في الرابعة عصراً توجهتُ الى بيت حمكو مشياً ، وكان بإنتظاري جاهزاً … أخذنا تكسي وقُلتُ لهُ مقدَماً بأن الأجرة عليهِ في الذهاب وعليّ في العودة . قٌلتُ للسائق : إلى السوق رجاءاً . قال : أعتقد ان السوق في مركز المدينة مُغلَق عن آخرهِ . قلتُ مُصطنعاً الدهشة : خيراً ، هل هنالك منع تجّوُل ؟ قال مبتسماً : كلا .. ان الحكومة قامتْ بِرَش منطقة السوق كلها بالمعقمات من أجل الوقاية من كورونا وطلبتْ من أصحاب الدكاكين غلق محلاتهم مُسبَقاً ! . قالَ حمكو مخاطِباً السائق وكنا قد وصلنا الى منتصف الطريق : هل تعتقد ان هذا هو السبب الحقيقي ؟ أجابَ ضاحِكاً : طبعاً لا … السبب هو منع التجمُع والتظاهُر وإفشال المظاهرة المزمَع أنطلاقها بعد قليل .
وصلنا الى الجسر المقابل لفندق سولاف ، وكان الطريق المؤدي الى شارع المحافظة وبارك نوروز ، مُغلَقاً تماماً بسيارتَين للشرطة ، فإستدار السائق وتوجهنا الى الشارع الشمالي المتجه نحو جسر نوهدرا ، فكان مسدوداً أيضاً بعدة سيارات للشرطة والأسايش .. فطلبتُ منه الوقوف ودفَعَ حمكو الأجرة ونزلنا .
توجهنا مشياً نحو شارع الأطباء ودولار سنتر ، حيث المحلات كلها مُغلَقة وأعداد كبيرة من الشرطة والمرور ومكافحة الشغب والأسايش منتشرة وفي حالة تأهُب .. إنحرفنا بإتجاه شارع الأطباء القديم ، فأوقَفَنا مدني وسألَنا بلهجةٍ جافة : إلى أين تذهبون : قُلت : الى الصيدلية هناك لشراء أدوية . قال : كل الصيدليات هنا مغلقة ، إرجَعوا . فإمتثلنا لأمره . توجهنا نحو جسر نوهدرا على أمل ان يقودنا نزولاً الى بارك نوروز حتى نرى عن كثب ، هل نجح البعض للوصول الى هناك فعلاً وماذا يجري بالضبط لاسيما وأن الساعة تشير الى الخامسة تقريباً … لكن الشارع كان مُغلَقاً بالكامل والقوات متوزعة ومتأهبة ! . عُدنا مشياً وتوجهنا الى شارع المستشفى القديم وأخذنا تكسي عائدين الى منازلنا بِخُفَي حنين مُحّمَلَين بالخيبة ! .
قالَ لي حمكو : ان منطقتنا فيها الكثير من البعوض … ما رأيك أن أنشر الليلة في الفيسبوك ، بأن مظاهرة سوف تنطلق غداً .. فتُسارع الحكومة إلى رَش المبيدات وتعقيم المنطقة وتطهيرها ؟! ولما لم أرُد عليهِ ، إستطرَدَ قائلاً : هل رأيتَ كَم قَوى الأمن والشرطة بمختلَف أنواعهم وصنوفهم ، متوزعين في جميع شوارع مركز المدينة ؟ وكأنهم يتوقعون عدواناً مُرتقَباً او هجوماً غاشماً ؟ عجيب غريب … مُجرد إعلان عن نية خروج مظاهرة مُطالِبة بحقوق ورواتب وإصلاحات حقيقية ، أدتْ إلى هذا النفير والإستعداد والتأهُب ؟! .
لم أرُد على حمكو .. حيثُ كُنتُ حزيناً ومُكتئِباً مما رأيتهُ في مركز المدينة