تناقل عدد من وسائل الإعلام كلام لوزير دفاع العثمانية الجديدة خلوصي أكار أو مايسمى بوزير الدفاع التركي حيث قال “تركيا ليست قوة أجنبية في ليبيا”، وترافق هذا الكلام مع عدم أخبار الأتراك للحكومة الليبية بقدومهم كإجراء برتوكولي بين أي دولتين ذات سيادة وكرامة، والملفت أيضاً أن الوفد عرمرم وكأنهم في ولاية عثمانية ، حيث ضم إلى جنب وزير الدفاع وزير الخارجية ورئيس الإستخبارات ووزير الداخلية ورئيس هيئة الأركان ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية والمتحدث بإسم الرئاسة، والسؤال ماذا يفعل كل هؤلاء القيادات التركية الأردوغانية في ليبيا، ومع العلم أن كلام خلوصي أكار لم تكن المرة الأولى وكباقي المسؤولين أيضاً عن أن ليبيا كانت جزء من الإمبراطورية العثمانية وأن هناك ملايين الأتراك في ليبيا وأن الأمن القومي التركي والوطن الأزرق والأخوة تطلب الدخول إلى ليبيا وما إلى هنالك من حجج ومبررات وهمية ومخادعة تحاول تركيا تمريرها عبر إعطائها صيغ قانونية مع الحكومة الليبية السابقة ومحالولة تكيفها مع القانون الدولي والإتفاقيات التي تنظم العلاقة بين الدول ومنها إتفاقية فينا 1961 للعمل الدبلوماسي والعديد من الإتفاقيات الدولية.
ومن البديهي لأي إنسان عربي أو كردي في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا وتركيا و كردستان وفي الدول العربية أن يقول أن هذا المنظر العثماني الإستعلائي والموقف المعادي في مطار وقاعدة معتيقة في ليبيا، والذي يشبه في جزء الظهور منه ظهور قاسم سليماني الإيراني الذي تكرر في عدة بلدان عربية أرادت إيران إحكام قبضتها عليها، وهاهو خلوصي أكار يتكرر ظهوره في بلدان تريد تركيا إحكام قبضتها عليها، حيث كان قبل أسابيع وأشهر يتكرر ظهوره في شمالي سوريا و في العراق وتحديداَ في شماله في جنوب كردستان(إقليم كردستان العراق) حيث ظهر خلوصي اكار و دون علم وإذن الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق في القواعد والمراكز التركية العسكرية والإستخبارتية والتي تجاوزت ال40 وحتى أن وزير الداخلية التركية وبكل عدوانية تجاه العراق وسيادته، قال “سنبني قاعدة عسكرية جديدة أخرى”.
لكن لو أردنا أن نفهم دلالة وإنعكاسات المواقف التركية تلك والسياسة التي يتبناها السلطة التركية الحالية علينا ذكر عدد من النقاط:
1_ علينا التطرق للأدواة المحلية لتركيا أومرتزقتها الإنكشاريين الجدد أثناء احتلالها للمناطق الكردية والعربية وكيفية إخضاعهم لها وربطهم مصيرهم بها وخصوصاً بعض الأحزاب والعوائل الكردية في إقليم كردستان العراق وشمالي سوريا والقورجيين(الجحشك) العملاء وحركات الإسلام السياسي وحاضنتها الواسعة حركات الإخوان الإرهابية في البلدان العربية كما حصل في سوريا وليبيا والعراق وغيرها ، ومن الصحيح الإشارة إلى العديد من المواقف السلبية الباهتة التي تلتزم الصمت والمساعدة أو المشرعنة للتوغل والتدخل والاحتلال التركي، وهو ما نلاحظه الآن مع تزايد الهجمات التركية على شمالي العراق وعلى مناطق الدفاع المشروع في متينا وزاب وآفاشين وعلى شمالي سوريا في مناطق الشهباء وعين عيسى وتل تمر، حيث لم تبادر الحكومة السورية وكذلك العراقية إلى إتخاذ اي موقف جدي وفاعل و رادع للهجمات التركية أو مساعدة المدافعين والمقاومين عن شعوب المنطقة وسيادة دولها في وجه الاحتلال التركي، وهذا يرجع لأفقهم الضيقة وعقليتهم القوموية والتي لاتؤمن بالتنوع والتعدد والتقاليد الديمقراطية لثقافة المنطقة، و كما يرجع إلى عدم إعتبار أنفسهم مسؤولين عن كل المكونات في تلك الدول، وكما يسلك هذا السلوك العديد من بلدان المنطقة وتياراتها السياسية، وبذلك يقولون بأن “تركيا تحارب الكرد وحدها، ولنكن بعيدين”، رغم عدم صحة ذلك ومحاربة تركيا لكل المحيط و يقولون يمكننا الإستفادة من هذا الصراع لمصالحنا ويمكننا إخضاع الكرد وذلك بعد خوفهم بتركيا وعمليات الإبادة وبث الفتن والفرقة بينهم وبين شعوب المنطقة كما حصل ويحصل في منبج وقامشلو قبلها، ويحاولون في الكثير من المرات وبدون حياء وخجل مساعدة تركيا في إحتلال أراضيهم رغم كلامهم السلبي عن تركيا حتى وبطرق مختلفة تتنوع بين الصمت والتستر أو بالكلام والإدانات الفارغة وتسليم رسائل لسفير تركيا يرميها في أقرب سلة مهملات في بغداد أو بمساعدتها بالمعلومات والتنسيق معها أو بفتح جبهات أخرى على القوى المدافعة وإتهامهم والنيل أو التصغير من مقاومتهم حتى لا يتفاعل الشعب العربي معهم ولا تتكامل المقاومة و مع عدم توجيه أي نقد لتركيا الغازية والمحتلة، كما حصل في عفرين ويحصل الأن في مناطق في محافظات دهوك وهولير .
2_ المواقف الدولية المتماهية للقوى المركزية في النظام العالمي مع تركيا والتي تنسى كل قوانيين الامم المتحدة عندما يقوم تركيا بمحاربة الكرد وشعوب المنطقة أو عندما تتدخل تركيا في الدول العربية كموقف أمريكا والإتحاد الأوربي وروسيا والصين والتي لايهمهم إن قامت تركيا بإحتلال نصف سوريا أونصف العراق أونصف ليبيا وعملت على تشكيلات دويلات مثل قبرص فيها أو ضمتها لتركيا، وما يركزون عليه أن يتم تمرير مشاريعهم وإستراتيجياتهم في المنطقة وأن تستمر الهيمنة والنهب لمقدرات وثروات المنطقة وشعوبها. وهذا مانشاهده عندما تقوم تركيا وفي وضح النهار بعمليات الإبادة بحق الشعب الكردي في العراق وسوريا وتركيا وما تفعله في احتلال ليبيا والعمل على تمكين الاخوان فيها وعدم الخروج منها رغم الكثير من المطالبات الدولية المتشدقة دون فعل موازي ضاغط يجبر تركيا على التراجع.
3_ الأزمات التي تعصف بتركيا من الداخل وبأردوغان وحزبه العدالة والتنمية، حيث أن حكومة الرجل الواحد والباب العالي والسلطان العثماني والعلاقات المشبوهة مع داعش و جبهة النصرة والقاعدة والتعامل العسكري والأمني فقط مع المطالب والحقوق المشروعة للشعب الكردي لم يجلب سوى الأزمات المختلفة وتعميقها من الإقتصادية و السياسية والاجتماعية إلى كافة مجالات الحياة إلى أزماتها مع أغلب دول المحيط والعالم. والحكومة الحالية لا تملك أي خطة وسياسة واستراتيجية مقبولة و موفقة وممكنة للتعامل مع هذه الملفات والأزمات، بل انها ترى في ممارسة مزيد من التزمت والتفرد والإستعلاء والدكتاتورية والإبادة مخرجاً ووسيلة للتعامل مع القضايا وتبقيها على الحكم وليس البحث عن حلول جدية وشاملة كما يجب. ولعل ما تفعله تركيا ومشروعها العثماني في ليبيا وما كلام وزير العثمانية الجديدة سوى تعبير عن عدم إدراك تركيا لحقيقة دورها الوظيفي الاداتي ولرغبتها في التمدد والتوسع ومحاولة فرض وقائع جديدة وعدم احترامها لشعوب والمنطقة وإرادتها الحرة.
4_ رغبة تركيا الأردوغانية الحالية وسلطتها في إمتلاك أكبر عدد من مناطق نفوذ و أوراق للإستعمال وقت الحاجة وللمقايضة عليها في أوقات اللزوم ولاسيما هناك مواضيع ترى تركيا فيها بقائها وفنائها نتيجة ذهنيتها وعقليتها الفاشية وسلوكها المنحرف والمقلق كما القضية الكردية. حيث الملاحظ أن تركيا ولشراء صمت الدول العربية المؤثرة على توغلها الحالي في سوريا و حالياً في العراق وربما حتى ليبيا وبعض الدول، في المبادرة إلى المغازلة الكلامية اليومية للدول العربية مع عدم القيام بالخطوات المطلوبة منها وتغيير سلوكها المهدد للأمن والسلام والإستقرار في البلدان العربية والمنطقة.
5_ محاولات الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوربي في محاولات الضغط على أردوغان لإبعادة عن التعامل مع روسيا والصين وإيران مع معرفة أردوغان وعدم قدرة تركيا في العيش والعمل خارج المنظومة الغربية وحلف الناتو لأسباب كثيرة منها تتعلق بالجيواستراتيجية تركيا وبطريقة إنشاء تركيا وحالته الوظيفية وتركيبة سلطاتها والنفوذ الغربي في تركيا. ومن الممكن أن إحساس أردوغان بعدم قدرته على لعب الدور الإقليمي أو قرب إنهاء خدماته و إمكانية ظهور بدلاء عنه ، أراد إرسال انه مازال له دور إقليمي كبير لايجب أن تتجاوزه أمريكا والقوى الدولية الأخرى وعلى الجميع التفاوض معه، ولجلب الأنظار وخلط الاوراق بعث يالوفد العرمرم إلى ليبيا وفي خرق واضح للسيادة الليبية وتأكيده عبر خلوصي أكار أنهم لن يخرجوا من ليبيا وأنهم أتوا بإتفاقيات مع الحكومة الليبية. وحتى يمكننا القول أن مايحصل في هذا الأسبوع من سلوك شاذ للدولة التركية في سوريا كما ظهر في عفرين و المجزرة الأخيرة وما يحصل في الضغط و الدفع بإتجاه إقتتال كردي داخلي في باشور كردستان( إقليم كردستان العراق) وما يقوله أكار هي لأجل نفس الهدف ولقرب لقاء الرئيس الأمركي بايدن مع أردوغان ومع بوتين.
رغم وجود بعض الأدواة المحلية مع تركيا في المنطقة وعدم إدراك البعض الأخر لنوايا التركية العثمانية الجديدة والوحشية، وعدم معرفتهم أن الرداء الإسلامي التركي هو كذب ونفاق، أو محاولة التغاضي عنها من البعض، ومحاولة العمل وفق منطق المصلحة المؤقتة و عدم مواجهة الشر التركي و دفعه إلى الأخريين، مع ذلك يدرك أغلب الشعوب العربية والكردية وشعوب المنطقة والكثير من دولها والقوى السياسية والمجتمعية لخبث الدور التركي وتنسيق هذا الدور مع التدخل الإيراني والإسرائيلي والهيمنة العالمية للتحكم بالمنطقة وشعوبها ومقدراتهم. لكن المأمول والأجدى الإدراك الكامل للسياسات التركية المهددة للإستقرار والأمن وطبيعية وماهية السلطة في تركيا وحالة الصراع فيها وبين مراكز القوى فيها، كما بينت فيديوهات المافيوي سادات بكر جزء بسيط منها كتحالف للفساد والمافيا والسلطة والإغتصاب.
كماينبغي اليقين والإستوعاب والقراءة الصحيحة أن الصمت والتفاعل السلبي مع المقاومين لممارسات الإبادة للدولة التركية الفاشية في العراق وسوريا وحتى داخل تركيا وعدم رفض تلك الممارسات والسلوكيات بالشكل المؤثر والرادع، هي من سهل وشرعن وضخم الرغبة العثمانية في التمدد ومهد لدخول تركيا إلى العديد من الدول العربية ومنها ليبيا وبالطريقة المستفزة للوفد التركي ولكلام خلوصي أكار المتجاوز وإلمهين ليس فقط للدولة الليبية بل لكل الدول العربية و كل شعوب المنطقة، و ليس خطاً أن نقول أن التمدد التركي والاحتلال والسماح له بالتمدد والتطاول وإرتكاب الإبادات بحق شعوب المنطقة هو إشارات على حالة الإفلاس والتخبط والفوضى وعدم إمتلاك تركيا الرغبة والإرادة الحقيقة في التصالح وتطبيع العلاقات مع المحيط والداخل والعالم. وكل كلام الغزل فعل مفتعل لغاية الوصول لوقت ومكان وهدف ما يخدم نفس استراتيجية التدخل واحتلال دول العربية وشعوب المنطقة. وكما يقول المثل الروسي”الضيف الذي يأتي من دون دعوة ، هو حتمًا تركي ” فالدولة التركية وسلطاتها هم مجسدين لتلك المقولة وبشكل فظ ووحشي وبحالة أصبحوا يمارسون التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي على أهل المنزل وصاحب المكان كما يفعلونه مع الشعبين العربي والكردي الذين استقبلهم منذ القرن الثامن والعاشر وحتى اليوم، واليوم تمثل تركيا قوة أجنبية ومحتلة في ليبيا و العراق سوريا و جنوب شرق تركيا والعديد من دول المنطقة وبالعكس مما قاله وزير أردوغان. ويمثل شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب الكردي وقوات الدفاع الشعبي ووحدات المرأة الحرة وقوات سوريا الديمقراطية وقوات تحريرعفرين قوة مقاومة ودفاع وحماية عن المنطقة وشعوبها في وجه هذا الاحتلال التركي الفاشي ودواعشه الإرهابيين وفي وجه سلوكه وممارساته وفي الجبهة الأمامية التي ينبغي الدعم و المشاركة معهم في الدفاع وحماية أمن واستقرار وسلامة المنطقة ودولها وشعوبها ومجتمعاتها.