بعد 3 حروب وعشرات النزاعات.. هل ينهي العراق حقبة الاحتلال في مئوية تأسيسه؟
صلاح حسن بابان
يحتفل العراق هذه الأيام بمرور 100 عام على تأسيس الدولة العراقية التي أعلنت عام 1921 بتنصيب الملك فيصل الأول بن الحسين، ومر البلد منذ ذلك بكثير من الحروب والنزاعات والصراعات والمنعطفات التاريخية ومآس ما زال يعاني منها العراقيون.
عقب الثورة العراقية عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني أُعلن تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بعد توحيد ولايات الموصل والبصرة وبغداد في دولة واحدة بنظام ملكي، وبعدها دخل العراق في الكثير من الأحداث والمنعطفات، سواء كانت سياسية أو أمنية وحتى اقتصادية، ومنها انقلابات عسكرية دموية، وصراع تيارات قومية وشيوعية على الحكم.
أبرز ما سُجل في تلك الحقبة هو حرب الثماني سنوات (1980-1988) بين العراق وإيران التي فتحت الأبواب لويلات يعاني منها البلد، بالإضافة إلى احتلاله من قبل الولايات المتحدة عام 2003 وما أفرزه من أحداث ومتغيرات سياسية.
ويحتفل العراقيون هذه الأيام بمئوية تأسيس دولتهم تزامنا مع تذبذب الأحداث الأمنية والسياسية خلال الفترة الحالية، على خلفية اقتراب موعد انسحاب القوات الأجنبية من بلادهم نهاية الشهر الجاري، والانسداد السياسي الذي تشهده العملية السياسية نتيجة لما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ورفض نتائجها من القوى الشيعية الخاسرة المحسوبة على الحشد الشعبي والمقربة من إيران.
أبرز 3 أحداث
وتعتبر فترة سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على حكم العراق 35 عاما والتي تعززت بوصول صدام حسين إلى سدة الحكم وما تبعها من احتلال أميركي والتبعات السلبية لسياسة الاحتلال أبرز ما شهده العراق خلال الـ100 سنة الماضية كما يرى السياسي العراقي محمود عثمان، ويضيف حدثا ثالثا وهو ما تسمى “ثورة 14 تموز 1958” وما رافقها من انقلابات، وعدم وجود نظام مدني كما كان المفروض حتى الآن.
ويرى عثمان أن العهد الملكي الذي انتهى بانقلاب 14 يوليو/تموز 1958 هو الأكثر هدوءا من بين الأحداث التي شهدها العراق خلال القرن الماضي.
والعهد الملكي في العراق أسسه الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية عام 1921 واستمر قرابة 37 عاما تعاقب على حكم العراق خلالها 3 ملوك، وشهدت تلك المرحلة المهمة إنجازات كبيرة لكنها أخفقت في مجالات أخرى.
وانتهى العهد الملكي في 14 يوليو/تموز 1958 عندما استفاق العراقيون على مجزرة دامية جرت أحداثها في قصر الرحاب بالعاصمة بغداد، إذ استطاع زعيما تنظيم الضباط الأحرار عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم الإطاحة بالحكم الملكي العراقي وإعلان تأسيس الجمهورية بعد قتل جميع أفراد العائلة المالكة، وعلى رأسهم الملك فيصل الثاني (23 عاما)، والوصي على العرش عبد الإله، ورئيس الوزراء نوري السعيد.
أكثر الحروب ضررا
بدوره، اعتبر أستاذ التاريخ السياسي في الجامعة المستنصرية الدكتور صالح العلوي أن بناء الدولة العراقية الحديثة بتتويج الملك فيصل الأول ملكا على العراق في 23 أغسطس/آب 1921 هو الحدث الأبرز خلال القرن الماضي، ويتبعه الحدث الثاني الذي عزز استقلال البلد وعُدّ عيدا وطنيا وهو دخول العراق إلى عصبة الأمم المتحدة سنة 1932، وباتت على إثره بلاد الرافدين على سكة الهوية الوطنية.
وما بين الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) واجتياح العراق الكويت عام 1991، والغزو الأميركي للبلاد عام 2003 الذي اعتبره الأكثر ضررا على البلد، يقر العلوي في حديثه للجزيرة نت بأن حرب الثماني سنوات فتحت أبواب الحروب الأخرى على العراق وجلبت له الويلات، ويؤكد أن الحربين الثانية والثالثة جاءتا بسبب الإرهاصات التي نتجت عنهما، ومنها العقوبات التي نالت من جميع العراقيين خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي.
هل ينهي العراق حقبة الاحتلال؟
ورغم أن الحكومات والأحداث التي تعاقبت على البلد خلال 100 عام من تأسيس الدولة العراقية صعبة فإن المرحلة الحالية التي يعيشها العراق لم تصل إليها أي مرحلة أخرى سابقة من السوء، فسلّم فيها من يسميهم الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد الدكتور أعياد الطوفان “العملاء والخونة” بلدهم للاحتلال.
وواحدة من أبرز الظواهر السلبية التي يسجلها الطوفان على المرحلة الحالية هي أن الصراعات والنزاعات فيها تختلف تماما عن سابقاتها، ففي الماضي كانت محلية وكانت على المناصب أو الرئاسة، أما الآن فوصلت الصراعات والنزاعات السياسية إلى الطائفية والاستقواء بدول الخارج على أبناء البلد الواحد، وهذا ما لم يعهده العراق في تاريخه أبدا.
ضبابية المرحلة الحالية تدفع الطوفان إلى التأكيد على استحالة خروج العراق من بوتقة الاحتلال أو إنهائه تزامنا مع الانسحاب الأميركي من البلد، ويحمّل مسؤولية ذلك إلى قادة العملية السياسية الذين يحكمون البلد، وهم نفسهم تعاونوا مع المحتل لاحتلال بلادهم وإدامة الحصار الاقتصادي عليه خلال حقبة معينة من الزمن ليصل البلد إلى ما هو عليه الآن.
وما يعزز به الطوفان رأيه باستحالة خروج العراق من تحت عباءة الاحتلال في مئوية تأسيسه هو عدم امتلاكه السيادة والقرار وجيشا قويا يستطيع حمايته والدفاع عنه مع غياب القانون والعدالة والمقومات الاقتصادية.
استحالة خروج العراق من تحت يد الاحتلال -كما يقول الطوفان- دفعت للعودة إلى السياسي العراقي محمود عثمان الذي أكد للجزيرة نت أن القادة الحاليين في البلاد لا يستطيعون إنهاء الوجود الأميركي في البلد، ويشير إلى أن إنهاء حقبة الاحتلال يعتمد على ما تتوصل إليه العلاقات الثنائية بين أميركا وإيران فقط.
ملاحظات تأسيس الدولة
ومع تزامن الذكرى المئوية لتأسيس الدولة العراقية والمتغيرات السياسية التي رافقت المشهد العام للبلد -أبرزها أحداث ما بعد 2003- يسجل أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة الدكتور أسعد كاظم شبيب بعض الملاحظات عليها، وهي أنها بقدر ما كانت مهمة إلا أن العراقيين لم يتعاملوا معها بصورة صحيحة آنذاك في ظل التقاطعات مع النظام الملكي وقتذاك بوجود تيارات رحبت بتأسيس الدولة وتعيين الملك فيصل ملكا على البلاد، لكن في ما بعد قاطعت الدولة وأثرت عليها كثيرا.
والملاحظة الأخرى -حسب شبيب- هي أن فترة التأسيس جاءت في عهد النظام الملكي، لكن تم الانقلاب عليه وإسقاطه ودخل العراق على إثر ذلك مرحلة جديدة بصعود النظام الجمهوري على يد عبد الكريم قاسم عام 1958، ويؤكد أن كل الأنظمة السابقة جاءت على أنقاض النظام الملكي.
ويشير شبيب في حديثه للجزيرة نت إلى أن الديمقراطية شوهت بالكامل في العهدين الجمهوري والملكي على حد سواء، مستندا في ذلك إلى المعطيات الموجودة في المشهد السياسي العراقي، وأبرزها عدم إدراك الأحزاب والكتل السياسية الديمقراطية القائمة على لعبة الفوز والخسارة، وهذا ما يدفعها إلى تفعيل ضغوطها وحراكها في الشارع رفضا لنتائج الانتخابات الأخيرة.
وفي ما يتعلق بالوجود الأجنبي وإمكانية استغناء العراق عنه تنفيذا للاتفاقية الإستراتيجية الموقعة مع الولايات المتحدة، يقول الأستاذ في جامعة الكوفة إن هناك توجها حتى لدى الإدارة الأميركية منذ صعود الجمهوريين بضرورة تقليص القوات الأجنبية في العراق خصوصا، والشرق الأوسط عموما، لأن ذات تكاليف مالية واقتصادية ضخمة جدا.
ويضيف أن أميركا لا تريد حرب استنزاف أخرى، لذلك ستتجه إلى تقليص قواتها في العراق ولكن ليس بشكل كامل وإنما بصورة جزئية للحفاظ على مصالحها، في ظل صعود الصين ودول آسيوية أخرى مثل الهند.