تهافت الأدباء والنقاد :
حمود ولد سليمان
“غيم الصحراء”
1/
قبل سنوات .وكانت الصحافة الورقية هي الرائجة آنذاك ولم تكن الإلكترونية قد أكتسحت الساحات الثقافية كما اليوم
كنت أواظب علي شراء صحيفة عربية لاأريد أن أذكر اسمها والبلد الذي تصدر فيه .لدواعي أخلاقية. ولم يكن يعنيني من هذه الصحيفة سوي صفحتها الثقافية .وقد تابعت فيها مقالات شيقة وكانت عبارة عن ردود واتهامات ومعارك حامية الوطيس بين كاتبين عربين أعترف لهما ببعض الفضل علي .
إذ أستطيع أن أقول أنهما ساهما مع كتاب آخرين في تكويني وصقل وعيي الأدبي
كلا الكاتبين يزعم أن صاحبه سرق منه عنوان روايته .وتحولت هذه الدراما إلي مادة أدبية دسمة ونافذة واسعة من خلالها
تعرفت علي مكنونات الكاتبين ورؤيتهما للإبداع ونمط تفكيرهما الأدبي .كلا الكاتبين اعرفهما معرفة شخصيىة
.أحدهما منفتح جدا واسع الثقافة ومتحرر نوعا ما وغزير الإنتاج والآخر شيوعي مرح وقومي محب للتراث .كلما فكرت
. أن أكتب عن تلك المعركة وخفاياها التي أعرف بعضها وبعضا من مثيلاتها الكثيرة .لاتطاوعني نفسي وأعدل عنها إذالكتابة عن مثل هذه الأشياء في نظري مجلبة للأحقاد وليست ذات فائدة .ثم إن أحد الكاتبين قد أفضي إلي ربه رحمة الله عليه ولم يعد من المناسب ذكر ذالك الحديث .
معركة العناوين تلك في نظري تجسيد حي ودليل ساطع يعكس أوهام الأدباء الكثيرة وصراعاتهم علي الريادة والتفرد وحب المنصب وهي متأصلة في الفكر الأدبي العربي وقلما يخلص كاتب من هفواتها أو ينجو من عثراتها .
وعادة مايتم توصيفها بأنها داخلة في باب السرقات الأدبية التي تناولها النقاد القدماء والمعروفة .دون النظر إلي زاوية توارد الخواطر والأخذ بمعاذير المتنبي أن الشعر “الأدب “جادة قديقع فيها الحافر علي الحافر وأنها خاصية ليست خاصة بالأدب العربي وانما تنسحب علي الإبداع في جميع الثقافات .
مع أن المسألة لا تسلم دائما من الإعتبارات الإيديولوجية وعوامل الحسد والغيرة والتنافس بين الأدباء. علي الشهرة والمنصب والمال .
بعض الأدباء يري في عناوين كتبه وأفكاره و لغته مناطق محمية محررة لاينبغي لأي كاتب أن يرتادها أو يأخذ من خيراتها .ناسيا أو
متناسيا أن الإبداع ركام معرفي ولايمكن أن يتأتي لأحد دون أن يقرأ تجارب من سبقوه أو الذين في عصره.و أن الخليقة
جمعا تكتب نصا واحد كما قال جيرار جنت
من الغريب في هذا السياق أن بعضهم وصل به الأمر إلي حد بعيد من السخافة فصار يري كل “طوق الياسمين “له علاقة بكتابات الكاتب الكبير واسيني الأعرج وعوالمه بدليل أن له كتاب بهذا العنوان .والأغرب من ذالك أن تجد الناقد يصر علي التأثير والتأثر بالكاتب ويسقط نظريته راسما التقاطعات بين الكاتبين .في الوقت الذي قد يكون فيه اشتراك الكاتبين في العناوين مجرد توافق ومحض صدفة وليس بالضرورة أن يكون
نتجة تأثر بالكاتب .
وبعضهم يشتط كثيرا حتي إنه يعيب علي الكاتب إستخدامه لمفردة استخدمها من قبله متناسيا أن اللغة ملك للجميع وكل كاتب تنتسج في أسلوبه ولغته آلاف الأساليب والكلمات بوعي منه ودون وعي .وليس من عيب أوسرقة في ذالك
2/ النقد اليوم في كثير منه أصبح سلطة لها مافيات واغراءات . تمارس القمع الفكري علي الكاتب وتسعي لتكميمه وتحطيم معنوياته .وتساهم في تأسيس وتكربس الرداءة
لم يعد النقد تجربة وخبرة وممارسة وتفكير في العمل الأدبي كما كان مع الرواد مارون عبود في مختبره وطه حسين في الشعر الجاهلي ونعيمة في غرباله وغيرهم .وطبعا هناك نقاد متميزون لكنهم يشكلون حالات استثناء . رغم اختلاف مدارسهم ومنطلقاتهم مثل
.عبد الله الغذامي .وجابر عصفور .وعبد السلام المسدي . عبد العزيز حمودة .عبد الملك مرتاض .سعيد يقطين وحسين سرمك .وحاتم الصكر .وصلاح فضل. محمد مفتاح .وغيرهم لكن الغالبية العظمي من النقاد اليوم لاعلاقة لها بالنقد
ومعظمها باحثين أكاديمين لصقت بهم تسمية نقاد أكاديميون
لذالك ليس غريبا أن نري ارتحالات هنا وهناك وتخبطا في الممارسة النقدية .وليس عجيبا أن نري تقديما للكتب الأدبية من غير متخصصين وأن يشيع “النقد المقدماتي ” كنوع من النقد الموارب من قبل اشخاص يقحمون أنفسهم في أشياء ليست من اختصاصهم جريا وراء الشهرة او استجابة لصداقة اورابطة قرابة أو شيء آخر .فتجد طبيب بيطري يحدثك في أدق جزيئات الفنيات السردية أو تاريخ ظهور الأجناس الأدبية .
فتحار. طبعا ليس لأحد أن يحجر علي أحد في المعارف .لكن إحترام التخصص مطلوب في كل شيء .واكثر ما يحرك هؤلاء النقاد هو المجاملات والبحث عن الشهرة وليقال عنهم موسوعيون
من النقاد من يصاب بالغرور فيري نفسه عالما بكل فن وفوق كل اعتبار وليس لأحد أن يناقشه .أو يعترض عليه .
ويسعي جاهدا لتوظيف ترسانة من المناهج المعلبة والمنتهية الصلاحية علي كل مكتوب .حتي وان لم يكن المنهج يصلح فيلجأ إلي التكييف القسري .ولايفكر أويأخذ بالسياقات الثقافية التي انتجت هذا المنهج أو ذاك .
وهو نفس الغرور الذي يصيب بعض الأدباء بوهم الخلود والعبقرية حتي تنتفخ أوداجهم . وعندما يسألك أحدهم إن
كنت قرأت له فإن قلت له .إنك لم تقرأ له
ينظرك بنظرة شزراء وعلي شفتيه ابتسامة صفراء ويغمغم في نفسه : كأنه يقول لك أنت جاهل ؟لأنك لم تقرأني !
تهافت الأدباء كثير ولمن يريد أن يقف عليه أكثر أن يراقب ما تعج به وسائل التواصل الإجتماعي من زيف وخداع .الكاتب الذي لاتمطره صباحا ومساءا بالإعجابات والإطراءات سيرميك أولا بالجهل وضيق الأفق وقد يهجوك وبعدها سيحذفك من قائمة أصدقائه نهائيا .وعليه فحذار
.إن سألك كاتب عربي عن كتبه ان تقول له انك لم تقرأها .وحذاري أيضا أن تقول لناقد أن منهجه معقد أكثر من اللازم وأن تطبيقاته علي النصوص غير موفقة .أو أنه قديم أويدعي في العلم فلسفة .كل ذالك سيجعله يستشيط غضبا
وسيرميك بالجهل المطلق .
************
بعض الأدباء لايقيم وزنا للغة /يكسرها ويشوهها .ويعتقد أن ذالك تحررا .وينسي أن للغة قواعد تواضع عليها أهلها ولها تاريخ
وأنه لم يخلقها .وانها عاشت قبله بآلاف السنين .يتجاهل كل ذالك فلا يتعدي ما يكتب لحظته تلك .ثم يطمره النسيان وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء وثنيون ومتواطؤون ضد الله وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يلاحقه الفشل الذريع في كل حياته لذالك تعود أن يسب الخالق العظيم وكذالك بعض النقاد .
بعض الأدباء لا يخلص حياته لما يكتب وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يخفي ذاته أكثر من اللازم عندما يكتب وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يظهر ذاته اكثر من اللازم وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء ياكل كما تأكل الأنعام .ولايعنيه الوجود في شيء
وكذالك بعض النقاد.
بعض الأدباء يحب الحرية ويدعو للعبودية فيما يكتب وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يؤله ذاته وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء لايشبع من التفكير المتحرر واجترار الذات
وبعض النقاد لايمل من التجريد البعيد واللف والدوران
بعض الأدباء يعمد إلي التعقيد المبتذل وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء لايعيش لفكرة ولامبدأ وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء مهووس بالشهرة وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يحب المال حبا جما وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء مغرور بالإثم وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء كارثة علي الأمم وكذلك بعض النقاد
بعض الأدباء لايعرف غير النفاق فيما يكتب وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء لايعرف غير الكذب والخداع فيما يكتب وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يبيع شرفه كل يوم مقابل المال وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء يسرق ويظل يسرق ويسرق حتي آخر لحظة في حياته وكذالك بعض النقاد
بعض الأدباء وما أكثرهم ليس له من صفة الأدب شيء وكذالك بعض النقاد .