ترجمة الابداع بين الضرورة والمصالح الفردية
في ظل وجود قلة من الحريات النسبية ،يتمتع بها المبدعون من كتاب وشعراء وفنانون ، في عالمنا المتخلف ، يسعى بعض الكتاب الى تمكين فئات واسعة من الناس ،من الاطلاع على نتاجهم الأدبي والفني ، وان يحظى بالوصول الى الامم التي تتكلم لغات اخرى ، وتكتسب لغاتها العالمية ، لانها دول قوية استطاعت ان تترك بصماتها في احداث العالم ، وان تساهم مساهمة فعالة في سير الاحداث ، وجعل الناس متأثرين وفاعلين ،لما تقرره هي من سياسات ، يسعى المبدع العربي او الناطق بالعربية من القوميات الاخرى ، الى التعريف بنتاجه الابداعي ، لان الكاتب يتطلع الى قرائته من قبل القراء ، ورغم ما يشوب عملية الطباعة والنشر والتوزيع ، في دنيانا من متاعب كثيرة ، يعاني منها المبدعون ، الا ان قضية ترجمة ذلك الابداع ، من اللغة العربية الى اللغات الحية ، مشكلة ماثلة في اذهان الكثيرين ، الذين يتطلعون الى ان ينال ابداعهم ما يستحقه من اهتمام ، فاي الكتابات العربية تحظى بترجمتها الى اللغات الاخرى ؟ أليست المسألة خاضعة الى العلاقات الشخصية ، والرغبة في الربح التجاري السريع ، على حساب القيمة الفنية والأدبية ، التي يتمتع بها النتاج الادبي ، ومن هؤلاء الذين يحصلون على فرص كبيرة في الترجمة ؟ يمكن ان يكونوا كتابا كبارا ، استطاعوا ان يحفروا وجودهم في الصخر ، معلنين عن نجاحهم الكبير ، والذي تمكنوا من احرازه ، بعد معناة طويلة وسهر متواصل ، ودأب لايكل على قول الكلمة ، والنضال من اجل حرية الانسان ، ولكن الدارس لأحوال الترجمة في النصف الثاني من القرن العشرين ، يلاحظ بوضوح ان الاديب كان متمتعا ، بنصيب كبير من ترجمة اعماله الى اللغات الاخرى ، اكثر من نصيب ادباء اليوم ، الذين يجدون أنفسهم في معاناة طويلة ودائمة ، بين التفكير في تحقيق وسائل العيش ، وايجاد الوقت المناسب للكتابة ، والجري بين المطابع المختلفة ، للحصول على فرصة ذهبية قد لا تتوفر ، على ثمن مناسب للطباعة ، ثم الجري باقدام سريعة لاهثة ، خلف دور التوزيع ، وقد يفشل الكثير من الكتاب ، في العثور على دور تحقق الجودة في الطباعة ، وتقوم بالتوزيع ، وقد لا يفكر جل المبدعين ، بما يجدونه ضروريا لنشر ابداعهم عن طريق الترجمة ، لانها تشكل عبئا ينظر اليه الكثيرون وكأنه من الكماليات التي لا تتوفر الا للمحظوظين.
فما الكتاب الذي يتمتع بالترجمة ؟ في ظل انعدام الحريات ، والرغبة في ارضاء العالم الذي يطلق عليه وصف المتطور ، في تسويق مواقف الميوعة ، والاهتمام بالمسائل الهامشية ، ومن هم الكتاب الذين يمكن ان يحققوا للترجمة ارباحها ، بان يدفعوا لها لقاء أتعابها ، وهم ( اي الكتاب) يعانون الامرين في توفير مستلزمات العيش الكريم ، وهل استطاع الاديب المبدع باللغة العربية ، ان يجد القراء العرب لكتاباته ، قبل ان يفكر بالعثور على قراء من لغة اخرى ، قد لايحبذون كتاباته ، لانه ينطلق من وجهة نظر ، قد تكون متناقضة لما يحملون من رؤى ووجهات نظر ، أليس التخلف الذي تعاني منه جماهيرنا الشعبية ، سبب قوي لهذه الازمة الخطيرة ، كما انه نتيجة حتمية لها ؟ ، وهل عرف عن انساننا حب القراءة والاقبال عليها ، في هذا الوقت بالذات ، الذي قل الاهتمام فيه بكل امر يعتني بالوجدان الجمعي ، ويدعو الى تكوين راي عام ، تجاه القضايا المصيرية التي يجب ان يهتم بها المواطن اليوم ، ام ان عالمنا يشهد انعدام الاهتمام بالقضايا المصيرية ، في ظل الدعوة المستمرة ،كي يكون الناس كلهم على شاكلة واحدة في الفكر والعاطفة / والشكل ايضا ، ؟
فمن يمكنه ان يقوم بهذه المهمة العسيرة ، وهو نقل الحضارة العالمية الينا كي نستفيد منها ، وتعريف العالم المتمدين بما يكتبه الكتاب العرب من ابداع يستحق بعضه ان يحظى بالاهتمام ، واظن ان الشق الاول ، يتمتع بما هو جدير به من العناية ، واي الدول تسعى الى ترجمة ما تجود به اقلام مبدعيها ؟ القضية متشعبة ، وجديرة بالدراسة ، وحياتنا اليوم تشهد تراجعا ملموسا ، في مختلف الميادين يضع المثقفين امام مسؤوليات كبيرة ، الخروج من الواقع الأليم الذي نحياه ، والتفكير بطرق صائبة لهذا الخروج ، الا يكفينا ما عشناه طويلا ونحن نقلد ما يقوم به الاخرون ، ورغم ان الحضارة انسانية ، وان الامم جميعا تكون متأثرة ومؤثرة معا ، الا انه حان لنا ان نساهم في صنع ابداع جميل يحرص على جمال المعنى وروعة المبنى معا ، من اجل المساهمة في تطوير حركة الابداع وان تقوم الترجمة بما هي جديرة به من نقل روائع الكتب من اللغة العربية واليها ، وان يجد الكتاب المبدعون الاهتمام الذي يستحقون
صبيحة شبر