تضامناً مع أصحاب الكأس وحرية الاختيار والعمل
قبل أيام تمّ الإعلان عن موعد الاعتصام والتظاهر من قبل مجموعة من العاملين في مجالات اقتصادية تشمل البارات والحانات التي تقدم المشروبات الكحولية للزبائن.. وعددها رسمياً يفوق الـ 250 باراً ومتجراً في بغداد.. وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها مباشرة منهم سنة 2017 اثناء وجودي في بغداد..
اليوم 29/1/2021 سيقوم عدد من أصحاب هذه المتاجر بالتظاهر في بغداد للمطالبة بحمايتهم وعدم منعهم من فتح المحلات.. والموضوع لا يتعلق بمقتضيات وإجراءات الكورونا وما تسببه من موت ومخاطر على المجتمع والناس في عموم العالم.. كما هو واضح لنا.. ونحن نتابع مخاطر انتقال وانتشار هذا الوباء يوماً بعد آخر.
بقدر ما له علاقة بسلوك مجموعات دينية تتحكم بالسلطة في العراق.. ما زالت تعتقد انّ من أولى مهامها ـ في هذا العصر ـ فرض معتقداتها الدينية على المجتمع.. واسلمته عبر النهي عن المنكر.. وإنها مكلفة من الله بفرض شرائعه وقوانينه.. وحددت البارات واصحابها.. ومن يتردد عليها.. كهدف ينبغي مهاجمتهم وملاحقتهم.. ومنعهم من العمل.. وهو اجراء يتنافى ويتناقض مع مفاهيم الحرية.. وحق الانسان في الاختيار والعمل والتمتع بملذات الحياة..
متناسية المصائب وحالة الخراب التي تعم في البلد من أقصاه الى اقصاه بسبب الفشل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى الأخلاقي.. وسقوط الفئة الفاسدة المتحكمة بأوضاع العراق المنحدرة من أوساط الدين الى أسفل السافلين..
هؤلاء السراق والحرامية من لصوص السلطة.. الذين يحللون لأنفسهم ما لذّ وطاب.. ويحرصون على الحصول على المشروبات الكحولية بشتى الطرق.. ويفرضون الإتاوات على اصحاب المحلات ويتقاسمون معهم الأرباح طيلة السنوات الماضية بلا خجل..
اخذوا ينقلبون على الاتفاقات السرية التي كانت تضمن للباعة حق العمل وتوفر للآلاف من أبناء بغداد الفرص للحصول على قنينة بيرة او كأس عرق او جرعة ويسكي تخفف من احزانهم وسط هذا الخراب والتوتر والانحدار الذي يعم العراق يوماً بعد آخر.. وبات يقترب من حالة الانهيار الشاملة.. بسبب عدم المقدرة على توفير الحد الدنى من الرواتب والفشل الأمني.. ناهيك عن مخاطر انتشار الأوبئة ـ ولا اتحدث هنا عن الكورونا وحدها ـ واقصد بها وباء الدين.. بمفاهيمه الراهنة.. التي تجعل من بطل العرق والخمر وبقية مشتقات الكحول مشكلة المشاكل.. وتجند قوات الأمن وتوجهها لمراقبة المحلات ومنع الزبائن من الوصول اليها.. وتزجهم يومياً في الأماكن والواجهات على شكل فرق ومجموعات حراسة ليل نهار..
كأن المعركة الكبرى للعراقيين اليوم وفي هذه الأوقات العصيبة.. هي مع بطل العرق وقنينة الويسكي او علبة البيرة.. ليخلوا الجو للفساد والحرامية لسرقة المال العام ويعبد الطريق للإرهابيين للنفوذ الى قلب العاصمة وتنفيذ تفجيرات متكررة وقاتلة تزهق أرواح العشرات من الأبرياء في كل مرة..
والمهزلة.. كل المهزلة.. وسط شعارات ومواعيد وبرامج فضائية.. تتحدث عن الانتخابات.. كأننا في أرقي دولة تمارس فيها الديمقراطية.. وتبيح أوسع مجال للحرية.. وخالية من العطالة.. ولا توجد فيها مظاهرات واعتصامات.. بسبب انعدام الخدمات.. وتدهور الأوضاع الأمنية.. وانتشار الفساد والعنف المستشري في كافة اصقاع البلد.. الذي ما زال فيه الناس يلجؤون للتحكيم العشائري.. وطب المشعوذين ويعانون من شتى الأمراض.. ناهيك عن الجوع والفقر.. وانعدام فرص العمل.. وتلوث البيئة.. ووو نستطيع ان نعدد الكثير الكثير مما له صلة بهذا الخراب الذي لا تراه عيون أصحاب السلطة او لا تريد ان تراه.. بسبب الحول الذي تحدث عنه الدكتور قاسم حسين صالح في أكثر من مقال وبحث علمي في موقع الحوار المتمدن.. والمشكلة الكبرى من جراء بطل العرق في هذا الوجود الكافر والملحد الذي يفتقد للأخلاق ويمنع المواطنين من تقديم فروض الطاعة والخنوع للـ الإله الذي بات مصيره مرتبطاً وعرشه مهدداً ومهتزاً بسبب جرعة خمر يتناولها بغدادي عاشق للحرية في زمن الاستبداد الديني..
إنّ هذا السلوك العدواني مع الباعة.. وإجراءات غلق المحلات التي تقدم المشروبات للناس.. هو اعتداء على الحريات العامة يتنافى مع حرية الانسان في الاختيار والعمل.. لا يجوز ان يمارس في هذا العصر من قبل اية مجموعة تعتقد انها مكلفة بتطبيق شرائع الله.. وتوجه من قبل فئة فاسدة ومدانة بالسرقات ونهب المال والفشل الاجتماعي والسقوط الأخلاقي في هذا الزمن المنحط..
وللمزيد من المعلومات ومعرفة بقية التفاصيل اتصلت بصديق يعمل في هذا المجال.. وقال لي في رده المختصر..
(للأسف انهم لا يعطون لنا المعلومات عن أسباب هذه الإجراءات.. ومن جهة بعض عناصر السياحة يأخذون اجورهم الأسبوعية منا كالمعتاد.. ويقولون لنا: افتحوا “بالصنطة” وعندما يأتيهم الامر من وزارة الداخلية.. يأتون الى القاعات دون ان يعلمونا بمجيئهم ويخرجون الزبائن دون ان يدفعوا الحساب ويأخذون أحد من العاملين في القاعة سواءً كان صاحب القاعة او عاملا فيها.. المهم يأخذون واحداً من المتواجدين لكي يثبتوا انهم أغلقوا القاعة او البار..
وكانوا في السابق يأخذونا الى مركز محلي.. الآن يأخذونا الى دائرة الاستخبارات العامة للإرهاب وعندما نسألهم ماذا تريدون؟.. لا أحد يجيب او يعرف الجواب..
بالأمس سألت أحدهم.:
ما هو الوضع؟ وكيف ننتهي من هذه المهزلة؟
قال لي بألم:
عندما كنا نقبض على الارهابين من الدواعش كان الأمر سهلاً علينا بالرغم من خطورة الموضوع.. أما اليوم فإن الأمر أصعب لنا لأننا نواجه مخاطر أكبر.. الأوضاع تغيرت..
قلت له لماذا وكيف؟ قال:
عندما نقبض على شخص في صالات القمار المهمة بالذات صالات الروليت في الأماكن المعروفة.. نخاف من الرؤوس الكبار في الدولة.. اللذين يمارسون ويعملون في مجال غسيل الاموال وتهريبها للخارج.. ولهذا السبب يخلطون الاخضر باليابس وباتوا يستهدفون محلات المشروبات ايضاً..
ويبدو ان وزير الداخلية ترك الميليشيات والارهاب والحرامية.. ويومياً ومن شهرين الشرطة الاتحادية وشرطة السياحة قد زجت في العمل والسهر ليلاً لمراقبة البارات والنوادي الليلية وملاحقة أصحابها والعاملين فيها.. من دون توضيح الأسباب والدوافع.. كل ماهناك يقول لنا:
ـ هذا امر من وزير الداخلية.. ونحن منفذون مأموراً او مجموعة مأمورين.. امام أبواب الحانات ليطردوا الزبائن.. هذا هو وضعنا من شهرين)..
لا لقمع الحريات
لا لأسلمة المجتمع
لا لدواعش الدين
لا لوزير داخلية وحكومة تنشغل ببطل العرق وتنسى مهامها في حفظ الأمن ومكافحة العنف والارهاب
الحرية للإنسان وكل ما يعزز ارتباطه الانساني بهذا الوجود..
ـــــــــــــــ
29 كانون الثاني 2021