تركيا – ب ك ك : من يحارب من ؟
بداية لابد من القول ان الموقف الرسمي للنظام التركي ولحزب العدالة الحاكم كما هو واضح ومعلوم ليس مع حق تقرير مصير الشعب الكردي لا في تركيا ، ولافي ايران ، ولافي العراق ، ولافي سوريا ، ولايختلف في هذالمجال مع مواقف الأنظمة الحاكمة الأخرى في تلك البلدان ، وكذلك الامر مع مواقف كل من روسيا ، والولايات المتحدة الامريكية ، والنظام العربي الرسمي باعتبارها معنية بالملف السوري ، وقضايا المنطقة برمتها .
أنظمة تركيا ، وايران ، وسوريا ، والأوساط الحاكمة ببغداد عندما تتجاهل الحقوق الكردية المشروعة ، وتنفذ خطط معادية هنا وهناك ، وتتفق معظم الأحيان على الكرد بالرغم من خلافاتها البينية ، فانها تفصح بذلك عن طبيعتها اللاديموقراطية ، ونزعتها الشوفينية ، واستبدادها الشرقي ، وفشلها في انجاز مهام البناء الوطني ، وإقامة دولة العدل والقانون لكل مواطنيها ، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فانها تستمد غطرستها ، واسترخاصها لمبادئ حقوق الانسان وحق الشعوب من تقاعس المجتمع الدولي ، وتعلق الدول العظمى ، والكبرى بمصالحها الخاصة على حساب المبادئ السامية التي التزمت بها رسميا عبر مواثيق الأمم المتحدة ، ودساتيرها المعمولة بها .
حروب تركيا ضد – ب ك ك – .
منذ نحو ثلاثين عاما ، وفي ظل الحكومات التركية المتعاقبة ، يشن الجيش التركي هجماته البرية ، والجوية على مواقع – ب ك ك – في الداخل التركي وبشكل خاص في مواقعه بعدة مناطق بكردستان العراق ابرزها – قنديل – ، و – خواكورك – و – جبال كاري ومتين – و – حفتاوين – وأخيرا – سنجار – وخلال كل هذه المواجهات يعلن الجانب التركي انه يستهدف قوات – ب ك ك – كما ان السلطات الفيدرالية بالاقليم الكردستاني ومع كل الادانات ، ورفض اختراق السيادة ، والمطالبة بالتوقف ، الا انها لم تعلن يوما ان تركيا تحاربها او تستهدف شعب كردستان ، بل ترفض تصفية الحسابات على أراضيها .
وفي الجانب السوري لم يحدث ان هاجمت القوات التركية الكرد السوريين وعلى طول الحدود المشتركة بمئات الكيلومترات قبل ظهور الحزب الكردي التركي – ب ك ك – في الأراضي السورية ، ومن خلال عائلة الأسد حيث احتضنت زعيم هذا الحزب السيد – عبد الله اوجلان – منذ بداية ثمانينات القرن الماضي ، وقد شهدنا بدايات الهجمات في اعتداء مفرزة من القوات الخاصة التركية على قرية – جرنك المتاخمة للحدود قرب القامشلي – وابادة عائلة – كابرش – التي كانت تناصر الحزب الابوجي ، بالإضافة الى حوادث أخرى لم ترقى الى درجة الحرب الفعلية الشاملة كما نشهدها الان بالطائرات الحربية ، والمسيرات ، والصواريخ ، وهي بالمجمل مدانة وغير مقبولة من جميع فئات المواطنين بكل هذه المناطق ، لانها تصيب المدنيين في معظم الحالات ، وتثير الرعب ، وتنشر القلق ، وتدفع الناس الى الهجرة من ديارهم .
هل الدعوة الى المقاومة المسلحة خيار واقعي ؟
لاشك ان إرادة شعبنا صلبة ، وسيتمسك بارضه كماعهدناه منذ مئات السنين مهما كلفه ذلك ، ولكن وبمعزل عن المشاعر العفوية الصادقة المتحمسة ، فان الدعوات اللفظية الإعلامية التي يطلقها المسؤولون من أصحاب سلطة الامر الواقع بمختلف مسمياتها العسكرية ، والسياسية ، والإدارية بدعوة الشعب الى المقاومة ، وحمل السلاح وفي الوقت ذاته يعلنون فيه ان ( أمريكا باعتهم ) تلك الدولة التي ترعاهم ، وتمدهم بالدعم العسكري والمالي ،فان تلك الدعوات غير مدروسة ، بل تتسم باعلى درجات المغامرة ولكن لماذا :
أولا – ليست الا دعوات يائسة ، بل مجرد الدفع نحو الانتحار بسبب عدم التكافئ بالقوى والامكانيات ، فاذا كانت قواتهم التي كانت متمركزة في جبال – كورداغ – منطقة عفرين ، ومتحصنة في ثكنات ، ودهاليز تحت الارض ، ومزودة من نظام الأسد بمختلف أنواع الأسلحة بمافيها الثقيلة ولم تصمد امام القوة العسكرية التركية المتفوقة عدة وعددا ، فكيف يمكن الصمود في سهول الجزيرة ، ومدنها المكشوفة امام المدفعية ، والطيران ، وفي مرمى نيران القوات البرية ؟ ، فقد كانت من نتائج مغامرة عفرين تهجير السكان الأصليين وهم الكرد ، واحلال سكان المناطق السورية الأخرى من غير الكرد محلهم ، مما أدى الى تغيير التركيب الديموغرافي ، والاخلال بالتوازنات في مناطق بالغة الحساسية تعاني أصلا من السياسات العنصرية ، في بلد لم تحل فيها القضية القومية الكردية ، وزادتها تعقيدا ، فهل يراد استحضار وتطبيق نفس التجربة في المناطق الأخرى ؟ .
ثانيا – لم تتضمن الشروط التركية الأخيرة الخمسة وجوب ابتعاد الكرد عن الحدود المشتركة ، ولم تسمي أعضاء ومسؤولي أي حزب من الأحزاب الكردية السورية الخمسون او الثمانون المنضوية تحت اجنحة – ب ي د – و الانكسي – وكذلك نشطاء المجتمع المدني ، للرحيل لمسافة ٣٠ كم ، بل حددت أعضاء جماعات – ب ك ك – تحديدا ، وحتى الأسماء العشرة التي طالبت بتسليمها يرجح المراقبون انها تعود لكرد من تركيا .
ثالثا – المبالغات الكلامية لن تجدي نفعا امام الحقائق ، والوقائع ، والهروب الى الامام ليس حلا ، فهناك الان انتظار ان ينفذ مسؤولو جماعات – ب ك ك – بمسمياتها المختلفة الشروط التركية حتى لا تبدأ العمليات البرية ، والاجتياح ومن بينها الانسحاب لمسافة ( ٣٠ كم ) من طول الحدود السورية التركية المشتركة ، وهناك في الوقت ذاته مطالبات من جانب البعض من الكرد ان تكون ( ٣٠٠ كم ) أي المسافة المفترضة بين القامشلي و – قنديل – وذلك حتى لاتتكرر الهجمات ، وتعيش المنطقة بسلام .
رابعا – لو كانت الدعوة للمقاومة المسلحة ضد نظام الاستبداد الحاكم بدمشق بغية اسقاطه ، وإيجاد البديل الديموقراطي ، كما تجسدت في اهداف الثورة السورية في العامين الاولين من اندلاعها لكانت مفهومة في حينها ، اما اعلان الحرب ضد دول مجاورة فليس من شان الكرد السوريين ، ولا من وظيفتهم ، ولاتخدم مصالحهم ، واعتبار تركيا العدو الأول والوحيد بدلا من نظام الاستبداد خروج عن مبادئ الحركة الكردية السورية ، والحاق بالقضية الكردية السورية لمآرب – ب ك ك – في صراعه الشكلي مع تركيا ، وتجيير للدماء الكردية السورية لخدمة الاجندة الإقليمية .
خامسا – واذا كانت مسالة السلاح والتسليح ، وتعبئة وعسكرة المجتمع ليست من اجل حل القضية الكردية في سوريا ، والحركة الكردية السورية بالأساس ومنذ ظهورها انتهجت النضال السياسي السلمي ، وانفردت بين كل الحركات الكردية بالجوار بطريق الحوار السلمي فما حاجة الكرد السوريين الى السلاح ؟ .
سادسا– واذا كان مسؤولو – قسد – يؤكدون كل يوم ان الهدف التسليحي العسكري من اجل مواجهة داعش ، وان كل شيئ من اجل المعركة ضد أولئك الإرهابيين ، ويؤكد على ذلك التحالف الدولي ليل نهار ، حتى ان الجميع يعتبرون ان الهجمات التركية من شانها اضعاف المواجهة ، واذا كان الامر كذلك ، وبما ان المنبع الأول والاساسي لارهابيي داعش هو وسط وجنوب العراق ، والجنوب السوري في مناطق الحسكة ودير الزور ، والرقة ، واطراف البادية ، فلاحاجة لان تتحصن قوات – قسد وغيرها – في ديريك ، والقامشلي ، وعامودا ، والدرباسية ، وريف حلب ، وكوباني ، ولتتوجه جنوبا ، وتتحصن هناك ، وتزاول مهامها في محاربة – داعش – الى يوم القيامة .
وأخيرا وكما يقول المثل الدارج ( ان الرسالة تفهم من عنوانها ) ، أي ان سلطة الامر الواقع لو كانت جادة في دعوتها للمقاومة لاستجابت منذ أعوام لارادة الغالبية الشعبية ، ولوفرت شروط المقاومة الحقيقية بالاستجابة لمشروع حراك ” بزاف ” ومبادراته المتواصلة ، في التحاور ، وترتيب البيت الكردي ، وقبول إعادة بناء الأداة النضالية الوحيدة المجدية وهي الحركة السياسية الكردية السورية ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها من خلال الطرق المدنية الديموقراطية وتحديدا عبر المؤتمر الكردي السوري الجامع .