قصة قصيرة
حتى لا تنسى
دقت عقارب الساعة تشير إلى الساعة العاشرة صباحا, و هو يتابع الراديو كعادته كل يوم, ومعه فنجان القهوة السادة, لحظات حتى دق جرس الباب, كان ساعي البريد قد سلمه خطابا مسجلا بعلم الوصول, فتح الخطاب وشرع يقرأ الخطاب (القاهرة في 21 ابريل 1980م)
كان الخط رقيقا و رائحته الذكية تفوح من داخله, كانت وردةٌ حمراء جافة -لم تحتمل قط- تساقطت أوراقها عندما أمسك بها.
عزيزي ……..
أكتب إليك من بلد بعيدٍ و يعتصرني الألم لأجل وحدتي و بعدي عنك منذ اضطرتني الظروف للرحيل بعيدا عنك, حتى صارت أيامي وحيدة طويلة لا تنقضي في هذا المنفى البعيد . لعلك تندهش؛ كيف؟ وهنا بلد النور و الجمال! أشعر كأنني داخل سجن بدون أسوار فهو يحيط بي من كل اتجاه يخنق أنفاسي وأحلامي حتى أبسط حقوقي. نعم فالبعد عنك لا معنى له و الحياة لا جمال فيها.
ليل الشتاء الطويل شديد البرودة لا يمر حتى النهار القصير جدا هو عندي أطول من دهر, نور الشمس المسكوب على جبيني ما هو إلا ضباب أسود يمحو الرؤية عني تماما , حتى القمر الزاهي الذي كنا نراه سويا أراه اليوم كطير غريق في صفحة السماء الرمادية, والنجوم الساطعة هي ورود ذابلة فوق سطح بحر راكد, لم يعد لي رفيق أناجيه بأحلامي سوى اليأس و الذل, هما من يؤنسان وحدتي هنا. أعرف أني قد اخطأت كثيرا يوم تنازلت عنك لأجل الأوهام التي لا قيمة لها في زمن عمر الفرد.
أنت تعرف كم الضغوط و الشدائد التي كانت تحيط بي و كانت أقوى مني, وشعرت حينها أنك جلست مكتوف الأيدي. نعم أعرف أني أنا من أخطأت, ولا أحملك ما لا ذنب لك فيه. رسمنا صوراً جميلة للمستقبل بعد تلك الوعود التي منحتني إياها, ولكن رحلت!
كان بداخلي صراع عند الرحيل و الهروب من قسوة قوانينك و كثرة حبك وعطائك لي, كنت كالطائر الذي رحل إلى مكان بعيد ولا يعود.
أرجوك سامحني .. فأنت وحدك من يدرى إلى أية درجة بلغت آلامي و أحزاني. وهنا أنا لا اعرف ماذا أفعل بهذا الوقت اللعين البشع؟
لكن هل هو عندك أيضا بمثل هذه البشاعة؟ آه لو تعرف كيف أصبحت أنهي أعمالي هنا بصورة لا تطاق! أصبحت قلقة عنيفة أغلب الأوقات, حتى صارت شبحا يطاردني أينما ذهبت, وكان لابد أن أكتب إليك فكم أنا مشتاقة إليِك! ولابد أن أراك ثانية. كل جوارحي و جوانحي تهتف؛ أريدك أنت. ذرفت دمعاتي حزنا على ما مضى, أشعر بها تترنح على خديّ, كذلك المصباح الذي يترنح بضوئه الخافت أعلى سقف حجرتي ظنا مني أنك قد تأتني خلسة الآن ……نعم انتظرتك تدخل الآن.
كثيرا ما يأتيني شعورٌ آخر, يخبرني أني لن أراك ثانية, تصيبني رعشةٌ غير مدركة مصدرها. شعرت بأنفاسه الساخنة تدفّئ جبيني, وراحة يدك تمسح دمعاتي. أراك تحاصرني و تضع راحة يدك على كفي, أسرح بين عيونك و أدفن رأسي عند صدرك الحاني فهو لازال مصدر طاقتي, هو مكمن الحنان المفقود هنا على هذه الأرض، و أنت دفء الحياة بجميع ألوانها. أكتب إليك اليوم خطابي فيها وردة بللتها دموعي، قبلتها شفتاي, أرسلها إليك. إلى أن أعود إليك من هذه الأرض البعيدة. أتشتاق إليّ مثلما أشتاق إليك؟ سوف أرسل لك خطابي التالي خلال أيام أحدد يوم عودتي و ساعة………
صوت المذياع يعلن الساعة الحادية عشر السبت أول أكتوبر لعام 2001م
دقت عقارب الساعة تشير إلى الساعة العاشرة صباحا, و هو يتابع الراديو كعادته كل يوم, ومعه فنجان القهوة السادة, لحظات حتى دق جرس الباب, كان ساعي البريد قد سلمه خطابا مسجلا بعلم الوصول, فتح الخطاب وشرع يقرأ الخطاب (القاهرة في 21 ابريل 1980م)
كان الخط رقيقا و رائحته الذكية تفوح من داخله, كانت وردةٌ حمراء جافة -لم تحتمل قط- تساقطت أوراقها عندما أمسك بها.
عزيزي ……..
أكتب إليك من بلد بعيدٍ و يعتصرني الألم لأجل وحدتي و بعدي عنك منذ اضطرتني الظروف للرحيل بعيدا عنك, حتى صارت أيامي وحيدة طويلة لا تنقضي في هذا المنفى البعيد . لعلك تندهش؛ كيف؟ وهنا بلد النور و الجمال! أشعر كأنني داخل سجن بدون أسوار فهو يحيط بي من كل اتجاه يخنق أنفاسي وأحلامي حتى أبسط حقوقي. نعم فالبعد عنك لا معنى له و الحياة لا جمال فيها.
ليل الشتاء الطويل شديد البرودة لا يمر حتى النهار القصير جدا هو عندي أطول من دهر, نور الشمس المسكوب على جبيني ما هو إلا ضباب أسود يمحو الرؤية عني تماما , حتى القمر الزاهي الذي كنا نراه سويا أراه اليوم كطير غريق في صفحة السماء الرمادية, والنجوم الساطعة هي ورود ذابلة فوق سطح بحر راكد, لم يعد لي رفيق أناجيه بأحلامي سوى اليأس و الذل, هما من يؤنسان وحدتي هنا. أعرف أني قد اخطأت كثيرا يوم تنازلت عنك لأجل الأوهام التي لا قيمة لها في زمن عمر الفرد.
أنت تعرف كم الضغوط و الشدائد التي كانت تحيط بي و كانت أقوى مني, وشعرت حينها أنك جلست مكتوف الأيدي. نعم أعرف أني أنا من أخطأت, ولا أحملك ما لا ذنب لك فيه. رسمنا صوراً جميلة للمستقبل بعد تلك الوعود التي منحتني إياها, ولكن رحلت!
كان بداخلي صراع عند الرحيل و الهروب من قسوة قوانينك و كثرة حبك وعطائك لي, كنت كالطائر الذي رحل إلى مكان بعيد ولا يعود.
أرجوك سامحني .. فأنت وحدك من يدرى إلى أية درجة بلغت آلامي و أحزاني. وهنا أنا لا اعرف ماذا أفعل بهذا الوقت اللعين البشع؟
لكن هل هو عندك أيضا بمثل هذه البشاعة؟ آه لو تعرف كيف أصبحت أنهي أعمالي هنا بصورة لا تطاق! أصبحت قلقة عنيفة أغلب الأوقات, حتى صارت شبحا يطاردني أينما ذهبت, وكان لابد أن أكتب إليك فكم أنا مشتاقة إليِك! ولابد أن أراك ثانية. كل جوارحي و جوانحي تهتف؛ أريدك أنت. ذرفت دمعاتي حزنا على ما مضى, أشعر بها تترنح على خديّ, كذلك المصباح الذي يترنح بضوئه الخافت أعلى سقف حجرتي ظنا مني أنك قد تأتني خلسة الآن ……نعم انتظرتك تدخل الآن.
كثيرا ما يأتيني شعورٌ آخر, يخبرني أني لن أراك ثانية, تصيبني رعشةٌ غير مدركة مصدرها. شعرت بأنفاسه الساخنة تدفّئ جبيني, وراحة يدك تمسح دمعاتي. أراك تحاصرني و تضع راحة يدك على كفي, أسرح بين عيونك و أدفن رأسي عند صدرك الحاني فهو لازال مصدر طاقتي, هو مكمن الحنان المفقود هنا على هذه الأرض، و أنت دفء الحياة بجميع ألوانها. أكتب إليك اليوم خطابي فيها وردة بللتها دموعي، قبلتها شفتاي, أرسلها إليك. إلى أن أعود إليك من هذه الأرض البعيدة. أتشتاق إليّ مثلما أشتاق إليك؟ سوف أرسل لك خطابي التالي خلال أيام أحدد يوم عودتي و ساعة………
صوت المذياع يعلن الساعة الحادية عشر السبت أول أكتوبر لعام 2001م
000
سامح ادور سعدالله – مصر