للبنك المركزي بقيمة ١١٦ الف بدينار، ويصل الى السوق بسعر ١٢٠ الف.
في حين استلمت حكومة السوداني ميزانية بقيمة ١١٥ مليار دولار وهي من عوائد مبيعات النفط لعام ٢٠٢٢، ومع كل هذا نجد تدهور القدرة الشرائية للفرد العراقي بفعل انخفاض قيمة العملة المحلية.
البرنامج الاقتصادي لحكومة السوداني، هو امتداد لبرنامج حكومة الكاظمي، ويتلخص بتحميل الأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية على كاهل العمال والموظفين، والجدير بالذكر بموازاة البرنامج الاقتصادي، سنت الحكومة قانون ٦٢ لمجلس الوزراء بمنع الحريات التنظيمية في صفوف العمال، وعدم الاعتراف بأية منظمة عمالية مستقلة، سوى بالاتحاد الموالي للحكومة وهو الاتحاد العام لنقابات عمال العراق التي يقبع رئيسه في السجن وهو من التيار الصدري بسبب عمليات الفساد والسرقة، وهذا يدل ان حكومة السوداني ماضية عبر التجويع والإفقار وقمع الحريات تمرير برنامجها الاقتصادي.
وهكذا يتناغم بانسجام تام مواقف القوى التشريعية والتنفيذية والميليشياتية، تجاه تخفيض قيمة الدينار، فرئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي رفض طلب من قبل خمسين نائبا بعقد اجتماع للبرلمان لمناقشة انخفاض العملة المحلية، كما ان السوداني عقد اجتماع قبل اسبوعين مع مسؤولي البنك المركزي ولم يتطرق او يدرج في جدول اعمال الاجتماع أي موضوع حول انخفاض العملة المحلية، وبموازاة ذلك أدلى هادي العامري بتصريحات مائية وليس نارية، بأنه وجماعته عليهم مقاومة الاستعمار في رده على انخفاض العملة، لتكتمل مشاهد المسرحية التي أقل ما يوصف بـ الهزلية السمجة، بين الممثلين البارزين، رئيس البرلمان ورئيس الحكومة وأبرز زعماء المليشيات الإسلامية الموالية لإيران والداعمة الرئيسية لحكومة السوداني، لطمس حقيقة السياسة النقدية التي تنتهجها الحكومة.
*****
ان الازمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي تعصف بجميع الدول، وان العراق لم يقفز من المريخ كي يكون بعيدا عن تلك الازمة، أي ان العراق جزء من النظام الرأسمالي العالمي الذي يمر بأزمة خانقة، ويضاف اليه أن جميع الأطراف السياسية وخاصة الإسلام السياسي الشيعي الحاكم مرعوبة من الشارع، وخاصة، لديها تجربة مريرة مع انتفاضة أكتوبر، لذلك ليس امامها الا بمحاولات امتصاص نقمة العمال والموظفين والكادحين والعاطلين عن العمل وكسب عامل الوقت، وخاصة تجد نفسها محاصرة في العراق بعد اجتياح الغضب الشعبي المدن الإيرانية، وهي أي قوى الإسلام السياسي ترى بأم عينها، ذلك الغضب يستوي على نار هادئة لتتحول رويدا رويدا الى ثورة تقلع نظام الملالي من جذوره ورميه في مزبلة التاريخ، وان الطبقة الحاكمة في العراق تدرك هذه الحقيقة، فهي تلجأ عبر الاستفادة من تخفيض العملة المحلية أمام سعر صرف الدولار الذي تتقاضاه من مبيعات النفط، بتحقيق بعض المطالب السطحية التي سنأتي على ذكرها.
ولابد من التنويه، أن انخفاض قيمة الدينار امام سعر صرف الدولار، أدى الى انخفاض القدرة الشرائية للمعاشات والرواتب بنسبة تصل الى ٢٥٪، هذا ناهيك عن ارتفاع أسعار السلع بسبب سعر صرف الدولار، حيث يضاف الى تلك النسبة، ويضاف أيضا أن نسبة التضخم الحاصل في السوق الرأسمالية العالمية، لتصل تآكل المعاشات والرواتب والأجور الى نسبة تصل ٤٠-٥٠٪.
عبر عملية تخفيض العملة المحلية، تحاول حكومة السوداني، ضرب عصفورين بحجر، فمن جهة، ترضية المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تطالب بتخفيض قيمة العملة المحلية كي يصبح العراق سوق مغرية للاستثمار الرأسمالي، وربطه بالأسواق الرأسمالية العالمية، ومن جهة أخرى، تذر الرماد في العيون، وتسوق نفسها بأنها عازمة على حل مشكلة البطالة عبر توظيف بضعة آلاف من العاطلين الذين يقدر عددهم اكثر من ١٢ مليون شخص من الاناث والذكور، وتمنحها فتات من حاصل فرق العملة التي خفضت قيمتها أمام سعر صرف الدولار، أي لا تعطي حتى ما يسد رمق الجوع والعوز، علما ليس هناك أية زيادة في المعاشات والحد الأدنى للأجور.
ان الرد على هجمة حكومة السوداني وايقافها، يجب أن يقابلها رفع ثلاث مطالب رئيسية وحشد القوى من العمال والموظفين والعاطلين عن العمل حولها، وهي، زيادة الأجور والمعاشات والرواتب بما يتناسب مع القدرة الشرائية في الأسواق، رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع نسبة التضخم وانخفاض قيمة الدينار العراقي، وثالثا ضمان بطالة لجميع العاطلين من الذكور والاناث لمن بلغ من العمر ١٦ عام او فرصة عمل مناسبة.