بورخيس تحت خمسين درجة مئوية!
.
عبد الخالق الركابي
.
تسحرني قصص بورخيس شأني الكثيرين. وأحسب أن سر هذا السحر يكمن في طريقته الفذة في نسج عوالم قصصه: يقدم مزيجاً من وقائع قد تربك القارئ في أول الأمر فيتساءل إن كان ما يقرأ حصل حقاً أم هو من اختلاق الكاتب نفسه؟ ومما يفاقم هذا الإرباك والحيرة ذكر تواريخ وأسماء طبعات لخليط من كتب وموسوعات خيالية وأخرى حقيقية: إذ ما يكاد يذكر (ألف ليلة وليلة) مثلاً، أو (منطق الطير) حتى يردفهما بسلسلة كتب مختلقة هي من بنات أفكاره. بل قد يمزج بين حدث تاريخي حصل فعلاً وآخر وهمي يستدعي الشك والريب.
على هذا المنوال – وأنت بين الشك واليقين – تمضي مع هذا الكاتب الساحر في متاهاته، مقتنعاً سلفاً بكل ما يكتب برغم أنه لا يعفيك – أنت القارئ المعجب به – من تهكمه وسخريته المبطّنة!
شخصياً لم أقع، في كل ما قرأت له، على ما يستدعي استنكاري أو عدم تصديقي: كأن يجعل إحدى شخصياته تطير، وأخرى تعود من عالم الموت – على غرار تلميذه العظيم ماركيز – بل يمضي بي في مسالك قصصه المحيّرة والمقنعة في الوقت نفسه لينتهي بي مع آخر صفحة وقد امتلأت بسحر ما قرأت!
أحسب أن أسلوب بورخيس يمثّل النموذج المثالي للواقعية السحرية .. ذلك ما أحسبه شخصياً، وهذا أمر لا يستدعي أن يتطابق معي الآخرون فيه.. أقول قولي هذا لأعود إلى المجموعة التي ترجمها العراقي حسن ناصر تحت عنوان (سداسيات بابل) مواصلاً قراءتها تحت درجة حرارة تقترب من الخمسين معززاً بذلك حبي لبورخيس مقروناً بكراهيتي لوزير الكهرباء صعوداً إلى… بريمر!