برمجة العقول وصناعة التطرف في منهج “دونالد ترامب”
د. محمد مسلم الحسيني
بروكسل
برمجة العقول وصناعة التطرف في منهج “دونالد ترامب”
د. محمد مسلم الحسيني
بروكسل
برمجة عقول البشر ومسح أدمغتهم عملية خطيرة تجري في جميع المجتمعات ولو بدرجات متفاوتة في حدوثها وأثرها، إلاّ أنها قد تؤدي الى معاناة إجتماعية عامة قد لا يسلم من تأثيرها أحد في المجتمع الذي تزدهر به هذه الظاهرة وتنمو. برمجة عقول البشر عملية تحصل على الأغلب في المجتمعات قليلة الثقافة والوعي أو تلك المنقسمة على نفسها برؤى عنصرية أو عقائدية. تلعب الحالة الإقتصادية والسياسيّة للمجتمع دورا أيضا في تسهيل مهمة صنع التطرف عند أبناء المجتمع الذين يقهرهم الفقر والإضطهاد بكل صنوفه. برمجة عقول البشر قد تحصل في أي مرحلة من مراحل العمر غير أنها تكون مؤثرة وناجحة لدى الشباب ومن هم في مقتبل العمر وكذلك عند بسطاء الناس وغير المتعلمين منهم. قد يكون أثر برمجة العقول مؤقت يزول بزوال المؤثر أو قد تصبح حالة دائمة تطول بطول حياة المتأثر وقد تصل درجة التطرف عند المتأثر الى التضحية بالمال والنفس. تتطلب عملية برمجة العقول ثلاثة عناصر أساسية تتفاعل مع بعضها وتجتمع في تأثيرها من أجل صناعة التطرف الفكري والعاطفي، حيث أن فقدان أي عنصر من هذه العناصر قد يجهض صناعة التطرف ويمنع حصوله، هذه العناصر المرتبطة مع بعضها هي: المؤثر والمتأثر والوسط المساعد.
العنصر المؤثر: قد يكون المؤثر فرد أو مجموعة من أفراد أو حزب أو حركة أو هيئة أو وسيلة إعلام أو غيرها، لها قابلية الإقناع والتأثير على الشخصيّة المتأثرة. يتمتع العنصر المؤثر عادة بسلطة روحية، دينية، سياسية، إجتماعية، إدارية، مادية، فنيّة، خطابية، عاطفية، فرادا أو مجتمعة. يستطيع هذا العنصر تحفيز شخصيّة المتأثر من خلال الضرب على الأوتار الحساسة في نفسه، ويتمتع المؤثر عادة بكاريزما خاصة أسميها ” كاريزما الضلالة”، لأنه يستخدم أسلوب التضليل والإفتراء في كسب وجذب وإغواء المتأثر الذي يؤمن بهذه الضلالات ويعتنقها.
العنصر المتأثر : هو الشخصيّة المتأثرة التي تنهل من ثقافات غير سليمة غير حضارية وهميّة يتبناها ويتأثر بها وتتمثل بالتطرف الديني، الطائفي، العنصري، القبلي، السياسي، الإجتماعي أو غيرها فرادا أو مجتمعة. يؤثر المؤثر بالمتأثر بوجود وسط مساعد يسهّل عملية المسح الدماغي وبرمجة العقل.
الوسط المساعد : المجتمع المنقسم عقائديا أو عرقيّا الذي قد يسوده الجهل والسذاجة ونقصان الوعي وغياب الثقافة الصحيحة ويحتويه الفقر والحرمان ويغيب عنه القسط والمساواة ويسوده الإضطهاد السياسي والإجتماعي والنفسي، يكون وسط ملائم لبرمجة العقول وصنع التطرف. تلعب الأمراض النفسية والعقلية، كمرض الكآبة ومرض فصام الشخصيّة، وعلل الشخصية خصوصا تلك الموسومة بأعراض الحقد والعنف كالغيرة والحسد وعقدة الشعور بالنقص والسادية والماسوشيّة والسايكوباثيّة وغيرها، أدوارا هامة أيضا في تحضير الشخصيات المتأثرة وتجهيزها للعنصر المؤثر حيث يسهل على الطرف المؤثر تمرير أجنداته وبرامجه على الشخصيات الهشة الضعيفة المتقبلة بسهولة لغسيل الدماغ.
الصورة الحيّة التي مثلت أمامنا مؤخرا، التي ترجمت معنى برمجة العقول وغسيل الدماغ هي حالة المجتمع الأمريكي الذي تجلت فيه صورة عنصر المؤثر وهو شخص ” دونالد ترامب”، الذي ضرب على أوتار المجتمع الحساسة الكامنة عند البعض والقائمة على الشعبوية والتمييز العنصري وعلى الأنانيّة وحب الذات، فتأثرت به شرائح كبيرة من المجتمع الأمريكي غالبيتها غير مثقفة غير متعلمة أسميناها بالعنصر الـ ” المتأثر”. سُحرت هذه الشرائح المجتمعية بـ “كاريزما الضلالة” التي تميّزت بها شخصيّة ترامب المتسمة بصفات غريبة تجلّت بالنرجسية الخبيثة والإفتراء وجنون العظمة وحب التسلط وحب الظهور والقسوة وغياب العاطفة والمحبة. العامل المساعد الآخر الذي ساعد ترامب على بث برنامج مسح العقول في أبناء شعبه هو إرتقائه لأعلى مرتبة بالدولة حيث أن المواطن بشكل عام يكون مجبولا تربويا وثقافيا على طاعة المسؤول والسلطة والأمتثال للأوامر والتعليمات. أغتنم ترامب هذه الفرصة ليؤثر على عقول أبناء مجتمعه خصوصا أولئك الذين تستهويهم الخطابات الشعبوية والعنصرية. صدّق أنصار ترامب إفتراءاته بأن الإنتخابات سُرقت منهم فهاج لهيبهم وأقتحموا أكبر الرموز السياسية والتشريعية في البلد وهو ” الكونغرس الأمريكي”، طاعة لتعليمات مولاهم الذي حرضهم على فعل متطرف غير محسوب وخطير. بنفس هذه الميكانيكية وبنفس هذا الأسلوب كرّس دعاة التطرف الديني والطائفي والعرقي والقبلي وغيرهم في العالم جهودهم في مسح أدمغة الناس من أجل تمرير أجنداتهم الشخصيّة والسياسية والعقائدية وغيرها على بسطاء الناس المتأثرين برؤاهم وضلالاتهم.
الطريقة المثلى لتخليص المجتمعات من أثر المسح الدماغي والتطرف هي كسر الأواصر القائمة بين المؤثر والمتأثر والوسط المساعد، ربما فض الآصرة بين المتأثر والمؤثر هي الخطوة الأسهل والأكثر عملية في هذا النحو، من خلال التصدي للمؤثر وحماية المتأثر منه. تخليص المجتمعات من شخصيات الزعامة المتطرفة التي تقوم بدور المؤثر وتبث شحنات الرؤى السلبية في نفس المتأثر وعقله، هي الخطوة الأولى التي يجب إتباعها. يكون هذا من خلال المنع القسري للزعامات المتطرفة في التأثير على المجتمع وذلك بوقف إتصالاتها بأبنائه خصوصا أولئك الذين يملكون شخصيات هشّة مؤهلة للإنسياق السهل والخديعة. هذا ما حصل فعلا وكخطوة أولى لتحجيم ترامب حينما مُنع من التواصل مع متابعيه عبر وسائل التواصل الإجتماعي بمختلف أنواعها. هذا الإجراء الأولي يجب أن تتبعه خطوات لاحقة تمنع العنصر المؤثر من ممارسة النشاط السياسي والإعلامي بشكل دائم، تحسبا لتصرفاته المتجهة صوب نشر الفكر المتطرف الذي قد يؤدي الى شرذمة المجتمع وتفككه والى ممارسة الإرهاب فيه. أما الإجراءات التي يجب أن تُتخذ إزاء االعنصر المتأثر، وهم بسطاء الناس في المجتمع، فهي نشر الوعي والثقافة والنصيحة بينهم، مع تجنب إستخدام أساليب الزجر والقوة أو خلق النزاعات معهم. التأثير عليهم يجب أن يكون بأسلوب التفاهم السلمي العقلاني المتسم بالتسامح والطيبة حيث تُعرض من خلاله وجهات النظر الصحيحة، كي لا تُخلق ردة فعل مقابلة تؤدي الى نتائج معكوسة والى إنحراف عن غرض مطلوب.
قد تختلف الرؤى في فكرة التصدي لعنصر التأثير بين المنظرين، فمنهم من يرى أن محاسبة المؤثر على سوء أفعاله مهمة واجبة كي تكون درسا لمن ينوي سلوك هذا الدرب من جهة، وحدّا فاصلا لعزل المؤثر عن المتأثر كي لا يستمر في بث سموم أفكاره وتحريضاته الخطيرة في مجتمعه من جهة أخرى. بينما يرى الطرف الآخر أن التصدي الحاسم للمؤثر وتحجيمه وعزله تماما قد يثير غضب أعوانه ومناصريه مما يفضي الى ردود أفعال غيرمحسوبة. هكذا حصل الخلاف في سياسة التعامل مع أخطاء ترامب بين الجمهوريين والديمقراطيين من جهة، وبين الجمهوريين أنفسهم من جهة أخرى، فمنهم من راح الى عزله ومحاكمته وحكمه ومنهم من عارض هذا الإجراء ووقف ضده. بقاء المؤثر حرا طليقا غير محاسبا على سوء أفعاله وتصرفاته في مجتمع متأثر، يعني إستمرارية الأذى والتأثير والمعناة وبقاء الخطر الذاهب الى إنفصام المجتمع وتشرذمه وتشتته.
الوسط المساعد لبرمجة العقول وصناعة التطرف والملخصة أسبابه آنفا، يعتبر ساحة ملائمة لبث إشارات الفتن بين أبناء المجتمع الواحد. وهكذا فإن علاج حالة المجتمع القائمة على أسس هذه التباينات ضروريّة وواجبة لكنها قد تكون مهمة صعبة ومعقدة بوجود مؤثر متربص ومتأثر جاهز. مع هذا فإصلاح حالات المجتمع من خلال توفير ضرورياته ومتطلباته الأساسية وحل أزماته وفك عقده أمر يجعل المجتمع أكثر تحصنا من التأثيرات السلبية الموجهة اليه. مسؤولية الإصلاح تقع على عاتق شخوص رأس القمة في المجتمع أولا ثم تمر بمؤسسات الدولة ومنظماتها التربوية والتثقيفية وتنتهي بالقاعدة الجماهيرية فكل منهم ممتحن أمام مسؤولياته وواجباته في رفع شأن بلده وحراسته من المتطرفين وإرساء السكينة فيه. المهمة غير سهلة لكنها غير مستحيلة بل ضرورية في سد الثغرات وغلق الأبواب أمام المؤثرين المتسللين في رؤاهم الضالة القاتمة.
برمجة عقول البشر ومسح أدمغتهم عملية خطيرة تجري في جميع المجتمعات ولو بدرجات متفاوتة في حدوثها وأثرها، إلاّ أنها قد تؤدي الى معاناة إجتماعية عامة قد لا يسلم من تأثيرها أحد في المجتمع الذي تزدهر به هذه الظاهرة وتنمو. برمجة عقول البشر عملية تحصل على الأغلب في المجتمعات قليلة الثقافة والوعي أو تلك المنقسمة على نفسها برؤى عنصرية أو عقائدية. تلعب الحالة الإقتصادية والسياسيّة للمجتمع دورا أيضا في تسهيل مهمة صنع التطرف عند أبناء المجتمع الذين يقهرهم الفقر والإضطهاد بكل صنوفه. برمجة عقول البشر قد تحصل في أي مرحلة من مراحل العمر غير أنها تكون مؤثرة وناجحة لدى الشباب ومن هم في مقتبل العمر وكذلك عند بسطاء الناس وغير المتعلمين منهم. قد يكون أثر برمجة العقول مؤقت يزول بزوال المؤثر أو قد تصبح حالة دائمة تطول بطول حياة المتأثر وقد تصل درجة التطرف عند المتأثر الى التضحية بالمال والنفس. تتطلب عملية برمجة العقول ثلاثة عناصر أساسية تتفاعل مع بعضها وتجتمع في تأثيرها من أجل صناعة التطرف الفكري والعاطفي، حيث أن فقدان أي عنصر من هذه العناصر قد يجهض صناعة التطرف ويمنع حصوله، هذه العناصر المرتبطة مع بعضها هي: المؤثر والمتأثر والوسط المساعد.
العنصر المؤثر: قد يكون المؤثر فرد أو مجموعة من أفراد أو حزب أو حركة أو هيئة أو وسيلة إعلام أو غيرها، لها قابلية الإقناع والتأثير على الشخصيّة المتأثرة. يتمتع العنصر المؤثر عادة بسلطة روحية، دينية، سياسية، إجتماعية، إدارية، مادية، فنيّة، خطابية، عاطفية، فرادا أو مجتمعة. يستطيع هذا العنصر تحفيز شخصيّة المتأثر من خلال الضرب على الأوتار الحساسة في نفسه، ويتمتع المؤثر عادة بكاريزما خاصة أسميها ” كاريزما الضلالة”، لأنه يستخدم أسلوب التضليل والإفتراء في كسب وجذب وإغواء المتأثر الذي يؤمن بهذه الضلالات ويعتنقها.
العنصر المتأثر : هو الشخصيّة المتأثرة التي تنهل من ثقافات غير سليمة غير حضارية وهميّة يتبناها ويتأثر بها وتتمثل بالتطرف الديني، الطائفي، العنصري، القبلي، السياسي، الإجتماعي أو غيرها فرادا أو مجتمعة. يؤثر المؤثر بالمتأثر بوجود وسط مساعد يسهّل عملية المسح الدماغي وبرمجة العقل.
الوسط المساعد : المجتمع المنقسم عقائديا أو عرقيّا الذي قد يسوده الجهل والسذاجة ونقصان الوعي وغياب الثقافة الصحيحة ويحتويه الفقر والحرمان ويغيب عنه القسط والمساواة ويسوده الإضطهاد السياسي والإجتماعي والنفسي، يكون وسط ملائم لبرمجة العقول وصنع التطرف. تلعب الأمراض النفسية والعقلية، كمرض الكآبة ومرض فصام الشخصيّة، وعلل الشخصية خصوصا تلك الموسومة بأعراض الحقد والعنف كالغيرة والحسد وعقدة الشعور بالنقص والسادية والماسوشيّة والسايكوباثيّة وغيرها، أدوارا هامة أيضا في تحضير الشخصيات المتأثرة وتجهيزها للعنصر المؤثر حيث يسهل على الطرف المؤثر تمرير أجنداته وبرامجه على الشخصيات الهشة الضعيفة المتقبلة بسهولة لغسيل الدماغ.
الصورة الحيّة التي مثلت أمامنا مؤخرا، التي ترجمت معنى برمجة العقول وغسيل الدماغ هي حالة المجتمع الأمريكي الذي تجلت فيه صورة عنصر المؤثر وهو شخص ” دونالد ترامب”، الذي ضرب على أوتار المجتمع الحساسة الكامنة عند البعض والقائمة على الشعبوية والتمييز العنصري وعلى الأنانيّة وحب الذات، فتأثرت به شرائح كبيرة من المجتمع الأمريكي غالبيتها غير مثقفة غير متعلمة أسميناها بالعنصر الـ ” المتأثر”. سُحرت هذه الشرائح المجتمعية بـ “كاريزما الضلالة” التي تميّزت بها شخصيّة ترامب المتسمة بصفات غريبة تجلّت بالنرجسية الخبيثة والإفتراء وجنون العظمة وحب التسلط وحب الظهور والقسوة وغياب العاطفة والمحبة. العامل المساعد الآخر الذي ساعد ترامب على بث برنامج مسح العقول في أبناء شعبه هو إرتقائه لأعلى مرتبة بالدولة حيث أن المواطن بشكل عام يكون مجبولا تربويا وثقافيا على طاعة المسؤول والسلطة والأمتثال للأوامر والتعليمات. أغتنم ترامب هذه الفرصة ليؤثر على عقول أبناء مجتمعه خصوصا أولئك الذين تستهويهم الخطابات الشعبوية والعنصرية. صدّق أنصار ترامب إفتراءاته بأن الإنتخابات سُرقت منهم فهاج لهيبهم وأقتحموا أكبر الرموز السياسية والتشريعية في البلد وهو ” الكونغرس الأمريكي”، طاعة لتعليمات مولاهم الذي حرضهم على فعل متطرف غير محسوب وخطير. بنفس هذه الميكانيكية وبنفس هذا الأسلوب كرّس دعاة التطرف الديني والطائفي والعرقي والقبلي وغيرهم في العالم جهودهم في مسح أدمغة الناس من أجل تمرير أجنداتهم الشخصيّة والسياسية والعقائدية وغيرها على بسطاء الناس المتأثرين برؤاهم وضلالاتهم.
الطريقة المثلى لتخليص المجتمعات من أثر المسح الدماغي والتطرف هي كسر الأواصر القائمة بين المؤثر والمتأثر والوسط المساعد، ربما فض الآصرة بين المتأثر والمؤثر هي الخطوة الأسهل والأكثر عملية في هذا النحو، من خلال التصدي للمؤثر وحماية المتأثر منه. تخليص المجتمعات من شخصيات الزعامة المتطرفة التي تقوم بدور المؤثر وتبث شحنات الرؤى السلبية في نفس المتأثر وعقله، هي الخطوة الأولى التي يجب إتباعها. يكون هذا من خلال المنع القسري للزعامات المتطرفة في التأثير على المجتمع وذلك بوقف إتصالاتها بأبنائه خصوصا أولئك الذين يملكون شخصيات هشّة مؤهلة للإنسياق السهل والخديعة. هذا ما حصل فعلا وكخطوة أولى لتحجيم ترامب حينما مُنع من التواصل مع متابعيه عبر وسائل التواصل الإجتماعي بمختلف أنواعها. هذا الإجراء الأولي يجب أن تتبعه خطوات لاحقة تمنع العنصر المؤثر من ممارسة النشاط السياسي والإعلامي بشكل دائم، تحسبا لتصرفاته المتجهة صوب نشر الفكر المتطرف الذي قد يؤدي الى شرذمة المجتمع وتفككه والى ممارسة الإرهاب فيه. أما الإجراءات التي يجب أن تُتخذ إزاء االعنصر المتأثر، وهم بسطاء الناس في المجتمع، فهي نشر الوعي والثقافة والنصيحة بينهم، مع تجنب إستخدام أساليب الزجر والقوة أو خلق النزاعات معهم. التأثير عليهم يجب أن يكون بأسلوب التفاهم السلمي العقلاني المتسم بالتسامح والطيبة حيث تُعرض من خلاله وجهات النظر الصحيحة، كي لا تُخلق ردة فعل مقابلة تؤدي الى نتائج معكوسة والى إنحراف عن غرض مطلوب.
قد تختلف الرؤى في فكرة التصدي لعنصر التأثير بين المنظرين، فمنهم من يرى أن محاسبة المؤثر على سوء أفعاله مهمة واجبة كي تكون درسا لمن ينوي سلوك هذا الدرب من جهة، وحدّا فاصلا لعزل المؤثر عن المتأثر كي لا يستمر في بث سموم أفكاره وتحريضاته الخطيرة في مجتمعه من جهة أخرى. بينما يرى الطرف الآخر أن التصدي الحاسم للمؤثر وتحجيمه وعزله تماما قد يثير غضب أعوانه ومناصريه مما يفضي الى ردود أفعال غيرمحسوبة. هكذا حصل الخلاف في سياسة التعامل مع أخطاء ترامب بين الجمهوريين والديمقراطيين من جهة، وبين الجمهوريين أنفسهم من جهة أخرى، فمنهم من راح الى عزله ومحاكمته وحكمه ومنهم من عارض هذا الإجراء ووقف ضده. بقاء المؤثر حرا طليقا غير محاسبا على سوء أفعاله وتصرفاته في مجتمع متأثر، يعني إستمرارية الأذى والتأثير والمعناة وبقاء الخطر الذاهب الى إنفصام المجتمع وتشرذمه وتشتته.
الوسط المساعد لبرمجة العقول وصناعة التطرف والملخصة أسبابه آنفا، يعتبر ساحة ملائمة لبث إشارات الفتن بين أبناء المجتمع الواحد. وهكذا فإن علاج حالة المجتمع القائمة على أسس هذه التباينات ضروريّة وواجبة لكنها قد تكون مهمة صعبة ومعقدة بوجود مؤثر متربص ومتأثر جاهز. مع هذا فإصلاح حالات المجتمع من خلال توفير ضرورياته ومتطلباته الأساسية وحل أزماته وفك عقده أمر يجعل المجتمع أكثر تحصنا من التأثيرات السلبية الموجهة اليه. مسؤولية الإصلاح تقع على عاتق شخوص رأس القمة في المجتمع أولا ثم تمر بمؤسسات الدولة ومنظماتها التربوية والتثقيفية وتنتهي بالقاعدة الجماهيرية فكل منهم ممتحن أمام مسؤولياته وواجباته في رفع شأن بلده وحراسته من المتطرفين وإرساء السكينة فيه. المهمة غير سهلة لكنها غير مستحيلة بل ضرورية في سد الثغرات وغلق الأبواب أمام المؤثرين المتسللين في رؤاهم الضالة القاتمة.