أعربت تركيا عن قلقها الشديد لما جرى في تونس منذ أسبوعين، لما يشكله عمليًا من إطاحة بحليفها البارز هناك راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الاخوانية، ولتأثير ذلك على تدخلاتها ومصالحها في المنطقة.
تذهب بعض التحليلات إلى أن تركيا تدفع لتغطية موقفها الحقيقي من أحداث تونس، وإظهار نفسها كطرف حيادي ايجابي.
في المقابل ثمة من يرى أن الموقف الدولي الإيجابي مع قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد شكّل هزة للتفكير التركي تجاه تونس لاعتبار ما جرى في تونس أمرًا داخليًا محضًا، ومطالبًا بالحوار بين مختلف القوى التونسية، لتثبيت الاستقرار السياسي والمجتمع في البلاد، كذلك فإن تركيا تستشعر فداحة ما أقدمت عليه في نماذج سابقة، من سياسات تداخلية في الشؤون السياسية للدول الأخرى، وهي تسعى لأن تظهر ليونة في موقفها، ولو ظاهرًا لتتجنب أي حرج مستقبلي ينتج عن تراجعها تحت ضغط الواقع، هذا ما ذكره موقع سكاي نيوز عربية.
كانت تونس واحدة من أوضح النماذج للتدخل التركي، وذلك للعلاقة الشخصية التي كانت تجمع أردوغان بالغنوشي، اللذين يقدمان نفسيهما على أنهما «معتدلان»، وهما في الحقيقة شريكان في مشروع الهيمنة الناعمة على مؤسسات الدولة.
لعشر سنوات كانت حركة النهضة بمنزلة ذراع تركيا تتدخل فيها داخل تونس سياسيًا واقتصاديًا، فقد أغرقت تركيا الاقتصاد التونسي بمجموعة من القروض والديون عن طريق صناديق التنمية التي تسمح لها بالسيطرة على هذا البلد.
كانت الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تقول إنه منذ العام 2011 صارت تونس تستورد أكثر من 90 مادة جديدة من تركيا، فضلاً عن تضاعف حجم الصادرات التركية عدة مرات خلال هذه السنوات، من 200 مليون دولار خلال العام 2010، إلى أكثر من 4 مليارات دولار خلال العام 2019.
وتستورد تونس 94 بالمئة من هذا التبادل التجاري، بينما لا تصدر إلا 4 بالمئة إلى تركيا.
وزاد التدخل التركي في الشؤون التونسية بوتيرة استثنائية عقب ثورة 30 يونيو في مصر، حينما أطاحت الاحتجاجات العارمة بنظام الاخوان.
ومن أبرز أدوات التدخل التركي حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، الذي يعتبر نفسه «زعيمًا وراعيًا» للتنظيمات الاخوانية في المنطقة.
وعلى صعيد سيناريوات الاخوان لتفادي السقوط النهائي في تونس، حذَّر القيادي الليبي المنشق عن تنظيم الاخوان الدولي صلاح حداد، من سيناريوهات قد يلجأ لها التنظيم في تونس بمساندة قيادات في ليبيا لبث الفوضى في البلدين بعد تلقيه ضربة موجعة في تونس، ليحمي «خطة التمكين 2028» التي تشرف عليها تركيا، وتهدف للسيطرة على شمال افريقيا، وتحويل طرابلس عاصمة لـ«الدولة الاخوانية» أو ما تروج له تركيا بحلم «الخلافة العثمانية» في تلك المنطقة.
وسادت حالة من الخوف والاستنفار داخل صفوف الاخوان في الساعات الأخيرة، حيث أكدت مصادر أن قيادات التنظيم بليبيا في اجتماعات مستمرة منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد مجلس النواب ذي الأغلبية الاخوانية ورفع الحصانة عن اعضائه، وان الاخواني خالد المشيري، رئيس ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، تواصل مع قيادات اخوانية في تونس وعرض عليهم تقديم الدعم.
وتعرضت فروع التنظيم على مدار السبع سنوات الماضية إلى ضربات ثقيلة متتالية أطاحت بتواجده في مصر (ثورة 2013) وليبيا (خسارته انتخابات البرلمان 2014) والسودان (ثورة 2019) وأتت تونس مؤخرًا لتقطع أوصاله في دول شمال افريقيا.
وتعليقًا على «خطة تمكين 2088» يكشف القيادي المنشق صلاح الحداد عن الخطوات المتوقع أن يقوم بها التنظيم في تونس وليبيا لتقليل خسائره، ولو بالعمل المسلح مثلما فعل في ليبيا سنة 2014.
فيقول إن «التنظيم أعد سريعًا سيناريوهات للأيام المقبلة في تونس، وهي أيام ستكون صعبة إذا لم يتم التعامل معها بشكل حاسم».
وأضاف: «باعتبار أن تونس لوجستيًا تعتبر الحصن الأخير للاخوان والتنظيم العالمي في شمال افريقيا، فإنه في إطار خطة التمكين 2028 التي أعدها الاخوان للسيطرة على دول عربية فإنه من المؤكد سيلجأ للعنف بأقصى درجاته معللاً ذلك بأنه كلما ضاق عليهم الخناق لجأوا إلى الإرهاب».
وخطة التمكين 2028 وضعها التنظيم الدولي والرئيس التركي أردوغان منذ 2006 وتقضي بالسطو على بلاد شمال افريقيا وتحويل طرابلس إلى عاصمة للدولة الاخوانية (الخلافة العثمانية الجديدة) في هذه المنطقة، استغلالاً لضعف الجيش الليبي، والطبيعة القبلية للسكان قليلي العدد، وطول حدود ليبيا وضعف السيطرة عليها، والموقع الاستراتيجي الممتاز، إضافة لكثرة ثروات البلاد.
وبعد أن غرس أردوغان أقدام الجيش التركي والمرتزقة التابعة له في الأراضي الليبية وسيطرتهم على غرب البلاد كشف في سنة 2018 بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ90 لتأسيس «الاخوان» انه يعتزم الاحتفال بمئوية التنظيم في طرابلس أي بحلول 2028.
هذا ما يفسر سبب الحشد الدائم الذي تقوم به تركيا لشحن ليبيا منذ 2011 بميليشياتها تمهيدًا لتحقيق هذا المشروع، الذي به تمتلك تركيا قاعدة لابتزاز الدول الأوروبية الواقعة قبالة ليبيا شمال البحر المتوسط، ودول القارة الافريقية جميعها، بل والمجتمع الدولي بأكمله، وتنفيذ حلمها بعمل امبراطورية عثمانية جديدة.
وضمن سيناريوهات حماية خطوة التمكين هذه فإن التنظيم سيستنفر كافة كوادره العاملة في الداخل والخارج، بما في ذلك أجهزة التنظيم العالمي المختلفة لشن حملات إعلامية إلكترونية شعواء على الرئاسة في تونس وكل من يصطف معها.
ولفت الاخواني المنشق الحداد (انضم للتنظيم الدولي 1990 وانشق عنه في 2002) إلى أن التنظيم ايضًا سيشرع في تلفيق الأكاذيب الإعلامية لتهيج الجماهير واستعطاف الرأي العام من خلال قنواتهم الفضائية المحلية والأقليمية.
كذلك سيستعين بأجهزة المخابرات العالمية الصديقة له للضغط على الرئاسة التونسية من أجل إيجاد مخارج سياسية ودبلوماسية.
وعن تأثير الأحداث في تونس على ليبيا لفت أحد المحللين السياسيين إلى أن إقصاء الاخوان في تونس بلا شك سيلقي بظلاله على ليبيا، وسيجعل الاخوان فيها «أكثر عدوانية».
بعد قيام الثورة المصرية التي أقصت التنظيم عن الحكم في 2013 انقلب التنظيم في ليبيا على نتائج الانتخابات التي خسروها نتيجة رفض معظم الليبيين انتخابهم، وأصابهم الذعر من الفشل التام، لدرجة انهم حركوا حربًا (عملية فجر ليبيا) أتت على الأخضر واليابس في غرب ليبيا.
إن ليبيا الآن أصبحت الأمل الوحيد لتنظيم الاخوان لدعم تونس من أجل البقاء وتصحيح الوضع، وأن يكتمل التخطيط المعلن من تركيا بأن تصبح طرابلس الليبية عاصمة للتنظيم في شمال افريقيا، وفق المشروع التركي!