المقال رقم 1 من سلسلة خبايا الناس:
حبال الهوى
” نعم أنت وكيلي ” … لم تكن نانا كما تحب أن يناديها من يعرفها تعلم أنّ هذه الكلمات ستنقلها من عالم جهلت كل مفاتيحه، إلى آخر جهلت خباياه فأتعبها ولا زال … فبعد أكثر من عقد من الزواج ضاقت بها الدنيا إلى حد ما عادت تطيق خناقه. خبرت نانا عوزاً جديداً كانت تجهل وجوده حين لم تتجاوز الخمسة عشر ربيعاً من عمرها، عندما أخبرها أنّه سينقلها من عالم إلى آخر، عالم حلمت بصوره الوردية في خيالها ولا زالت تلهث وراءه دون أن تصل إليه أو أن تلتقط أطرافه. غدت نانا في خريف العمر ولم تتجاوز العشرين بكثير، وأرّق لياليها سهاد لم يُغادر فراش نومها يوماً، فلم تتمكّن طيلة حياتها مع راغد زوجها من تبديل واقع تعيش فيه، أو تتحايل على واقع تسعى للهرب منه. ترمّلت نانا شابة، ولم تتجاوز العشرين سنة بقليل، ترمّلت مع وجود راغد على قيد الحياة بجانبها، بين نانا وزوجها مسافات ومسافات لم يطوها سوى إنجابها لإبناء هم من جعلوها تعيش شبه ميتة بين أحياء أموات لا مشاعر لديهم ولا أحاسيس، دون أن تفهم كيف أنجبت ولماذا؟. لطالما تساءلت نانا لماذا يُوصّف الناس واقعها بكلمة حياة، وهو لم يكن بالنسبة لها سوى فترة برزخ محاطة بكوابيس لم تعتقد يوماً إنّها قادرة على مواجهته. عاشت حياتها محطّمة، خلقت لنفسها هي أصفاده ورمت بمفاتيحه في مكان تاهت معالمه من خيالاتها؛ لم تع يوماً أنّها ساهمت برضوخها بكل أشكال الرضوخ في التآمر على نفسها قبل أن توجّه أصابع اتهامها كما عادة كُثُر إلى غيرها. لم يكن ينقصها سوى هربها إلى وضع سمحت بمروره وبالتعلّق بحباله، مدّعية بأنّه خلاصها، هربت نانا من حال ساهمت بتفاقمه لحظة بلحظة إلى حال سلّمت فيه نفسها من جديد إلى خيانة صنعتها بنفسها دون سواها. خيانة جمّلت صورها وقفزت فيها فوق أسوار كبيرة كان يبدو لكل من عرفها صعوبة اختراقها لها، إستجمعت قوّى لطالما أدعت بأنها لن تقدر على أي منها قبل أن تنتقل من عالمها البرزخي الذي ساهمت في بناء تصميمه وأشرفت على هندسته بنفسها قبل سواها. لطالما اعتقدت بأنّها خسرت حياتها بسبب راغد ومن كان سبباً في زواجه منها دون أي ارتباط يجمعهما أكثر من بضع نقاط من الحبر على ورقة أسرت حياتها، ولطالما اعتقدت بأنّها دفنت حيّة دون إمكانية خلاصها، ولم تكن تتوقّع يوماً أن يخفق قلبها مجدّداً، إلى أن اختارت بإرادتها إدخاله في حالة الإنعاش القسري، لمن سمحت له مجدّداً بأن ينتزع منها في العتمة ذات العبارة التي نطقتها لراغد في النور يوماً ما قبل هرمها. صارحت نانا نفسها دون سواها بأنّها تريد أن تحيا، وستفعل ما تراه مستحيلاً لينبض قلبها حبّاً من جديد، ما دفعها لنطق ذات الحروف التي خطّت بها حياتها طفلة إلى آخر إعتقدت أنّه سيفتح لها أبواب الحلم الذي لم ولن تتمكّن يوماً من اقتحامها.
(ليلى شمس الدين)