تحرير الموصل …. رؤية موضوعية ؟!!
محمد حسن الساعدي
لا يخفى ان تنظيم داعش الارهابي استطاع من تحقيق بعض التمدد في المدن الشمالية والغربية ، واستطاع من تهديد العديد من المدن المحاورة وأبرزها بغداد ، وما زال تهديده قائماً نظراً للمدد الذي كان يلقاه من دول الغربية والإقليمية المجاورة للعراق ، الامر الذي جعل إمكانية صده صعبة جداً ، خصوصاً مع موسسات عسكرية مصابة بالتخمة ، وإعداد كبيرة من الأسماء الوهمية التي كانت تذهب الى الحيتان الكبيرة في وزارتي الدفاع والداخلية .
مدينة الموصل التاريخية كانت الهدف المباشر لتنظيم داعش ، ورغم ان الموصل رسمياً كانت ساقطة تماماً بيد التنظيمات الارهابية والبعثية ، الا ان يكون دخول داعش هو الإعلان الرسمي لدولتهم المزعومة ، اذ تشير التقارير العسكرية ان دخول تنظيم داعش الى المدينة كان سهلاجداً وبدون اي خسائر تذكر ، بل عدته بعض التقارير سقوط (بالهورنات) الامر الذي جعله صدمة كبيرة للشعب العراقي ، اذ مع وجود اكثر من ٥٠ الف مقاتل على حدود الموصل ، والأسلحة الامريكية المتطورة من دبابات ومعدات عسكرية ثقيلة ومهمة ، سقطت مدينة الحدباء لتكون معقل الارهاب الداعشي في العراق ، وعندما نحاول ان نقرا اسباب سقوط الموصل نجدها في نقاط مهمة هي :-
١) طبيعة المجتمع الموصلي الذي يعتز كثيراً بنفسه ويعتقد انه السيد ولا يمكن لاي قوة ان تأتي لتفرض عليه شي ، خصوصاً وانه مجتمع ليس قبلي او عشائري بقدر ما مجتمع صعب ومعقد .
٢) النظرة العدائية والطائفية للمكونات الاخرى ، كون المجتمع الموصلي ذات وجود سني وبنسبة متفاوتة ، مع وجود المكونات الاخرى (ألتركمان والشبك ، والأكراد بنسبة ، والمسيح وأقليات اخرى ) وبروز دور هذه الأقليات بعد حكم النظام البعثي الذي حاول تغيير ديمغرافية وبشرية الموصل ، الامر الذي جعل يرفض هذه المكونات ، وفي بعض الأحيان هناك دعوات لترحيلها واخراجها من المدينة .
٣) العداء الطائفي لعملية التغيير في العراق ، والنظرة العدائية للحكومة العراقية ، وعدم قبولهم بهذا التغيير والاعتقاد انهم اصحاب هذا الحق في حكم العراق والى الأبد ، الامر الذي جعل المجتمع الموصلي يرفض اي وجود للحكومة هناك ، وان وجدت فهي موالية لهم .
٤) وجود الخط البعثي وبقايا النظام الصدامي من فدائيين وضباط مخابرات وأمن واستخبارات ، وتعاونهم المباشر مع التنظيمات الارهابية ، حتى أصبحت بعض عشائر الموصل حواضن للأفغاني والباكستاني والسعودي والروسي والهندي وبقايا مرتزقة الارهاب من ٢٨ جنسية في العالم ، لتكون مرتع الارهاب في العراق ، ومنطلق تمدد داعش فيما بعد .
٥) الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية التي كانت تقود الملف الامني هناك ، اذ تشير التقارير ان هناك إتاوات كانت تفرض على التجارة من والى الموصل ، من قبل القيادة العسكرية هناك ، اذا كانت ليلاً تذهب الى هذه التنظيمات الارهابية ، ونهاراً الى القيادات العسكرية والأمنية الفاسدة هناك .
اعتقد ان عملية تحرير الموصل ستكون اسهل من بقية العمليات العسكرية الجارية ، بل ستكون خاطفة وسريعة ، لان هناك معطيات مهمة على الارض توكد نهاية هذا التنظيم الاجرامي في الموصل ، خصوصاً بعد رفض الأساليب الاجرامية التي مارسها اعضاء التنظيم بحق الموصلين بعد اعتقاد الاخير ان داعش ستكون الملاذ الامن لهم من الحكومة العراقية ، وسيكونون نداً لهذه الحكومة ، ناهيك عن تراجع الدعم المالي للتنظيم وقتل معظم قياداته على الارض ، وقطع طريق الإمدادات من سوريا ، وتحرير مدن الرمادي وتكريت التي كانت متنفس داعش في العراق ، لانه كان يعتمد مبدأ الجبهات المتعددة ، ومع هذه الانتصارات النوعية المهمة في تحرير مدن الانبار وصلاح الدين لم يبقى له ملاذا سوى الموصل والتي تنتظر دخول بشائر النصر اليها وطرد الدواعش منها ،بل من عموم مدن العراق .
الى جانب العمليات العسكرية يجب ان يكون عملاً سياسياً يسير بالاتساق مع عمليات التحرير ، خصوصاً مع بروز التحدي الاخطر (تنظيم داعش الإرهابي) وتهديده لكيان المجتمع العراقي والدولة العراقية وأمن محافظاته ، وردود فعل الحكومة التحشيدية لمواجهة هذا التحدي، والتي على أثر هذه المتغيرات جاء التوجه نحو الأقلمة ، فضلا عن المؤشرات الاقتصادية ذات الاثار الاقتصادية التي برزت فيها انخفاض أسعار النفط. وأخيرا تصحيح مسار السياسة الخارجية العراقية ايجابيا ومحاولة إعادة العراق الى محيطه الدولي والعربي.
أن مسار الأحداث المستقبلية في العراق لا يمكن التكهن بها بسهولة لان الاحداث السياسية متشابكة ومعقدة ومركبة ، وهذا التعقيد آتٍ من المواقف السياسية المختلفة بين الكيانات السياسية والتي تبدي مواقف وتخفي مواقف اشد، لذا عملية تفكيك جزيئاتها ليست بالأمر السهل ، كما ان الوضع الاقتصادي وهبوط أسعار النفط القى بظلاله على مستقبل مواجهة العراق لتحد مصيري وهذا التحدي قائم على تفاعلات إقليمية أساسها الربح والخسارة ، الامر الذي يجعل جميع الأطراف العراقية في نقطة مشتركة لمواجهة داعش وهي مجبرة على ذلك سواء رغبت أم لم ترغب. وأمام هذه المعطيات أمامنا ثلاث مشاهد للعراق الحديد أولها يمكن إن يبقى على نفس الوتيرة وباستمرار القتال طوال عام ٢٠١٦ مع إحراز تقدم بدون حسم المعركة ، أما القراءة الثانية فهي شيوع الانقسام والتشظي بين المواقف السياسية وبروز المشاريع القائمة على الانفصال وإنشاء الاقاليم ذات الطابع الطائفي والقومي ، في حين الرؤية الثالثة وهي المتفائلة والتي تعتقد أن العام الحالي سيكون عام الحسم وسيشهد حالة من الاستقرار وتحقيق النجاحات الأمنية على الارض وطرد داعش والذي يأتي بالاتساق مع محاربة الفساد الإداري وإعادة البناء.