حرصا على منصب رئاسة وزراء العراق.. هل يتحالف الصدر مع البارزاني الطامع برئاسة الجمهورية؟
صلاح حسن بابان
تقارب سياسي لافت شهدته الساحة السياسية العراقية مؤخرا بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، بهدف تحقيق مكاسب سياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
الاتفاق يقوم على أن يقصر البارزاني مرجعيته السياسية على الصدر دون القوى السياسية الشيعية الأخرى، مقابل أن يدعم الصدر حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئيس الجمهورية.
يتزامن هذا التقارب مع تأكيد الصدر أكثر من مرة سعي تياره للحصول على منصب رئاسة الوزراء من خلال الانتخابات المقبلة.
وكان الحزب الديمقراطي قد سعى في السنوات الماضية للحصول على منصب رئاسة الجمهورية إلا أنه فشل وآلت في جميع المرات خلال السنوات الـ16 الماضية إلى منافسه السياسي الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان آخرها في 2018 عندما قلبت الأحزاب الشيعية المعادلة لصالح مرشح الاتحاد الوطني رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح على حساب مرشح الديمقراطي آنذاك فؤاد حسين، الذي تولى لاحقا حقيبة الخارجية في حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.
تشتت الشيعة
عُرف عن الأكراد بعد 2003 ومع بداية تشكيل العملية السياسية في العراق على يد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر أنهم أكثر الشركاء تنظيما وحنكة ومعرفة بما يريدون، وكانت لهم تجربة بالحكم وإن كانت محدودة عكس البقية من قرنائهم السنة والشيعة بعد التغيير، فهم إما خائفين -حسب المحلل السياسي العراقي أحمد السراجي- من الانتقام كما حصل لسُنة العراق، أو فرحين وغير مصدقين كالشيعة.
ويرى السرّاجي أن البارزاني يحاول الاستفادة من التشتت الشيعي السائد في الوسط السياسي العراقي، ويعرف في الوقت نفسه قوة أحد أهم مكوناتها وهو التيار الصدري الطامح لحكم العراق، على أن يتم التفاهم على تمرير حصة الإقليم بالموازنة مقابل التصويت لمرشح التيار الصدري في رئاسة وزراء العراق.
وعلى ضوء ذلك، كما يقول السراجي نشطت تحالفات وخلافات شيعية شيعية بالتساوي ولعل المتجارة بقضية سعر صرف الدولار مقابل الدينار من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وغيره، هي من أجل قطع الطريق على هذا التقارب الكردي الصدري الذي إذا نجح فسيؤدي لتغيير جذري في خارطة القوى الشيعية وتحديدا حزب الدعوة الذي يقوده المالكي الحالم بالعودة للحكم من جديد.
وعلى حد قول السراجي التوافق هو الأساس في تقاسم الحكم والمغانم، فكان الشرط الأول للأكراد هو مصلحة وحصة الإقليم من النفط، كائنا من كان في حكم العراق، وبما أن التوافق قائم على أساس رئاسة الجمهورية للأكراد والبرلمان للسُنة ورئاسة الوزراء للشيعة، أعطي للكرد ورقة مهمة للمساومة -كونهم بيضة القبان داخل مجلس النواب- بينهم وبين الأحزاب الشيعية، التي تبحث عن الأغلبية للحصول على المنصب، وهو ما جعل من الشيعة الأضعف في التفاوض والأكثر في تقديم التنازلات التي ظهرت آثارها اليوم بكل وضوح من خلال البؤس والفقر والبُنية المهدّمة في مدن الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية.
البارزاني وكرسي الرئاسة
واحتمالية أن يُسهل هذا التقارب حصول الصدر على رئاسة الوزراء والبارزاني على رئاسة الجمهورية واردة بقوّة، وهذا ما يؤكده الواقع، إذ إن الحزب الديمقراطي الكردستاني أقوى تنظيم في كردستان العراق كما يقول عضو الحزب الدكتور ريبين سلام، يقابله بالمواصفات ذاتها مقتدى الصدر في وسط وجنوب العراق.
وعن سبب اختيار الصدر من بين القوى والأحزاب الشيعية الأخرى للاتفاق معه، يقول العضو في الديمقراطي الكردستاني إنه يعود إلى عدّة مسائل، أبرزها التاريخية، حيث عمل الاثنان معا أثناء معارضة نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، بالإضافة إلى التزام نواب الصدر بمرجعيتهم وتوجيهاته على عكس العديد من الأحزاب والكتل السياسية التي تفتقد لهذه الميزة، لكن أبواب التقارب والتحالف مفتوحة بالنسبة لحزبه مع الأحزاب الأخرى في الساحة العراقية.
وعن إيجابيات الاتفاق، يؤكد سلام أنه يُسهم في استقرار العراق، عازيا السبب في ذلك إلى أن هذا النوع من التنظيم السياسي يحتاج إلى مراجعة، وعادةً الأخيرة لا تكون إلا من خلال الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة التي تتمتع بشعبية عالية.
ولا يخفي سلام سعي حزبه للحصول على منصب رئاسة الجمهورية، في رده على سؤالٍ للجزيرة نت بشأن ما إذا كان حزبه يسعى لانتزاع منصب رئاسة الجمهورية من الاتحاد الوطني الكردستاني القابض عليه منذ 2005، بتقرب حزبه من الصدر.
وينتقد سلام وصول شخصية مثل برهم صالح إلى رئاسة الجمهورية وهو الذي حصل على مقعدين فقط قبل أن يعود إلى صفوف الاتحاد الوطني، مما يؤدي إلى هشاشة المنصب وكذلك الحال مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي لا يملك أي مقعد برلماني، على عكس الرئيس الراحل جلال الطالباني الذي كان يلملم كل الخلافات بحنكته.
فشل التحالف
إلا أن عضو مكتب إعلام الاتحاد الوطني الكردستاني كاروان أنور يحكم بالفشل مسبقا على أي تحالفات كردية تحدث خارج البيت الكردستاني، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلّق بتحريض طرف ضد آخر، حاصرا النجاح في التحالفات التي تجري داخل البيت الكردي.
ويعزّز أنور موقفه هذا بالرجوع إلى الأحداث والاتفاقات التي حصلت خلال سنوات ما بعد 2003، مستغربا من تقارّب الديمقراطي من الصدر بالقول “إذا ترجمنا الخطاب الإعلامي الكردي لحزب البارزاني إلى اللغة العربية، فهو من المستحيل أن يتحالف مع أية جهة غير كردية وخاصة الشيعية منها، لأن الانتقادات التي يوجهها إعلام البارزاني للاتحاد الوطني ناجمة عن قرب الاتحاد الوطني من القوى العراقية والشيعية منها خاصة، والشارع الكردستاني الآن يعلم جيدا أن معظم قيادات السُّنة حتى من البعثيين السابقين يوجدون في أربيل وتحت نفوذ الديمقراطي، والأقرب إلى السُّنة هو الحزب الديمقراطي والأقرب إلى الشيعة هو الاتحاد الوطني الكردستاني”.
ولا يخفي أنور وجود نية ومنافسة صارختين لحزب البارزاني من أجل الحصول على المناصب السيادية الأخرى عراقيا كانت أو كردستانية، ولمرّات عدة حاول بكل ما أوتي من قوة من أجل الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل.
ويؤكد أن قوّة الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق أكبر من قوّة الحزب الديمقراطي الكردستاني، عازيا السبب في ذلك إلى الخطاب الواضح والصريح لحزبه تجاه العراق عكس حزب البارزاني.
ويختم أنور حديثه للجزيرة نت بالتأكيد على أنه منذ عام 2003 وهناك شبه اتفاق ما بين القوى العراقية كافة، لتوزيع المناصب السيادية الثلاثة، ومن بينها رئاسة الجمهورية للكرد، ومن الكرد يتسلمها الاتحاد الوطني ولكن هناك اتفاقات وتحالفات وتوزيع المهام والمسؤوليات قد تغير من تلك المعادلات، جازما بأن الصدريين لا يساعدون أي طرف كردي ضد طرف آخر وإنما يتركون الحال للتحالفات والاتفاقات داخل البيت الكردي.
سابق لأوانه
ولا يحصر التيار الصدري تقاربه من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإنما يقف على مسافة واحدة من جميع الكتل الكردية انطلاقا من أن مصلحة العراق تتطلب التشاور مع جميع الأطراف كما يقول النائب عن تحالف “سائرون” التابع للصدر علي سعدون غلام، ويؤكد أن الحديث عن مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة سابق لأوانه.
وفي ما إذا كان هذا التقارب يساعد الصدريين للحصول على رئاسة الوزراء والحزب الديمقراطي على الرئاسة، يكتفي غلام في حديثه للجزيرة نت بالقول إن هذه الاتفاقات وغيرها تعتمد على ما تفرزه الانتخابات، أما الآن فالمعطيات غير واضحة أبدا.
مرجعية شيعية كردية
بدوره، يُعلق الصحفي والمحلل السياسي الكردي سامان نوح على هذا التقارب ومضمون الاتفاقات فيه، بأنه لا يمكن الحديث عن اتفاقات، إذ هناك لقاءات جرت بهدف التنسيق والتفاهم في بعض الملفات لكي يمرر كل طرف أجندته في المرحلة الحالية التي تسبق الانتخابات، وهذا ربما اتضح من الترتيبات والتفاهم التي حصلت بشأن حصة الأكراد في الموازنة الحالية والتي تم الاتفاق عليها في جلسة البرلمان أمس، حيث وافق التيار الصدري على التعديلات الأخيرة ورفضتها كتل أخرى ككتلتي دولة القانون والفتح.
أما الحديث عن اتفاقات مستقبلية فهو حديث مبكر جدا -حسب نوح- والتفاهمات واردة بين الكتل في كل مفصل ولكنها في الوقت ذاته مرحلية ومتقلبة حسب مصالحها في كل ملف وكل مرحلة.
ورحب نوح بأي تفاهمات بين أي قوتين كبيرتين، لأن ذلك سيساعد في استقرار البلاد.
وفي رده على سؤال للجزيرة نت عن مكاسب البارزاني من هذا التقارب، بيّن أن الديمقراطي الكردستاني يعتبر أن حضوره في بغداد تراجع في السنوات الأخيرة رغم تصاعد قوتهم في الإقليم، فيريدون تعظيم قوتهم في بغداد، ولعلهم وجدوا في التيار الصدري الشريك المناسب في هذه المرحلة.
ويؤكد نوح أن أي تحالف بين قوتين فقط في العراق لا يمكنه تحقيق أهداف كبيرة لأن المقاعد بالبرلمان العراقي البالغة 329 مقعدا موزعة على أكثر من ثماني كتل بارزة، ويجب أن لا ننسى أن الاتحاد الوطني -ووفق التجارب الانتخابية السابقة وحتى مع عدم تحقيقه لنتائج مقاربة للديمقراطي في انتخابات الإقليم- كان دائما يحصل على مقاعد قريبة من مقاعد الديمقراطي في البرلمان العراقي، إلى جانب انفتاحه وتفاهماته مع بعض القوى الشيعية، ما مكّنه دائما من تحقيق مكاسب أو اختراقات في بغداد وعلى حساب الديمقراطي.
مصلحة عائلية حزبية
بالمقابل، يصف عضو كتلة “الأمل” الكردية المعارضة في مجلس النواب العراقي كاوة محمد تحركات الحزب الديمقراطي الكردستاني نحو الصدر بأنّها تأتي من منطلق المصلحة الحزبية والعائلية كما هي الحال منذ 2003، وهو ما عرقل أن تكون هناك علاقة إستراتيجية بين حكومتي بغداد وأربيل من خلال تفرّده بكيفية التعامل مع الأحزاب العراقية الأخرى.
ويسعى الديمقراطي الكردستاني إلى التقرّب من الصدر للحصول على مكاسب حزبية في الحكومة الاتحادية المقبلة، بعد أن لوّح زعيم الصدريين أكثر من مرّة بنيته الحصول على رئاسة الوزراء، مؤكدا أن هذا التناقض لا يختلف أبدا عما كان عليه حزب البارزاني في انتخابات 2018 عندما تحالف مع كتلة البناء الشيعية، في وقتٍ كان يوجه أشد الانتقادات ضد الحشد الشعبي.
ويتّفق محمد في حديثه للجزيرة نت مع سلام بوجود نية أو محاولات للحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل انتزاع منصب رئاسة الجمهورية في الحكومة المقبلة من الاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن فشلت محاولته الأولى في انتخابات 2018، وأن هذا ما يدفعه إلى التقرّب أكثر من الصدر في المرحلة المقبلة.