خيري هه زار
كان في اتعس احواله , اثناء تجواله , في ضحى النهار , بين بساتين تجري خلالها الاتهار , من ملكوت رمسيس , الذي كان يترصد الحسيس , ويرقب الهمسة , ناهيكم عن الحراك واللمسة , في انفس المعارضين , بين الشباب والفارضين , كان جحا يتوقع الجحود , من ملك هيأ اللحود , لأهل الردة والرافضة , للأفكارالمحافظة , ومن شدة خشيته , كان يتعثرفي مشيته , حتى دنا من الباحة , بعدما لاقى الوقاحة , من عسس القصور , وهذا شأنهم في العصور , ثم دلف نحو الباب , وفؤاده اصبح كالرباب , يعزف بشتى الألحان , تمنى لو ادخله القدرالى الحان , ولم يلتقي بفرعون , يا رب مدني بالعون , بعدها استوقفه هامان , المرضع عامان , من ثدي الخديعة , على الصدورالخليعة , وانذره , بطشة الملوك وحذره , من مغبة التطاول , حين البحث والتناول , في مفاصل الأحداث , وذكره بالأجداث , وان يكون كثيرالسمع , وبصيغة الجمع , يبدأ الكلام , والا فلن يخرج بسلام , كما دخل اول مرة , وسلمت بيده الجرة , في يوم الزينة , عند اجتماع اهل المدينة , لكي يمنحوا الولاء , رغم الجدب والغلاء , للملك الهصور , الثاوي باعلى القصور , وربت على كتفه , مبلغا لحتفه , حين التمادي , واصبح من الأعادي , ثم قدمه الى الحاجب , ليقوم بالواجب , ويدفعه للمثول , امام ذاك الغول , وعلمه الآداب , ليس كما يفعل الاحباب , وانما كالعبيد , ان لا يأت بجديد , ثم دق ناقوس الخطر , وهطل الفزع على قلبه كالمطر , حينما هب الطوفان , ولم يبقى على الأرض نبت وشوفان , وقال لروحه لا فوت , كأنني ارى ملك الموت , خلف هذا الباب , سيرميني الى تباب , ثم سمع صوت المنادي , أدخلوا الضيف الغادي , وانفتحت المصاريع , فهل يرى المشهد المريع .
قهقه الفرعون بوجهه , واظهرما ليس من نهجه , منشرحا باردا , مبسط الجناح فاردا , وقال للبهلول أقبل , سوف اطعمك المتبل , ولا تخشى أحدا , لك الأمان اليوم وغدا , فعادت اليه السكينة , وهو في الجنبات الأمينة , من القصرالمنيف , للملك العنيف , في نظرالمجموع , ومخيف الجانب مسموع , في النواهي والأوامر , وما هذه الضحايا الطوامر , الا شهود شاخصة , أمام العين الفاحصة , على شدته , ووحشية عدته , في قمع البرايا , وبث السرايا , للبطش والترويع , والتحديث والتنويع , لهذه الوسائل , عند فض المسائل , اندفع جحا اليه , والقلق لم يزل باد عليه , وقال السمع والطاعة , للأيادي المطاعة , التي تفتك وتبطش , وتظلم الليالي وتغطش , ولكن الأزلام , عند سواري الأعلام , قالوا غيرذلك , عن فضاعة حالك , وسطوتك الشديدة , عبرالازمنة البعيدة , حتى كدنا نموت من الفرق , ونحن نعلم انك مت من الغرق , ولكن ظلك الرهيب , ومنصبك المهيب , جعلانا نقع في الشك , وباتت اسناننا تصتك , كلما جئنا على ذكرك , واستلهم الطغاة من فكرك , وافتخرالاحفاد بجدودهم , وما تجرأوا على مجاوزة حدودهم , الى يوم يبعثون , وفي حالهم يلبثون , فهلا فتحت المغاليق , يا سيد العماليق , وما هوسرك , لله درك .
قال أدنوخفيف الظل , بياني لك وللكل , انما سطوتي مصنوعة , آتية وغير ممنوعة , لكل من يرتأيها , كشرعة يبتغيها , من الحكام عبرالزمن , شريطة ان يعرفوا الثمن , انا من صنع هامان , جعلني فريد الزمان , بالحنكة والدهاء , البسني ثوب البهاء , بت اغوص في السرائر , وافرق الانجال عن الحرائر , اللائي ولدنهم , ففقدنهم , بلمح البصر , وحشدي انتصر , في باديء الأمر , مع نشوة الخمر , غيران البهجة , لم تكد تدخل المهجة , حتى فارقتها , وما عانقتها , لأن الظلم لا يدوم , ودولته لا تقوم , ولولا هامان لأتبعت موسى , وما بلغت من الأسى , حتى انقلب الدهر , علي ورماني في النهر , اشرب السم طافيا , لانني كنت غافيا , عن حقيقة الامور , وانا بداخل السور , ليس لأنني أجهلها , فما أسهلها , لكي تعرف , وتستقى وتصرف , غيران الملعون , كان يحيك الطعون , لكل لفتة من خير , ويتقدمني في السير , فامسيت لا ارى , الا الشرفي الورى , حتى غدوت ظالما , وشديدا صارما .
عندها تدخل هامان , فقال مولاي منك الأمان , انما فعلت ذلك , لتكون انت المالك , في كل الأكوان , واصطنعت لكم عنوان , لكي لا تعلوالأسافل , على اسيادها في المحافل , ولا تستنسرالبغاث , الراقدين في اللهاث , ولو دام الملك لكائن , لكان لكم في هذه المدائن , اتحسب هذا الضاحك , المخبول المماحك , قد يصدقك القول , وانت صاحب الطول , تسمع لهرائه , وتستدفأ بفرائه , ففكره مسموم , وكيده محموم , ألقمه بالدراهم , يداوي عوزه الناهم , ودعه ينطلق , ولا يصطلق , بنابه , وهو عائد الى مآبه .
فقال الساخر , باسلوبه الفاخر , في الهجو والقدح , ولا يعجبه المدح , لأرباب الفساد , وخالقوا الكساد , ألا فلتصبك اللعنة , فانها أبرطعنة , لبطانة السوء , وأسوأ النتوء , في جسد النظام , والملوك العظام , ولولا معدنك الخبيث , ودأبك الحثيث , في تحريف الحقيقة , وملازمة الفرعون كداء الشقيقة , وتسخيرثروة قارون , لمحاربة موسى وهارون , لما فني المُلْك ، وتحطم الفُلْك ، في هذه الديار , وانعدم الخَيار , عند الحادي المليك , بدواعي التمليك , للبشروالهوام , وابقاء القَوام , في نسلهم ابدا , كي يزدادوا عددا , ولا يستبقوا حُرا , بين الناس طُرا , فنزلت الغاشية , لسوء الحاشية , وحلت المصيبة , في الأوقات العصيبة , بساحتكم , ودنت من باحتكم , وجُعِلتُم عبرة ، لمن خلفكم وخبرة .
قال رمسيس , لهامان الخسيس , لقد زدت الطين بلة , ولا داويت علة , ولو كانت لي رجعة , من السبات والهجعة , حيث سالف الأيام , لقرأت للخيام , كل أشعاره , وعَدَّلْتُ للولاء من اسعاره , وجعلت من الحاشية , رعاة غنم وماشية , فانهم لا يصلحون , لغيرهذا الفن ولا يفلحون , ولصرعتك بسيفي , فقد كنت لحيفي , رأس رمح ودارة , ورائحة فساد الادارة , واستسمحت من الناس , مَنْ تجرع مرالكاس , ولقَلَّبْتُ الموازين , كي تشعرالبزازين , أَنْ ليس في كل طبخة , لهم حصة وسبخة , ولنصحت الحكام , قبل ان يصبحوا ركام , أن يعدلوا , ويبذلوا , كل المال , لصاحب المال , الذي هوالشعب , ذا المراس الصعب , اذا ما ظُلِمْ ، وحيفه عُلِمْ ، ويجهدوا في الانتقاء , اذا ما راموا الارتقاء , للحواشي والازلام , ورعاية الأقلام , المبدعة , وغيرالمرقعة , التي تكتب في النور , ولا تماحك الديجور , ولا تهادن , رديء المعادن , من النفوس , وتطرزالكؤوس , كالخدم , تداس بالقدم , لا ينبغي للحاكم , ان يصبح ملاكم , فقوته في عدله , وبقاءه في بذله , والا سيمسي عورة , وتجرفه الثورة , للمغلوبين , ويغدومن المطلوبين .
فرد جحا على الفور , وبعد ان جاءه الدور , لكتابة الختام , سيدي اراك قد بلغت الفطام , وحكمتك غالبة , في اجوائنا السالبة , لكنهم لا يسمعون , لكونهم ينعمون , في اللذة السامدة , والنفوس خامدة , فمن اذن للفقير , خافت النبروالعقير , غيرساقي الموت , يقطع عنكم الصوت , ويرميكم الى الجحيم , مثوى كل لئيم , فما أحب حاكم قوما , عبرالدهريوما , الا ليكونوا , عبيدا لا يخونوا , في شرقنا التعيس , حيث يُبَجّل الرئيس , ويُعطى من الحقوق , لكسرالاعناق والسوق , لكل حي رافض , لمنهجه المناقض , للعروة الوثقى , والعدل المنقى , من شوائب الاذلال , والتنصل والاخلال , وهذا قدرنا , ذلنا وكدرنا , وضعفنا مرهون , بجبروتهم يا فرعون , لا يعتلي الحاكم عرشه , ويداري كرشه , الا ويتعهد , ان يبقى حتى تتجعد , خدوده , ويمد حدوده , او يموت بالنحر , ويرمى الى البحر , جثة هامدة , بالايادي الصامدة , كما اصبحتم انتم , ومن المنون ذقتم , قد يئسنا من حالنا , ومن سوء مآلنا .
خرج البهلول , بعد ان تاه عن الحلول , وشكرالفرعون على النصيحة , بلغة فصيحة , لحكام هذا الزمان , ومرق من بين يديه بامان .
والسلام ختام