بقلم أليسيا لو پورتو ليفيبور*
ALESSIA LO PORTO LEFEBURE
صحيفة لوموند الفرنسية
ترجمة عادل حبه
كيف يمكن للمرء أن يفسر التقدم الملحوظ الذي حققته الصين، والتي أصبحت قوة علمية وأكاديمية وتكنولوجية عظمى، في حين أن نظامها لا يزال شمولياً، بل وأكثر سلطوية؟ وكيف يمكن أن يكون نظام حكم الحزب الواحد هناك، المطبق في الصين منذ عام 1988، وهو الغير ديمقراطي، أن يصبح في نفس الوقت مبتكراً ويعزز الانفتاح على العالم؟ اليوم أكثر ومن أي وقت مضى، وبدون معارضة النظام الحاكم، فإن تقدم الصين يعود بالكثير إلى شكل إدارة الحكم. ويشير لي جينگ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بكين وخريج جامعة هارفارد إلى: “إن الموظفين هم من ينفذون الإصلاحات ويضعون الأساس لأهداف الصين في بناء مجتمع مزدهر”.
دراسة المدراء الصينيين على الطريقة الأمريكية
يرتكز التقدم الذي أحدثته الدولة الصينية على أسس تقوم على إرث “الاشتراكية الخاصة بالصين”، الذي وضع نظّرلها في الستينيات الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ، وعلى أساس النموذج الرأسمالي للسوق والثقافة الإستهلاكية الممزوجة بالتخطيط الفعال. فعلى مدى أربعة عقود من سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الحكم، إضطرت الأجهزة الإدارية إلى التعامل مع القطاع الخاص والتأكيد باستمرار على شرعيته دون التدخل في الأمور المعقدة المتعلقة به بنحو متزايد.
إن الأجهزة الإدارية والحكومية في الصين غامضة وغير معروفة للأجانب. ويتمتع القادة رفيعو المستوى فقط ببعض الظهور الإعلامي. نحن نعلم بشكل أو بآخر أنه خلال العشرين سنة الماضية، تخرج عدة آلاف من موظفي القطاع العام الصيني من دورة MPA، التي إستنسخت مباشرة من الولايات المتحدة ومن برنامج مدرسة جون إف كينيدي العامة بجامعة هارفارد.
بدأت دورة “الخبراء الأقدم في إدارة الدولة” (MPA) في الصين في عام 1991، وشرع منذ عام 2001 في تدريس الطلاب، وهم من المهنيين الذين يتمتعون بخبرة عملية لا تقل عن ثلاث سنوات، ومعظمهم من ينحدرون من مناطق مختلفة من البلاد، إضافة إلى العاملين في المؤسسات الحكومية أو المنظمات غير الحكومية والجمعيات غير الربحية التي تعمل تحت سيطرة الحكومة. كما يتسنى لموظفي القطاع الخاص أيضاً الدراسة في هذه الدورة.
ويبدو أن اللجوء إلى الأساليب والتطبيقات التعليمية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تشكيل الثقافة المهنية للنخبة البيروقراطية الصينية يتناقض مع طموحات الحزب الشيوعي الصيني، الذي يسعى إلى توفير بديل مستقل للرأسمالية الغربية. ولكن في هذا الابتكار على الطراز الأمريكي، لم يتحول أي عضو في الحزب الشيوعي الصيني إلى حصان طروادة لتأييد القوى المطالبة بالديمقراطية. قد يؤثر هذا المسعى لإستنساخ الخبرة الأجنبية على النخبة الجديدة في الصين ويؤدي بذلك إلى الانتقال إلى نظام ديمقراطي. لكن إذا كان “ماجستير الإدارة العامة” (MPA) يعد سلاحاً سرياً بيد الإصلاحيين، فلماذا قدمت الحكومة له الدعم وشجعته بقوة؟
وتتحدد مهمة هذه الدورة، كما شرحتها جامعة تسينغهوا (بكين)، في “الاستعداد لتولي القيادة والإدارة في القطاع العام”. وهذا جزء من مبادرة مبتكرة لتحسين جودة الأداء الحكومي. ومع ذلك، وعلى عكس ما يتم في عمل مدارس الحزب الشيوعي والمدارس الإدارية، يتم اختيار المرشحين في هذه الدورة، الحاصلين على درجة البكالوريوس، بغض النظر عن عضويتهم في الحزب الشيوعي أو في التسلسل الهرمي في أجهزتهم الإدارية، أو عن طريق النجاح في امتحان التقديم للدورة.
من المثير للدهشة أن برنامج “ماجستير الإدارة العامة” (MPA) يتم تنفيذه في المؤسسات الأكاديمية التي لعبت حتى ذلك الوقت دوراً هامشياً في تعليم موظفي ومسؤولي القطاع العام. وتستثنى من ذلك المدارس الإدارية المتعلقة بالحزب الشيوعي. كل ذلك يشيرإلى أن البرامج القديمة والجديدة يمكن أن تتعايش لأنها تخدم أغراضاً مختلفة.
لقد حدثت هذه الإنعطافة في التعليم الجامعي في تسعينيات القرن الماضي، في وقت كان التخصص العلمي، وخاصة في المؤسسات ذات الشهرة العالمية، قد شاع في جميع أنحاء العالم، وخاصة في حالة الجامعات البحثية في أمريكيا الشمالية. إن هذا التطابق في المعايير والآراء يفسر جزئياً السبب في قيام الحكومة الصينية في تشجيع هذه الدورات الدراسية في الجامعات، والتي كانت تعتبر حتى ذلك الوقت محايدة وأكاديمية. بالطبع، كان بإمكان “ماجستير الإدارة العامة” أن يجعل البيروقراطية هشة بإعتبارها أفكار أجنبية، ولكن الجانب الأكاديمي فيها، على وجه الخصوص، كان يمكن أن يمنحها الشرعية المهنية اللازمة للبقاء والإستمرار.
قرن من التبادل الجامعي
كان هذا الخيار جزءاً من برنامج أوسع يهدف إلى مواكبة الانتقال إلى اقتصاد السوق في الصين من خلال تعزيز القدرات الفنية، وإستجابة لتوقعات سوق العمل المتنوع والمتطور من الناحيتين الكمية والنوعية. وهكذا، أطلقت حكومة الحزب الشيوعي الصيني موجة من توفير الشهادات المهنية المستوحاة من الولايات المتحدة وومنحت الجامعات مهمة توفيرها مثل : ماجستير إدارة التجارة (MBA) في عام 1991، ثم ماجستير الهندسة المعمارية في عام 1992، و “ماجستير في الحقوق” في عام 1996، و”ماجستير بكالوريوس في التربية والهندسة “في عام 1997″، و”ماجستير في العلوم الزراعية” في عام 1999.
و لم تستثنى إدارات الدولة من هذه الإجراءات. وتم الاتفاق بين النشطاء الفعالين في الحياة السياسية مثل (اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ، ومجلس الشؤون الحكومية ، ووزارة التربية والتعليم ، ووزارة شؤون الموظفين) على أن العضوية في الحزب لا يمكن ولا ينبغي أن تكون شرطاً ملزماً للعمل في قطاع الدولة. في ذلك الوقت، لم يبد أي عضو في الحزب الشيوعي إعتراضه على ضرورة تعليم طاقم عمل كفؤ ومحترف.
بدا تعليم إدارة الدولة، الذي طبق في عقد العشرينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة، أسلوباً ناجحاً. ولعبت هذه الدورات دوراً مهماً في الحد من القصور والفساد في إدارات الدولة، خاصة على مستوى البلديات، وتشكلت أولى مبادىء العلوم الإدارية، التي سبقت ماجستير الإدارة العامة، في عام 1914 في جامعة ميشيغان وبيركلي وستانفورد. واليوم، هناك عدة مئات من دورات “ماجستير الإدارة العامة” المختلفة التي لها هدف واحد وهو: تعزيز الرؤية حول الإدارة العامة، والتي أضحت إرثاً سياسياً تاريخياً وإسلوب ديمقراطي لضمان أسس “حكومة القانون”، والفصل بين السلطات، وضمان حرية التعبير و الحريات الأساسية الأخرى.
كيف يمكن لمثل هذا البرنامج أن يغري الحكومة الصينية؟ إن فرض النفوذ الثقافي والرمزي والمبدئي الذي تمارسه الولايات المتحدة على العالم بقوتها الجيوسياسية واللغوية والاقتصادية، ومن خلال وجودها الواسع في مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات الأكاديمية الصينية من شأنه أن يزيد من هذا التأثير. وخلال أكثر من قرن من سفر الطلاب والباحثين بين الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاستراتيجية التطوعية لجذب المواهب العلمية، سمحت للدولة الصينية بالاستفادة من الخبرة المباشرة لأعداد كبيرة منهم. فقد وافق هؤلاء الخريجون من المعاهد الأجنبية على العودة إلى البلاد، وجلبوا معهم الخبرة والمعرفة وشبكات اتصالاتهم.
في حالة خاصة تدور العجلة الوطنية للأفكار، حيث ترسخت دورة الماجستير الأمريكية في الإدارة العامة (MPA) ، بطريقة متفق عليها من قبل الجميع وفي جميع أنحاء الصين. وسافر ممثلو الأكاديميين وموظفي وزارة التعليم إلى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا في الفترة بين عامي 1990 و 1996 لدراسة أفضل الأساليب الإدارية. وقد أولو اهتماما خاصا لدراسة شؤون إدارة الدولة، وتحديداً مدرسة ماكسويل في جامعة سيراكيوز، ومدرسة جون ف. كينيدي في جامعة هارفارد، وجامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرج، وجامعة كولومبيا في نيويورك. وبعد ذلك، تمت دعوة أساتذة هذه المعاهد إلى الصين لغرض تنظيم برامج التقييم والاستشارة. وقد أتاحت هذه اللقاءات الثنائية الفرصة لفهم الأداء في الخارج وتقييم فعاليته، وتحديد العوامل التي يمكن اكتسابها وتوطينها في الصين. وفي المقابل كتب بعض أعضاء هذه الوفود ملاحظات داخلية دعوا فيها إلى أن تستخدم الصين دورة الماجستير الأمريكية في الإدارة العامة (MPA).
في عام 1999 ، وافقت الحكومة الصينية على البرنامج، ودعت أفضل الجامعات لتقديم مقترحاتها. وتم تقديم 24 اقتراحاً للبدء بهذه الدورة كجزء من برنامج تجريبي. وبدأت دورة ماجستير الإدارة العامة (MPA) في أكثر المؤسسات العلمية شهرة بما في ذلك جامعة بكين، وجامعة شينخوا، وجامعة الصين الشعبية، وجامعة فودان في شنغهاي، وهي أماكن تقليدية لتعليم النخبة، وراحت تسعى للحصول على الموارد والقدرة التنافسية بشكل أكثر وغير مسبوق على ساحة المنافسة العالمية.
وتم إنشاء المئات من هذه المدارس في كل مكان على مدى السنوات الخمس عشر التالية. وارتفع عدد دورات MPA من 24 دورة في سنة 2001 إلى 146 دورة في عام 2016، وزاد عدد الخريجين من 1055 في عام 2004، وإرتفع العدد إلى 10476 خلال العشر سنوات التالية. وإجتاز أكثر من 150000 شخص هذه الدورة. ويعد هذا الرقم صغير لو قورن بعدد موظفي الدولة الصينية البالغ 701 مليون شخص. ولكنه بالنسبة لدورة جامعية فهو رقم غير مسبوق. وقد كان هذا الارتباط التعليمي ناجحاً، واستمر نموه في الفروع وعدد المسجلين رغم عدم التشابه بين النظامين الإداريين والسياسيين في الصين والولايات المتحدة.
ويروي تشين وي، خريج جامعة هونج كونج الصينية والأستاذ في جامعة شينخوا:”لقد انجذب الطلاب إلى تجربتي الأجنبية لأن الأفكار والنتائج موجودة الآن في الكتب الغربية”. في إطار دورة MPA، كما هو الحال في الولايات المتحدة، يتم أيضاً تدريس سياسة الدولة، والنظرية التنظيمية، والعلوم الاجتماعية، والاقتصاد السياسي، وإدارة الموارد البشرية، والأساليب الكمية، والحقوق الإدارية، وإستخدام النظرية الإشتراكية واللغة الانجليزية وتنمية المناطق وإدارة المدن. ويوضح تشين وي أن:”التحدي الذي أواجهه هو كيفية جذب انتباه الطلاب. ومن أجل تحقيق ذلك، أستخدمت طريقتين: حيث قمت بتدريس الرؤى الأكثر تقدماً. وقدمت العديد من الأمثلة من واقع الحياة. هذه الأمثلة مهمة جداً، وهي مفيدة للطلبة الدراسين في دورة MPA. وأجريت محادثة مع المجموعة حول كل موضوع جديد، وأترك مناقشة الموضوع تدريجياً للطلاب، وأتحدث أن بأقل الكلمات والعبارات.”
ستكون هذه الدروس المستندة إلى محتوى وأمثلة أجنبية، عديمة الفائدة بدون دور وسيط، حيث لا يمكن استخدامها في العملية المهنية اليومية للمؤسسات الإدارية الصينية. وبدلاً من الاعتراف بالإختلاف السياسي أو الأيديولوجي، ينبغي على الأساتذة والمسؤولين الإشارة إلى الفجوة بين النظرية الغربية والممارسة المحلية. لقد أضفوا على البرنامج صبغة صينية وركزوا كثيراً على التعليم والتربية.
ولهذا السبب إدرجت الدراسات الموضوعية على نطاق واسع في جميع دورات “ماجستير الإدارة العامة”. إن هذا الأسلوب الذي يعتمد طريقة التدريس القائمة على المحاكاة والتشبيه قد نشأ في كليات الحقوق الأمريكية في أواخر عقد 1880، ثم أصبح محط اهتمام جميع كليات الإدارة في الولايات المتحدة، وأصبحت الآن تتمتع بميزة خاصة في دورات دراسات ماجستير الإدارة العامة الصينية.
إن إرساء قواعد تعليمية وتربوية لحالة ما واستخدامها في الفصل الدراسي يستلزم إتباع أساليب خاصة. وبدونها، لا يمكن تطبيق الحدث وتغطيته في دروس المحامين والقضاة وفي سياق تعليم العلوم الاجتماعية أو السياسة العامة. إن دراسة الحالة في الفصول الدراسية حول مواضيع تعتبر “حساسة”، مثل عدم المساواة الاجتماعية، والفساد والاختلاس، والمصادرات القسرية، وإعادة التوطين، والتلوث، وخصخصة مصادر الوقود، والبطالة، وعدم الاستقرار، وعدم كفاءة النظام الضريبي وما إلى ذلك. خاصة وإنه من الممكن السماح بمناقشة هذه القضايا لأنها تتعامل مع التعليم في أطر قواعد محددة سلفاً. في الصين، يحدد الموظف أو الموظفة نفسها في سياق بسيط يبدو مهيناً، تم انتقاده في الولايات المتحدة، وبذلك يفتح فضاءاً متناقضاً للحوار.
وهكذا، ففي خلال فصل دراسي في جامعة تشينهوا، طرح النموذج التالي: “إذا واجه مكتب إقليمي نزاعاً إدارياً ، فما هو الخيار الذي يجب يولي المكتب له الأولوية: تجنب الفيضانات أم المشاركة في الإجتماعات؟” وطُلب من الطلاب التفكير في سلسلة المراتب الهرمية واتخاذ موقف بشأن الموقف من الأوامر العليا وبين الحاجة إلى التدخل في حدث طارئ وغير مسبوق، مثل خطر الفيضانات بالقرب من نهر اليانغتسي. وانتهت المحادثة بالأسئلة التالية: “ماذا ستفعل لو كنت مدير مكتب إقليمي؟” ماذا سيكون خيارك؟ اشرح الأسباب. هل من الممكن تجنب حالة الارتباك؟. إن هذه الأسئلة وكل الرواية، تقود إلى التفكير في التطبيق المحدد لعملية العمل، وحتى في الطاعة لتسلسل المراتب. وبدون التوجه إلى أبعد من ذلك في التوصية بالتمرد أو المقاومة، فإن هذه الأسئلة تطرح مسألة الحكم الحر والعقل السليم الذي يجب أن يوجه خيارات المسؤولين الإداريين، خاصة عندما يكون المستجيبون هم من ذوي الخبرة ولديهم فهم عميق للوضع على الأرض.
في هذا الوقت ، يمكن الإشارة إلى مسألة المناطق المعتمة والغامضة التي كانت موجودة خلال عقود في البلاد، وهي مشكلة خلقها الأداء البيروقراطي والجهاز الحزبي لتجنب إثارة موقف ضد القواعد المعمول بها. من خلال ممارسة لعبة الأسئلة المفتوحة، يصبح من الواضح أن جميع الخيارات مشروعة ويمكن الدفاع عنها ويمكن مناقشتها في الفصل. يتحدث الطلاب دائماً، وبدرجات متفاوتة من المشاركة، عن الصين المعاصرة، لكن كل شيء يسير كما لو أنهم يبحثون في موضوع مجرد. ولكن قواعد هذه العملية تفرض على اللاعبين القائمين بأدوار محددة الأخذ بنظر الإعتبار التفاعل المتبادل للظواهر مع بعضها البعض. إذ يحتوي الإطار المستمر في هذا التبادل على وهم بأن هذه الأدوار يمكن الاستشهاد بها وحتى أنها غير قابلة للتغيير. يقوم المعلم فقط بتسهيل المحادثة، في حين يعبر الطلاب عن آراء مختلفة حول موقف قد لا يعنيهم. يمكن للمرء أن يتحدث عن أي شيء دون الخوف من المبالغة في ذلك ودون أن يستجوبه أعضاء آخرون في المجموعة، والسبب المعقول لذلك هو أن المرء لا يتحدث عن الواقع بشكل مباشر.
ويشار هنا إلى دراسة الحالة عموماً حول “العائدين” ، وهو مفهوم ينطبق على جميع الصينيين الذين درسوا في الغرب أو في بلد آسيوي مثل اليابان أو هونغ كونغ لتحمل المسؤولية في الأوساط الأكاديمية وفي التجارة وعادوا إلى البلاد. وبفضل هؤلاء الأساتذة المطلعين على النظريات الغربية، تعد دراسات الحالة من ناحية، جسراً بين الأفكار والتطبيقات الغريبة، ومن ناحية أخرى قدرة الطلاب على فهمها ووضعها في سياق مهني. في الواقع، فإن الكثير مما يتعلمه الطلاب في الفصل الدراسي لا علاقة له بما يستخدمونه في مكاتب إداراتهم. و”العائدون” فقط هم من يمكنهم التغلب على هذا التحول الخطير من خلال معرفة هذين العالمين ومراجعهما ومتطلباتهما.
ويمكن أن تساعد تجربة الترقية الأولى في مواقع المسؤولية على فهم التغيير الحالي في المؤسسات الإدارية الصينية. فالإلهام الذي إكتسبوه من الخارج لا يعد عاملاً في عدم الإستقرار، بل عنصراً أساسياً. إن طلاب ماجستير الإدارة العامة يجعلون هذه التصورات ضرباً من مَلَكة العقل. فالأفكار والقيم مثل المسؤولية ومكافحة الفساد والقدرة التقنية والإدارة الجيدة كلها محفورة في أذهانهم. إنهم يتعايشون بين الثقافة الإدارية السابقة وبين الإطار المجدد والمبتكر. ويسمح لهم ذلك اجتياز دورة الماجستير هذه بالوصول إلى المصادر الخارجية وتحديد مدى الإستفادة منها. وتماشيا مع التحولات السياسية ، يمكن زيادة هذا المعدل أو خفضه أو تعليقه مؤقتاً.
إيجاد حركة في العمل
يعلن وانگ بينگ، خريج ماجستير الإدارة العامة:”إن المفهوم التقليدي للإدارة لا يسمح لنا بمواجهة التحديات التي يفرضها المجتمع”. في الماضي، كان مواطنينا يذهبون إلى المحكمة في حالة نشوب نزاع. أما الآن فهم على دراية بالوساطة، أي القدرة على حل الإختلافات دون تدخل الدولة، إذ يوفر النفقات في الموارد. لذلك ، فإن دورنا ينصب على تغيير عادات الناس بحيث يمكن حل المزيد من الخلافات عبر الوساطة. وكل هذا ممكن فقط من خلال إدخال نظريات جديدة.”
ويستطرد وانگ بينگ قائلاً:”بالطبع، لا يمكنني دائماً استخدام كل ما تعلمته. فهذه عملية طويلة. ولكن بفضل المعرفة التي تعلمتها، يمكنني التأثير عبر الممارسة على المدى الطويل الإحاطة بعملي”. غالباً ما يستخدم خريجو هذه الدورة كلمة “قدرة” (نينگ باللغة الصينية). في الواقع ، تمنحهم الدرجة العلمية قدرة كبيرة على الأداء والأدوات اللازمة للقيام بذلك ، وحتى قدرة كبيرة على المدى الطويل (تعني كلمة (نينگ) باللغة الصينية “القدرة” و “المهارة” و “الإذن” وتعني كلمة (لي) أيضًا “القوة” “،” القوة “، و” التأثير “). ويذكر وانگ بينگ أن “النظريات التي تمت دراستها في ماجستير الإدارة العامة (MPA) هي المبادئ التوجيهية لعملي وتغيير العمل الإداري ويساعد على إحداث فرق في الأداء. بعد حصولي على شهادتي، أجبرت موظفي مكتبي على إرسال العديد من الزملاء للدراسة في هذه الدورة. “هذه الدرجة ليست مفيدة جداً للتقدم الوظيفي والتطوير الوظيفي، لكنني أعتقد أنه من المفيد جداً في تحريك عجلة العمل الذي يقوم به الموظفون.”
ويسمح الحصول على درجة الماجستير في الإدارة العامة للشباب بتجسيد “الفضيلة” (باللغة الصينية)، وهي إحدى السمات المميزة للأداء الجيد لموظفي حكومة الحزب، ولكن لأسباب لا علاقة لها بالترتيبات الأيديولوجية الشيوعية. ومن خلال قوة رؤية القيم المشتركة، يرى هؤلاء الطلاب أنفسهم مستنيرون وحديثون وقادرون على الجمع بين القواعد القديمة والجديدة. إنهم قادرون على التكيف، على طول الطريق ، والتطور مهنياً في نظام الجدارة القائم على الصدق السياسي الذي يعتمد بشكل أكبر على المعرفة والقدرة المهنية. يسعى هذا النمط من الإدارة الجديدة إلى أن تلعب الحكومة دوراً على جميع الجبهات، لتعظيم فرص التقدم الاجتماعي مهما كانت العقبات التي تواجه البلاد. هذا النظام جاهز لاغتنام الفرص الذي يعكس ديناميكية التحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أليسيا لو بورتو ليفيبور عالمة اجتماع ، مدرسة الدراسات الصحية العليا المتقدمة (EHESP) ، مؤلفة: “مندرين ، بيروقراطية صينية أمريكية” ، مطبعة العلوم السياسية ، باريس 2995.