جلود مستوردة
لم أكن في يوم كما رغبتي ممثلا مشهورا… واكبني النحس جلدا على هيكل عظمي، لا ينضب عن حسحسة مساماته وهو يردد القول:
عليك اللعنة توماس مذ الولادة و منذ تلك الصرخة لم اكن راغبا في الخروج من رحم امك التي نفقت وهي تلدك بي، كنت قد رغبت ان افر الى الداخل لكن ذلك الطبيب الحقير مد يده ليخرجني عنوة معك فارتديتك خوفا من رمي مع قاذورات مشيمة وبقايا دم فاسد… يا لمصيبتي!!؟ لا اعرف كيف بقيت معك كل تلك السنين حتى اليوم؟!! على اية حال ها انا ولأول مرة اضع أمامك فرصة اجدها سانحة كي تكون أداة لطريقة تغيير في نمط حياتك، هيا لملم شتات وشظايا بقايا صورك ثم دعنا نذهب الى ذلك العرض لقد طلبوا من خلال ملصق اعلاني رغبتهم بوجوه جديدة لدور معين في فيلم ما… هيا بادر لنذهب عله يكون من نصيبك…
تقدم العديد منا وجوه جديدة لم ترق للمخرج لكن ما ان رآني حتى صرخ هذا هو الوجه الذي أريد إنه يجسد ما أرغب فيه… الحقيقة صدمت!!! عندما أكمل عبارته إنه المسخ الذي تخيلته، يا للقدير تعال عرفني بنفسك؟ كنت اشعر بأني ولأول مرة مرغوب بي فقلت إني ادعى مالون… توماس مالون ثم عرجت على سيرتي الذاتية البسيطة التي فبركت بعضها…
حسنا توماس إنها فرصة عمرك عليك ان تثبت إنك جدير بالدور الذي سيُسند إليك، ثم صرخ على شخص بعد ان اشار له باعطاني نص الدور الذي سألعبه في احداث فيلم لم اعرف مجمله فقد قال لي ذلك الشخص احفظ هذه الصفحات الاربع فدورك سيكون المسخ الذي يثير الرعب بين ابطال الفيلم، سيلقنك بعض المساعدين على بعض الحركات الى جانب النص الذي ستحفظه حاول ان لا تجعل من المخرج غضبا فهو لا يحب الاغبياء وكما ارى من سحنتك أنك أب للغباء… هيا سارع الى هناك، انضم الى طاقم العاملين ( الكومبارس )
يا للغرابة!! كنت المسخ الذي يسبب الرعب بين اهالي المدينة الذي يقوم بإغتصاب نساءها قبل التمثيل بأجسادها… لا ادري كيف انقلبت الامور ضدي فقد قُتِلَت بالفعل احدى نساء المنطقة التي يتم التصور فيها ثم توجهت الانظار إلي… صرت متهما فقد إلقي القبض علي وانا اقوم بعمليات القتل حسب نص الفيلم … بين لحظة وأخرى اصبحت بين الكثير من المحققين والعديد من وسائل الاعلام التي روجت لي كمجرم قاتل بعنوان وحش آدمي يقتل ببشاعة نساء مدينة بيرونا… اقسمت لهم أني مجرد ممثل مضمور كومبارس إني نكرة كيف لي ان اقوم بتلك الجريمة؟؟ رجوت المحققين ان يسالوا المخرج أوالطاقم الذي عملت معهم عني فأنا قد بدأت للتو و إياهم… لكن المخرج والمنتج واغلب العاملين راحوا ينكروني فقد كان إلقاء القبض علي تروجيا جاء على طبق من ذهب لفيلمهم… في تلك الفترة تلقيت الضرب المُبرح ونعت بمسميات لم اعرف عنها… تسارعت الاحداث، بت مشهورا أكثر مما اطلب واتمنى.. لا اعلم كم لبثت بين تحقيق ومحاكمة، ها انا اقبع بين ثلاث جدران وقضبان لم أألفها من قبل… الغريب أن جلدي لم يكشف لي عن هواجسه يبدو ان تلك المسألة راقت له… فقمت بقرس جلدِ عله يشكو وجعا لكني وجدته اخرسا كأن القطة اكلت لسانه!! خرجت للباحة مثل بقية السجناء العيون ترقني بشزر اني المجرم الوحيد بينهم وهم من عتاته… اقترب احدهم وهو يقول انت مالون إن الاخبار والصور لا تعطيك حقك إنك مسخ بحق… إني ادعى جيسي يشرفني ان اتعرف عليك… استغربت!!! فرددت عليه لكني لا اتشرف بمعرفتك دعني اخبرك إني لم اقم بتلك الجريمة فأنا لست سوى ممثل مبتدئ كان علي ان اؤدي دوري كما هو مكتوب في النص و صدقني قمت بالجريمة كما هي في نص وسيناريو الفيلم لم ارتكبها ما لُفق لي حقيقة…
لا عليك كلنا ابرياء ما ان ندخل خلف هذه الجدران والقضبان… على اية حال ستكون بيننا سنين طوال، عليك ان لا تكتسب الاعداء هنا فنحن في مخيلة بعضنا البعض ابناء جلدة واحدة…
تذكر توماس عندما سمع كلمة جلدة واحدة… ابتعد قليلا وقد اخذ مكان شبه ناء… امسك بجلده قائلا: عليك اللعنة لولاك لما كنت هنا في هذه الباحة من الحيوانات البشرية… إنني اشعر بالخوف فرائصي تكاد تخونني واسقط باكيا طالبا الرحمة….
كف عن الهراء يا وجه الشؤم، ما كنت اظنك ستعيش اللحظة كنت اعول على ان يحكموا عليك بالاعدام حتى لا أضطر أن اعيش المأساة معك مرتين… ها أنا مرغم على ان ابقيك تحت جلدي لا نفع منك ولا ضرر… سأقلب لك الموازين سأعيد لك الحياة شرط ان تواكبني اللحظة…
سافعل اقسم اني سأفعل فقط اخرجني من هذا المكان…
في اليوم التالي وهو في زنزانته جاء الحارس مناديا عليه مالون لقد افرج عنك لقد امسكوا القاتل الحقيقي يا لك من مسخ محظوظ… لا ادري كيف اصف شعوري وانا أخرج من بوابة صرير مفاصلها يصرخ عويلا على خروج كأنه يترحم علي… لم يعي أني أريد الحياة حتى ولو بوجه مسخ كان هناك العديد من وسائل الاعلام التي تنتظرني وتسألني عن شعوري بالخروج… وهل سأكمل الفيلم بعد ان بت دون ان ارغب مشهورا من خلال ترويج وجهِ دعاية للفيلم… كنت قد رغبت الحديث لكن شيء ما يدفع بي لأن الجم لساني فلست مخولا ان ابوح بمكنون نفسي… كان جلدِ قد صدق في وعده، اخرجني الى حيث موقع التصوير الذي ضج بالترحاب بي، بادر المخرج بالاعتذار عن نكرانه لي في أزمتي وقدم لي العطاء الكثير و وعد ان يسند لي الدور في الفيلم القادم من نسخته الثانية كونه يتوقع ان هذا الجزء من الفيلم وإن كان الاول إلا انه سيحطم شباك التذاكر… طلب مني ان اقوم باللقطات الاخيرة بعد ان ابعد الشخص البديل الذي كان يقوم بدوري، شرعت كما اشار لي بالجري وراء الضحية التي كان يفترض ان امسك بها ثم اسقطها وبعد ذلك اقوم بإغتصابها بوحشية… الظلام حالك كنت قد امسكت بالضحية التي قمت بضربها كما في النص مزقت ثيابها وعمدت الى قتلها… وها انا اقوم بية الاغتصاب التي كانت عبارة عن خدعة بصرية… لم اسمع إلا صوت يصيح ابتعد ايها المسخ… ثم انهال علي بالضرب وقد سقطت مضرجا بالدم وسط تصفيق كادر التصوير… يبدو اني نحس حتى على نفسي فحتى الشهرة التي رغبت كان ثمنها الدم… في تلك اللحظة علمت ان الحياة لا تعطي إلا بقدر ما تأخذ.. ها انا الآن أصبحت شخصا آخر بعد أن غيرت جلدِ و اصبحت من اصحاب الجلود المستوردة التي كان ثمنها الدم.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي