كانت اشعة الشمس الربيعية تلقي بدفئها على بيوت القرية وعلى حقول القمح اليانعة، والغدران ملآى بالماء بعد ما بدأت الثلوج في قمم الجبال بالذوبان في ذلك النهار الربيعي الجميل خرج اسعد من بيته القريب من سفح الجبل المحاذي للقرية كان حافي القدمين وكانت به رغبة لاصطياد عصفور من عصافير الدوري حاول اصطياد أنثى من إناث عصافير الدوري كانت تزقزق فوق غصن من أغصان شجرة التوت الباسقة في نهاية الزقاق فلم يفلح إذ ارتطم الحجر الذي رماه من صيادته المطاطية بالغصن فطارت العصفورة خائفة مذعورة مطلقة زقزقة كئيبة , اطلق صديقه يونس صفارته في النهاية الأخرى من الزقاق التفت اسعد إلى مصدر الصوت وإذ بصديقه يونس يقبل نحوه مهرولا وفي نفس الوقت كان عصفور وبلبل قد حطا على أغصان الشجرة…
انحنى اسعد أرضا كي يتناول حجرا ليجعله عتادا لصيادته المطاطية وقبل أن يرمي ا سعد حجره أتاه صوت صديقه يونس هامسا ا سعد ا سعد التفت ا سعد ناحية يونس مصغيا لحظة فلنهدف سوية قال يونس هامسا وأضاف فليكن هدفك البلبل وهدفي سيكون العصفور قال ذلك يونس وابتسامة مكر ترتسم على شفتيه إذ أن العصفور كان اقرب إلى مرمى الحجر من البلبل فبهذا سيكون أوفر حظا من صديقه ا سعد بالصيد هزا سعد راسه موافقا مط كل منهما زوج المطاط في صيادته وانطلق الحجران في أن واحد لحظات وارتطم الحجر الذي اطلقه يونس من صيادته بالجنح الأيمن للعصفور فسقط أرضا وطفق ينط بين الأعشاب فيما يونس يهرول تجاهه محاولا الإمساك به لكنه اختفى عن ناظريه خائفا فزعا في كوة في احدى الجدر الطينية . لا عليك قال اسعد أنى ذاهب إلى حقل عمي يعقوب ألا تأتي معي؟ فهناك سنصطاد عصافيرا كثيرة في الحقيقة لم يك يونس راغبا بالذهاب إلى الحقول بل كانت به رغبة شديدة ومجنونة بالذهاب إلى بستان العم صادق لذا اقترب من صديقه اسعد قائلا بشيء ما يشبه الهمس وبطريقة مشوقة:
العم صادق يا اسعد يعود إلى بيته لتناول طعام غذائه عند ظهيرة كل يوم هذا ما أخبرني به ابن عمي سمير فلنذهب إلى بستانه علنا نظفر بفراخ البلابل والعصافير فهنالك أعشاشا كثيرة يبن أغصان شجرة التوت العملاقة المنتصبة وسط البستان ألا تذكرها؟ بلى أتذكرها. في البداية سارا بمحاذاة السفح ثم ارتقيا الجبل وحينما وصلا قريبا من البستان كان قلباهما يدقان بشدة خائفين قائلين في سرهما ماذا لو لم يغادر العم صادق بستانه هذا اليوم؟ وماذا لو رانا نتسلق شجرة التوت سيقذفنا بسيل هادر من الحجارة ذلك الشيخ الطاعن في السن في حالة غضبه يستحيل ثورا هائجا يدمر كل من يقف أمامه.
قال يونس لصديقه اسعد اجلس ها هنا ولا تتحرك سأتحرى الأمر بنفسي واذا ما لمحت العم صادق قابعا في كوخه سأطلق صفيرا وحال سماعك صفيري عليك بالهرب وحذار حذار لا تسلك الطريق المؤدي إلى الوادي والا فستكون لقمة سائغة لسيل الحجارة الذي سيقذفك بها قد تقتلك بل ارتق الجبل باتجاه القمة وانا بدوري سأتبعك لنختار سبيلا أخر للعودة , مرت دقائق مشوبة بالخوف والترقب واسعد قابع في مكانه من دون حراك ومن ثم أتاه صوت يونس هادئا حنونا نهض اسعد ودخل البستان كان اسعد في تلك اللحظة يغذي السير تجاه شجرة التوت وما أن وصل الشجرة هم بتسلقها فيما واصل يونس السير تجاه نبع ماء زلال يتفجر من بين الصخور ليصب ماءه في بركة صغيرة وشرع يروي عطشه مثل حمامة مطاردة استبد بها العطش .
سمع يونس صراخا ومن ثم أنينا وأتاه صوت صديقه اسعد واهيا مخنوقا أسرع أسرع يا يونس لقد لدغتني أفعى هرول يونس تجاه الشجرة فيما كان اسعد يهبط من على الشجرة بتثاقل قاتل استوى واقفا تحت الشجرة واعتلت وجهه صفرة مخيفة ابتدره يونس قائلا هات يدك أرن موضع اللدغ. بسط اسعد يده أمام يونس وشرع يونس يمص بشفتيه المرتجفتين موضع اللدغ كرر ذلك لمرات عديدة ومن ثم قال بحزن بالغ هيا اسرع اسرع يا اسعد فاطلقا ساقيهما للريح كايلين تعبين باتجاه القرية وفي الطريق إلى القرية كان يونس شارد الفكر مهموما قائلا في سره أنا سبب كل ذلك أه لو لم تأتيني تلك الفكرة فكره البستان المجنونة واحس وكان سكينا تنغرز في قلبه فتدميه وشرع يطلب من الله أن يبعد عن صديقه اسعد أي مكروه ظل اسعد لأيام معدودات طريح الفراش محموما يهذي بكلمات لا يربطها أي رابط إذ ذاك أيقنت والدته بانه ميت لا محال بالرغم من كل الوصفات الطبية المحلية التي وصفها له حكماء القرية فاستبدت بها كآبة قاتلة وانحدرت الدموع من ماقيها كسيل جارف مجنون .
دفن اسعد في مقبرة القرية في موكب مهيب بكته امه ونساء وأطفال القرية كان يونس يرافق والدة اسعد وبعض نساء القرية حينما يذهبن إلى المقبرة يجلس حينا قرب قبر صديقه اسعد صامتا وأحيانا أخرى كان يهم بزرع بعض الزهور حول قبره وأينما كان وكلما تذكره كانت عيناه تدمعان وتستولي عليه كآبة لا تطاق وتبدو مقلتاه كفراشتين ميتتين لا تقويان على الحركة.