منى دوغان جمال الدين
كانت ترحال تعيش حياة بوهيمية، تروي نسائم الصباح بمخيلة تطيبت بطهر براعم مرمرية.
كانت تتجمل بشفافية طل تبعثر على وريقات زهور ثملة، تتلحف سحب افروديت وعشتروت، تتعطر بمسك روحاني لتستقر في عالم الماورائيات حيث أرواح مقدسة تعمدت بخصوبة ينابيع الحب، حيث اوتار قيثارة بحيرة البجع تدغدغ عنق ربابة العتابا والميجانا، حيث الوان الشفق القطبي بمزيجه الفاتن ينسكب بانسياب على ريشة فان غوغ وانامل الحلاج.
كانت تزهر احرفها الصباحية على وريقات مبعثرة على دروب العشاق، وتنثر بريشتها السحرية الوان الغسق وظلمة الليل على جدران السامرين، تترك مخيلتهم تحادث شغفهم للفن.
حياتها البوهيمية جعلت منها امرأة تعرف الهوى والحب والعشق لكل ما هو جميل، في البوادي والصحاري، في الجبال والسهول. كانت تعشق الحياة وترى السعادة في فرحها صباحا وتأملاتها مساء.
حياتها البوهيمية جعلت منها فنانة مميزة، مبدعة تعرف سر النجوم حينما تدغدغ بهمساتها مفاتن سماء داكنة، تعرف الياسمين والزنبق حينما يفوح عبقهما، فتنجلي القلوب ويسكر العشاق على ضفاف جداول الحب.
حياتها البوهيمية جعلت من مخيلتها حصان طروادة يغزو اعماق النفس، يتسرب خلسة إلى شفافية الروح وسحرها فتتدفق الأفكار الراقية وتنساب الالوان الزاهية كلما احتالت برقتها على محيط صاخب وطبيعة غاضبة.
حياتها البوهيمية سلبت منها كل معالم المرأة العصرية لتعيش في كنف سكون الوديان وسر الغابات بحيث أصبحت كزاهدة تشدو بصوتها الشجي تغريدات صباحية كبلبل تاه عن سربه، وتتمايل مع تسبيحات سماء خاشعة، سماء حضنت سحر الشرق لتزهو في بلاد الأندلس وطواحين الهواء وما وراء الأفق.