صانع الساعات الأعمى
للأديب الناقد هاشم مطر
على ناصية اللهفة ينازعها الإنتظار والمداد،
تشاكس عقارب ساعة الأعمى ،
عل هناك من بارقة أمل ترمم الروح في ازدهار جذوة اللقاء .
– صانع عقارب الساعات، صديق سنابل المطر، كان أعمى
– وصانع أوتاري من الخمائل العسلية كان هو الآخر أعمى
– دعوني أشاطركم تميمة نخلة تصلي طقوس الوقت بوادٍ غير ذي عشق
(كم من لهفة بي لأسمع نبرة صوتكِ في تكتكات اللحظات الأولى، كم يطحنني الشوق إليها، لا أظن أن الوقتَ كان صباحًا أو ظهرًا أو عصرًا أو حتى ليلًا عندما اشتغلت آلته تتكبد خسائرها تباعًا، وكل شيء أعمى وصانعها الأعمى يتأرجح بين المعنى وظله !)
– إن ظله سرقني وأنسبني إلى كائن ما، يقف خلف ظلي..ولربما لا أجد إلا ظلًا يبحث عن جثة صانع ساعة الليل خلف ظل ظلي،فألتمسُ تسعة وتسعين عذرًا،للمسافة التي تتمدد بيننا، ولم تدركها ساعة الأعمى ،سوى ظلنا الوحيد المصاب بدوار الدهشة.
– الذي يلهو بساعات ضجرنا كيفما شاء .
(كم من لهفة بي لأسمع نبرة صوتكِ في تكتكات اللحظات الأولى، كم يطحنني الشوق إليها، لا أظن أن الوقتَ كان صباحاً أو ظهراً أو عصراً أو حتى ليلًا عندما اشتغلت آلته تتكبد خسائرها تباعاً، وكل شيء أعمى وصانعها الأعمى يتأرجح بين المعنى وظله !
– ظله؟
ومن أين سيأتي النور فيكون الظل؟)
– حين تُشرخ تفاصيل الوقت كالمرايا في غفلة من الشوق، أُصاب بالاهتزاز أمام نفسي، وأمام أناك القابعة في نبضي ..ولازلت أحمل نسائم بعض عطرك من ظل ذكراك المبلل بالغربة وبأحلامي المذعورة، حيث لا أستطيع وأده كحلم.. يارفيقي …
– فلم تشر ساعة الأعمى إلى ترنيمات الصباح، كي يضع يده على الجرح.
(حتى شطفهُ بلمسة سحرية جعلته يتأنى برحلته ليدلقها على عينيكِ قبل أن تكونا مضاءتين. عابرتان للعتمة، صاغرتان لشفيف الضوء؛ بدءًا، حتى لامسهما صانعهما بجرة كحلٍ سرمدية لتترك دبقها وغمائمها وتشع قطرتا ندى باذختا الفن لصانعهما الأعمى. ترى هل كان يفكر بتلك الجوهرتين الصامتتين اللتين صدمهما الضياء المشبع بحب المظهر وجمال الصورة ومقام أرحب؟)
– غمائم سوداء تداهمني، فكم كنت بحاجة للبوح …!
– بالأمس كنت انضد من الفراشات مسبحة ضوء، لأنير مدالج عتمة صانعها، وكشِفة تلوي على فم ناي لحون، أتكوم كفراشات خلف ظلك. فسمرتني أحداقي هنا، علك تنسل كحزمة ضوء ، فاتلفع بها ..
(لا اظن أن الوقت كان كلماتٍ، ولا حتى إشاراتٍ تتوزع لتحاكي الموجودات، بل أصلاً لم يكن هناك شيئاً يذكر، ربما كان هناك مطرًا وسحاباً إهليجي النزعة، أو على اكثر تصور هضبة وجوف مياه أو جرف، من يدري إن كانت بركة ضحلة أم نبعا من فردوس أعلى! كان الأعمى يتصور!. لا اعتقد أنه كان كذلك!، فلم يكن له مخاً أو عقلًا يرشده لتبهره يقظتك، ولا عينين، فكيف صنع عينيك؟!.)
– ربما أخترعُ سفينة كلمات تُعنى بالاستسقاء محملة بالودق والهتنان وما حول الهضاب وما في جوف الأرض، هاربة من الذاكرة ودبيب تفاصيلها، لتترع المسافات ونلتقي عند نبع فردوس ذاك الأعمى.
(على الأغلب كان الجو ايلولياً، وهذا الأيلولي المشتبك حتى مع نفسه، ينازعها؛ لا صبر له ليرمي ورقة مطعونة بشغف الريح في زمنٍ لزمن آخر، أما زمن عماه، وزمن العينين الناظرتين لدهشةٍ شغلت نفسها عن صمته تفجر بركانا بالقرب فكان القلب!
أين يكون؟)
– في آيار تمزق جنح فراشة لـ يجسد ولادتي كقصيدة
– وتقول خريف أيلول يشبهنا كمتاهة عقارب الساعة تمارس الرقص على قاعدة الأرقام وتمتشق الدقائق على عُجالة لتقارع أسماعنا بتكتكاتها فتغرق القيصر.
(يسفُّ فضاءً ليصبح وجود العينين فتيلاً بالقرب من شمس لم يصنعها على الأرجح، وما زال الايلولي الأعمى يحاول ويحاول ثم يحاول حتى سبقه شغف العينين لاكتشاف المعنى الذي لم يكشف عن سر تشكّله من حرفين :
حاءٌ للحب وباءٌ للبدر فأصبح وجها/وهجا للكون، بإبدال طفيف! وما زال الصانع الأعمى لا توقفه تكتكات ساعته الأزلية ليزيد على صناعته بهاءً، وسلطة تكوينٍ تنثر اشياءَ لا تحصى، ملونة ليس لها من أسماء فسبحانَ العينين الناظرتين منحتهما ختم الأسماء ورقتها، فللنبع نزيف وللفراشة رحيق، ولكل شيء يعرب عن نفسه منبتهُ فيزيد ويزيد ويبقى سرهُ مؤجلاً حتى حلّ غيابه.)
– شهادة حب لاتقبل بغير رحيق الورد على الريق، وقلبًا مملوءًا بالأسرار والأحلام الجميلة، بعيدًا عن القلوب المثقلة بالذنوب والتي لاتفقه معاني الحب ولم تتذوق طعمه، تعيش على حافةٍ لا نفهمُ ماهية كُنهها
(ولا يعرف سره، ولا كنه الأسرار فوضعها بتكتكةٍ من ساعته العمياء ليلهو بها سبحانه! فهل ستنظر تينك العينان لجبروت غير فصيح اللون وذكاء العطر وسلامة ساعته وسلالتهِ الدائرةِ بالأبراج كحد أدنى، وهذا السهم الى أين سيمضي؟ «محتجبا عن عيني» كتحوير لأبن الرومي جلال، مرتميا للعشق بطعنة نسيم مرّ جزافا من أعلى الحاجب فتلقفه الرمشين!. فمن أين سيأتي بالسرِ، والسرُ محتجبٌ عن عينيه؟.)
– ولكي تشفى من حالة العشق يلزمك ضريحًا للحب، وليس تمثال المفكر لأوغست رودان، تستمر بتلميعه لتحظى بذاك البريق الذي انخطفتَ به يومًا ما
– يستبد بنا الولع ومفاتيح الوقت ليست بأيدينا .. هاك لتسمعني بعض تراتيلك .. هكذا قلبي يحدثني …
(شكرا يا قديسنا
آه كم تلوج الروح للمحِ ضياء خاطف شاغل عينيها، حتى تعشّقَ بالعشق كمخمل فيروزي اللون، فكم احتاج البحرُ والطيفُ الأزقِ من فوقه ليكونا بلونه وشدة تعلقه ببعضهما بعضا، ومن هذياناته أيضا!، تلك التي انصرفت لهرفٍ آخر تصبى في جلجلة الريح وصخب الموج وتشظي الصدف عن اللؤلؤ.
فيبقى عصف الروح لصانع ساعته الأعمى حزينا صنعها من دون أدوات تذكر غير الحرفين، ولم يعرف ما أغدقه بقلبي فترك الساعة تدور وتدور كما هذا الكون المبتهج بصورته وهيبته وأبديته، بضيائه وظلامه، بجماله وغطرسته، بقربه وبعده! فكل شيء يولد ويموت في حبهما حبا فقد صنعته اللحظة في خاطر صانع تلك الساعة، تركها تدور وتمضي ويمضي لمحَكِ كما عجلتها، ومؤشرها يدق تك تك تك تك…. ثوانٍ كونية الى ابد الساعة حتى يطحنني صمت صانعها الأعمى، فأموت ويبقى.)
– عصفتني بهذياناتك واستغفرت المواجيد ونفضت حزنك ودندنات نايك الحزين من على ذكرياتك المتكومة في ركن قصي مني
– فكنا على شفا صخب الموج، لولا أنفاس قديسك منحنا لحظات من عُمر ٍجديد