بين الواقع والإصلاح والحلم
مقالة بقلم : حسام الدين أحمد
جيل اليوم من الرجال والنساء والحمدلله اكثر تفكراً في واقع الأُمة ، وخصوصاً أننا لم نشاهد تغييراً يذكر خلال الفترات السابقة ، لنجد أنفسنا بين واقع سياسي وأقتصادي وأجتماعي مضطرب.
هذا الواقع الحقيقي اليوم ولكن لايعني ذلك اليأس والإستسلام ولكن علينا العمل بجد وتفكر ، فلنا في تاريخنا صفحات مشرفة وبطولات حين كنا أُمة تهابنا الأُمم، رغم ما مررنا به من النكبات والهزائم والكربات ، فيتحتم علينا الاستيقاظ والاستعداد للمرحلة القادمة التي بها سنزيل الغبار عن أُمتنا لتعود لسابق عهدها
ويجب علينا قبل ذلك التسلح بالدين والثقافة والعلم، فما قامت أُمتنا سابقاً على الجهل، بل هي من جاءت بالعلم وارتقت به، ومن ثم التعامل مع الواقع بشكل صحيح وفق العقل والمنطق، ولانترك المجال للفرق الضالة بالتحكم بمصير الأُمة وجرها لأفكار الضلال من خلال جذب شبابنا المتعطش للتغير، لأفكارهم المتطرفة، ومن ثم تركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم تحت سماء الجهل بسبب صلاح نوايا هؤلاء الشباب ولكنهم أخطاؤا الطريق، وساروا خلف دعاة الضلال الذين تركوهم يموتون ظلماً وهم يجلسون بعيداً في أفخم القصور وأحسن حال .
من خلال قراءة حال الأُمة اليوم فسنجد أن الإسلامُ أصبح عند البعض مِنا هو شعارٌ للهُويَّة فقط ، ومعلوم كم هو عدد المسلمين فى العالم ، وأَن بلادنا غنية بالثروات الطبيعية وكذلك التطور الذي حصل في مجالات الصناعة و الزراعة و الثروة الحيوانية، فكل ذلك هي من مقومات الدول الصناعية القوية ، ولكننا نرى في واقعنا عكس ذلك .
كان لإهمال المسلمين لأنفسهم ولتراثهم وتأريخهم، السبب الرئيسي لهذا التدهور الحاصل في حال بلادنا وشعوبنا اليوم، فإنتشر الفقر والجهل بين مجتمعاتنا وانتشر القتل والتهجير، وكذلك أكثر الحروب حالياً تقع في بلاد المسلمين.
فكان لابد من الدعوة للرجوع لجادة الصواب وكذلك الدعوة للتعلم والأخلاص بالعمل، والتذكير بماضينا المشرق، وليس الجلوس والندم واليأس، وإَنما التذكر للعبرة والإقتداء ، لأن الهدف الأول للغزو التاريخي على الأُمة هو طمس الهوية الإسلامية وتشويه صورتها،
وإلصاق كل الكوارث فيها بأطلاقهم مصطلحات التطرف والتشدد والفتن فيما بيننا !
وأذا قمنا بدراسة طموح العرب والمسلمين بين الحاضر والمستقبل للكشف عن مواطن الضعف والقوة ولمعرفة أمكانيات هذا الجيل في سعيه للتغير أو أنه لم يكتفِ بالوقوف مكانه وإنما تراجع خطوات للوراء !
أذ يعيش المسلمون اليوم في حاله يرثى لها بين الوان من الذل من أعداء الإسلام الذين يطعنون في دِيننا، ويستهينون بمُقدَّساتنا، وماكان ذلك ليحصل لولا ضَعفُنا وبُعدنا عن مصادر تشريعنا، والاعتزاز بمبادئنا وغرق الجيل في بحار الجهل بسبب كثرة الحروب والخلافات والمشاكل الأجتماعية والإبتعاد عن الثقافة والتعلم.
المعروف عن المسلمين في اكثر الأوقات التي حكموا بها ، تسود أُمتهم وكذلك الدول المجاورة لهم … السلام والطمأنينة، لذلك علينا إذا أردنا أن نكون خير خلف لخير سلف أن نصلح أنفسنا أولاً قبل البحث عن تغيير شامل لحال الأُمة ، فإصلاح النفس وتهذيبها وتطوير الجيل بالعلوم الدينية والدنيوية هو المفتاح لنهضة أُمتنا وعودة أمجادنا.
لا بد أن يقف المسلمون وقفة صادقة مع أنفسهم للكشف عن الأمراض التي أصابت أُمتهم و وصف العلاج المناسب لها … وللتفكر في سبب وصول حالهم الى ماهو عليه اليوم ؟ولماذا نزع الله سبحانه وتعالى المهابة منا من قلوب أعدائنا، ولماذا ألقى في قلوبنا الوهن والضعف؟
فقدنا اليوم مقومات النصر والتمكين، وانتشرت في الأُمة الإسلامية أمراض أخلاقية كثيرة، فقلما تجد بلدين إسلاميين متجاورين إلا وجدنا بينهما صراع، فأنشغلوا بأنفسهم، وتركوا الجيوش المحتلة تفعل مايحلوا لها في بلاد المسلمين.
ونحن المسلمون اليوم بحاجة لشخصيات نقتدي بهم، أصحاب فكر وعقل وحكمة وأخلاص وصدق لقضايا الأمة
فكم من الهتافات والشعارات التي يهتف بها قائد أو مسؤول، لا تغني شيئًا، لأن الشعب وجدَّ زعيمه يتنعم بأموالهم وينفقها على راحته وسعادته ومصالحه الشخصية ورفاهيته ويتركهم يواجهون الفقر والمشاكل في كافة جوانب الحياة .
في حين نرى سقوط الكثير من الزعماء في أحضان أعداء الأمة على حساب شعوبهم ، بحجة المصالح المشتركة أو مصالح البلاد، لنرى بعد ذلك آثار الذل وهي تحيط بهم وبشعوبهم، ولايستطيعون بعدها من إسعاد شعوبهم وأبعاد خطر الحروب عنهم.
قد مرت على أُمتنا أيام حرجة في الماضي وكذلك في الحاضر، ولكن بفضل الله تعالى وبوجود بعض الشخصيات التي حملت على عاتقها خدمة الأمة وقضاياها المصيرية، أستطاعوا بعد أن نشروا روح التفاؤل والعمل الجماعي وكذلك بأفكارهم وثقافتهم من النجاح في إبعاد خطر الأنهيار والعودة لجادة الصواب خدمة لشعوبهم، وهم يحلمون ويسعون لبناء غد مشرق تتوحد فيه أُمتهم تحت مسمى “العالم العربي والإسلامي الكبير”، فالأُمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والإحباط واليأس ليس من صفات المؤمنين.
ولقد عمل أعداء الأُمة على محاربة روح التفاؤل والأمل للشعوب المسلمة حين قاموا بنشر الفساد فيما بينهم وبكل أنواعه ، فضيعت الأمانة وتولى المناصب العليا في البلد شخصيات افتقروا إلى الكفاءة وإلى الصدق والأخلاص.
فإذا وصل للسلطة أصحاب الفساد فهذا أمر خطير، وخصوصاً أذا كانت تلك السلطة ومراكز القيادة تباع وتشترى، وأن أصحاب الكفاءات والعقول المثقفة والقلوب المخلصة لا تقدر ، فسنعلم حينها أن النصر أو التغيير مستحيل.
ولا ننسى الشورى فهي شرط لنجاح أي دولة، وفي أمتنا وديننا ، فهو أصل من أصول الحكم ،ولا نقصد بالشورى تلك الشورى الوهمية التي هى في حقيقتها فقط جمع الأصوات والآراء المؤيدة للزعيم، لتتحول الشورى لأطار يحيط بالدكتاتوريا !
لا ننسى في أي وقت وعصر أذا أرادنا التقدم والأرتقاء وأن تعود لنا هيبتا بين الشعوب، فيجب علينا أن نركز إهتمامنا على المرأة صانعة الأجيال ومعلمة الرجال ومربية المجتمع، نعم فهي لها الفضل بزرع البذور الأولى لأعداد الأولاد لجيل قوي صادق ومخلص بمساعدة رجل تربى على أخلاق صفية عمة النبي وخديجة زوجة النبي ومريم العذراء ، فالمرأة هي التي تصنع الرجال، فكان ولابد على الرجال العناية الدائمة والرعاية المشرفة لسر الحياة والطف الكائنات، حتى تنال مكانتها التي تستحق، حتى نحميها ونقيها من كل من أراد المساس بكرامتها وحريتها وأخلاقها .
للمرأة دور مهم في الأسرة بما تُمارسه من أدوار كثيرة ومختلفة، فهي الأساس في خلق أسرة ناجحة ومترابطة، وذات علاقات اجتماعيّة سليمة، وهي الأساس في خلق جيل واعي ومثقف، فالمنزل هو الأساس الأول لبناء جيل صالح، وأيّ تقصير من جانبها سيؤثر سلبًا على المجتمع ككلّ.
وللمرأة الدور الكبير في التربية والرعاية العقائدية للأطفال، وذلك من خلال تربيتهم على حبّ الله عز وجل ورسوله، وربط قلوبهم باللّه تعالى، بما يضمن الإعداد الديني السليم، وكذلك الأخلاق العامة والتعاملات وروح التفاؤل والصدق والأخلاص لأعدادهم لبناء جيل ينظر لمصالح الأُمة ويسعى لإعادة أمجادها .
إن ما يجري اليوم على أمتنا امتحان وبلاء، ونحن بحاجة إلى عودة صادقة إلى مصدر عزنا وفخرنا ودستور حياتنا، كي نتغلب على ما يحيط بنا من البلاء .
ولقد أستطاع أجدادنا من الحفاظ على كرامة الأُمة بفضل تمسكهم بالدين والأخلاق وصفات الأنسانية والعلم والثقافة، فنجحوا بسبب صدق نواياهم بنعمة النصر والتأييد.
وعلى جيلنا اليوم التفكر في حال أُمتنا لماذا تأخَّر العرب المسلمون ولماذا تقدَّم غيرهم؟ومتى سيتغير حالنا، ولماذا يحتاجون إلى مَن يقودهم، وإن سلكوا طريق التقدم و الحرية، يكون طريقهم غير واضح المعالم وسرعان ما ينقلب إلى حُكم دكتاتوري يسوده الظلم؟ولماذا الثورات التي قامت في بلادنا، ثورات الربيع العربى، والتي في الأساس قامت من الشعب، كثورات ضد أنظمة فاسدة ترفض الحرية وتنتهك حقوق المُواطنين ، ولكنها تحولت بعد استقرار الوضع إلى الفوضى والحروب الأهلية والطائفية وفقدت أكثر برامجها للأصلاح بعد صعود دكتاتور جديد جاء من بعيد؟ وهو يسير على ظهور هذه الثورات ليصنع نظام إستبدادي !!! جديد يختلف شكلاً عما قبله…. ولكنه من المحتمل أنه يفوق ذلك النظام هدماً للشعب وسلباً لمقدراته ،في طريقة حديثة لإنتاج أنظمة دكتاتورية متطورة جديدة !!!
فيجب علينا كوننا أُمة واحدة الشعور بالمسؤولية والإحساس بحال أمتنا ،حتى نستطيع أيجاد الحلول المناسبة لها، وكيفيةوضوع الأستراتيجيات ومن ثم تحويلها الى عمل لأحداث التغير المطلوب ولإيجاد أنظمة حُكم جديدة بثقافة وعقلية جديدة؟
إن سلاح الأمة في بناء مجدها وحضارتها هو سلاح الائتلاف والوحدة وترك الخلاف والفرقة، والتعاون والوفاق، فبذلك يكون مسؤولية صلاح الأمة والخروج بها من مآزقها مسؤولية المسلمين جميعاً.
ما إنتشر في مجتمعنا اليوم من خلافات وفتن ومظاهرات ما هو إلا إبتلاء وإمتحان، ولا سبيل لنا لعلاج ذلك الا بأتباع أسلوب العقل والحكمة حفاظاً للأمن وحقناً لدماء المسلمين، فالعنف أخطر ما تواجهه شعبونا ، ولا أجمل ولا أحلى من الرفق واللين ؛ فبالحوار الهادف وقلوب مخلصة وعقول مثقفة سنفتح آفاق جديدة لبناء جيل يخرج منه قادة يعيدوا لهذه الأِمة مكانتها.
الأَديب حسام الدين أحمد