حرب على الإرهاب أم ردود أفعال ليس إلا؟!
.
التعامل الدولي مع الأحداث التي جاءت مترافقة مع مرحلة ماسمي بالربيع العربي أظهر الكثير من المفارقات في مواقفها و فرضت رسم اشارات الاستفهام حول حقيقة نوايا القوى الدولية تجاه التغيرات البنيوية التي قد تطرأ على النظم السياسية المستبدة والسائدة في العالم الثالث.
محاولة القضاء على الارهاب و تنظيماته المختلفة التي تقوم بأعمال العنف المسلح لن تنجح على المدى البعيد دون وجود استراتيجية بعيدة النظر تكون أهدافها هو القضاء على عوامل تكوّن الفكر المتطرف ,أسباب ازدياد فرص التعبئة و سد الثغرات التي تمهد لنشوء البيئة الصالحة التي تعمل بدورهاعلى نمو بذرة التطرف في البلدان ذي النظم الاستبدادية, فيما في الجانب الآخر الغرب المصدر للسلاح والمستورد للمهاجرين و اللاجئين و فشله في سياسة الصهر و الاندماج.
عندما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعملية عسكرية من خلال طائرة بدون طيار لتصفية محمد إموازي ذباح داعش الذي نَحَرَ العديد من الرهائن الغربيين بينهم أمريكيين , عندما تكشف روسية عن جريمة وراء تحطم طائرتها فوق شرم الشيخ و تعلن عن مكافأة قيمتها خمسين مليون دولار لمن يقدم معلومات عن الجناة على الرغم من اعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث وفي الوقت نفسه تقصف طائراتها الحربية المواقع التي يريد النظام السوري التخلص منها و التي في أغلبها تابعة للجيش الحر , حين يسارع الرئيس الفرنسي أولاند إلى مضاعفة هجماته الجوية على معاقل التنظيم في سورية و ملاحقتهم في أوروبة بعد الهجمات الارهابية على باريس فإن كل هذه الاجراءات توحي للمتابع بأن الأمر ليس سوى ردود أفعال لاتتعدى مستوى الانتقامات ضد جناة محددين,تنتهي بالتخلص من هؤلاء و لاترتقي إلى مستوى الطموحات بالقضاء على الارهاب فكرا و عقيدة تنظمه جماعات تتماهى تحت أسماء لحركات مختلفة لكنهم يعتنتقون مبدأ التطرف نفسه و يتزايدون عددا و عدة مستفيدين من انتشار الظلم و غياب العدالة الاجتماعية و فرض شريعة القوي على الضعيف من خلال دعم الدول الكبرى للنظم الديكتاتورية في العالمين العربي و الاسلامي .
ليس بخاف على أحد بأن تنظيم القاعدة الذي كان موجودا بفترة طويلة قبل مرحلة الربيع العربي لم يتم القضاء عليه من خلال الغزو الأمريكي على أفغانستان و لا على العراق على الرغم من أن الغزو على العراق في حد ذاته لم يكن خطأً كونه أفضى إلى التخلص من ديكتاتورية صدام ,بل الخطأ الجسيم كان في تحطيم البنية التحية للدولة العراقية , تسريح أكثر من أبعمائة ألف ضابط و صف ضابط في الجيش العراقي و تحويلهم إلى مسلحين ,عاطلين عن العمل , ممارسات جنود الاحتلال لأسوأ انواع المعاملة بحق السجناء في أبو غريب و غيرها من السجون العراقية ,كانت أهم العوامل التي أدت إلى سقوط الأمريكيين في الوحل العراقي .
الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها ادارة بوش في العراق تشكل حتى يومنا هذا إحدى أهم العوامل وراء تفاقم دور التنظيمات المتطرفة و على رأسها تنظيم داعش الذي تأسس في العراق و امتد فيما بعد ذلك إلى سورية مستفيدا من الفلتان الأمني فيها من ناحية ومن تجاهل النظام لانتشار ه من خلال تركيزه على ضرب القوى المعارضة المعتدلة أو الأقل تطرفا من ناحية أخرى.
العالم يواجه اليوم أكبر تحدي له في مواجهة التطرف و الإرهاب و القرارات الدولية الحالية التي تُتَخَذْ لمعالجة المشاكل التي تواجهها شعوب المشرق الاسلامي هي التي سوف تحدد مسار و مصير التنظيمات الارهابية.
المتابع للأحداث يرى أيضاً و بكل وضوح مدى الارتباك و التخبط الذي أصاب العالم في مواجهة الارهاب , طريقة مكافحته و على وجه الخصوص بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية و كل الخشية هو في أن يفرض بوتين أجنداته و يحصل بالتالي توافق روسي غربي على أساس العودة إلى سياسة دعم الأنظمة الشمولية , نظام الأسد نموذجا ,كي يتمكنوا من خلالهم تسيير الأمور بالوكالة ,حيث أن أمنهم القومي هو أهم ما لديهم, متناسين أن العالم قد أصبح شفافا اليوم أكثر من أي وقت مضى و لن يعود عقوداً إلى الخلف و أن الضمان الوحيد للدول الكبرى التي تدّعي الديمقراطية و تعمل على المحافظة عليها من الارهاب و التطرف لن يكون إلا من خلال العمل على نشر مبادئ الديمقراطية و دعم الشعوب الثائرة في معركتهم ضد الطغاة .
نظم الاستبداد يجب أن تُحَارَب في كل مكان فمن حق شعوب العالم الثالث أن تنعم بنفس القدر من العدالة الاجتماعية و تتمتع بالفسحة ذاتها من الحرية حتى تستطيع شعوب دول العالم المتقدم الاحساس بالأمن و النعيم في بلدانهم و بذلك يتوقف صناعة البؤس ,اللجوء وتصدير الأزمات. الحرب على الإرهاب لن تنتهي دون القضاء على أسباب نشوئها ,نموها و تكاثرها.
فرمز حسين
ستوكهولم