تعاني المرأة العراقية ومعها الطفل العراقي والطفولة من ظروف معقدة مركبة فيما تجابه من مهام. وكجزء من مسيرة التغيير وإعادة بناء وجودنا فإن تلك المعاناة مهولة تتطلب مزيداً من التفاهم والتعاون فيما بين العراقيات والعراقيين جميعا.. وبغض النظر عن أفق الظرف الراهن من صراعات مفروضة بعضها بخلفية اختراقات لا تستقي ومصالح الشعب والدولة فإننا بحاجة لمراجعة (جوهرية) و (نوعية) لاشتغالاتنا..
لقد كانت ظروف الطفل والطفولة مستعصية تراكمت فيها المشكلات فبادرت العراقيات ومعهن العراقيون في مهام إنقاذ ووضع حلول بمبادرات شتى سواء من رابطة المرأة العراقية ومنظمات النساء كافة أم من منظمات حقوقية وشخصيات ثقافية ناشطة فاعلة..
ومنذ 2004 كانت هناك مبادرات كثيرة واعية تنالت الأوضاع ومنها أوضاع الطفولة.. وكان منها مبادرة إنشاء (برلمان الطفل العراقي) بوصفها جهداً حيوياً للسيد محمد رشيد بين كثير من مبادراته الثقافية والحقوقية الأخرى الأمر الذي حصد دعما حقوقيا ومجتمعيا طيباً وساهم في حضور المشروع عند ولادته عدد من الشخصيات الرسمية والمجتمعية..
إنّ وعي الظروف المعقدة التي مرّ ويمر بها مجمل المجتمع العراقي ومنه وفيه فئة النساء والأطفال ستكشف للمتمعن، كمّ المتاعب والأوصاب التي تجابههما. وبمسيرة عقدين من الزمن كان التحدي يتزايد بمصاعبه بخاصة مع تفاقم ظواهر النزوح والتهجير القسري وبروز إشكالية العناية بأطفال مخيمات النزوح ومعالجة آثار ما بعد الصدمة لأطفال خرجوا من هول فظاعات الحرب التي خيضت ضد الإرهاب الداعشي وغيره؛ كما تلك التي تُخاض اليوم ضد ظواهر الفقر والبطالة التي دفعت بنسبة خطيرة من أطفال البلاد للتسرب من التعليم المنهار أصلا ولاحتلال الشوارع بظاهرة أطفال الشوارع دع عنك عمليات التشغيل بأعمال صعبة مما لا يلائم الطفل وطفولته!
لكن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد وسقفه بل في الظروف السائدة شهدنا التجنيد بمجموعات مسلحة أو تعرض الطفل العراقي لظواهر الابتزاز والقهر والاستغلال من قبيل ظواهر العنف الأسري وأشكال العنف الأخرى حتى وصل بعضها لجرائم الاتجار بالطفل والطفولة وتعريض بعضهم لجرائم الاختطاف والاغتصاب ومن ثم صرنا نجابه تعقيدات تراكم المشكلات والمعضلات وتشوه الوعي والمنظومة السلوكية القيمية برمتها.. ما دفع لظهور فئةٍ، يوم باتت بمرحلة عمر الشبيبة، اتجهت للانخراط في توجهات مرضية مدمرة مجتمعياً بعضها يضيع بالمخدرات وغيرها بحالات شاذة وغير سوية ما يتطلب رصدا وإحصاء ومعالجة مبكرة لا تتأخر أكثر مما جرى..
من هنا وفي هذه الأجواء جاء برلمان الطفل العراقي ليكون عنواناً لمشروع أكثر من مهم، بحمله وظيفة بنيوية مجتمعياً تتصدى معالجاتها السايكوسوسيولوجية ليس بنزهة تدريبات عابرة لاجتماعات وأشكال تنظيم طفولية للعب بل ليكون برلمان الطفل ركناً جوهرياً في مسيرة إنقاذ عبر تبنيه مطالب الطفل العراقي ومقترحات بل توصيات المعالجة الأكثر عمقاً ومباشرة في تناول قضاياه وما يعترضه..
وبالفعل، كانت برامج برلمان الطفل العراقي جد مهمة وخطيرة الشأن وبنيويا تنظيمياً نما هذا البرلمان من حاضنته مدينة العمارة ليلمّ الشمل الوطني العراقي ويعبر حواجز حدود جغرافيا التقسيمات الإدارية والديموغرافية ويكون نموذج المؤسسة الوطنية غير المنقسمة أو المتشظية لا قوميا ولا طائفيا ولا سياسيا لأن البرلمان اهتم بتبني وثيقة للخبرات الأممية الدولية في دفاعها عن حقوقه هي اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي أُقِرَّت في الأمم المتحدة وسار بمعالم مفرداتها بدقة وموضوعية وسلامة..
من هنا استطاع برلمان الطفل العراقي أن يحظى بعضوية منظمات عربية وإقليمية مهمة وأن يكسب شرعيته من أسس وجوده الوطني عراقيا وإنسانيا حيث الطفولة إناثاً وذكوراً بمساواة تامة وكانت ترأس البرلمان فتاة بعمر الزهور وهي ومن معها بجميع الدورات الانتخابية كانوا بوعي وقدرات ثقافية مميزة تجاوزت الفهم السطحي لبعض البالغين ممن ركب موجة سياسية و-أو حقوقية وظيفيا شكليا تحقيقا لمصالح ومآرب ضيقة…
ولقد نظم برلمان الطفل العراقي أنشطة عديدة وندوات وحوارات توعوية وتثقيفية بطريقة تثير الاهتمام ليس بالتجربة المحلية بل بالمستوى الإنساني الإقليمي والدولي فيما لو سلطنا الضوء المناسب عليه .. لكن باستثناء بعض القنوات والصحف صادف برلمان الطفل العراقي إهمالا أو تهميشا واضحا وعندما تعلق الأمر بالجهات الرسمية العراقية الحكومية وجدناها تلجأ لترشيحات منفصلة عن تاريخ برلمان الطفل العراقي ومن خارجه في تعمّد لإبعاده عن فضاء تمثيل وجوده المعترف به عربيا على سبيل المثال أو بصورة أدق تجنب وضع برلمان الطفل العراقي في صدارة المشهد كما تقتضي أصول دعمه وأعراف تبني القيم التي نهض بها بوصفه المؤسسة الوطنية الأسمى ببعدها عن عبث الصراعات الحزبية الضيقة المعروفة والتي لا ينكرها أي طرف مشترك فيها..
إنني هنا أؤكد بوصفي ناشطا في إطار الحركة الحقوقية والتضامن مع مجمل أنشطتها ومنها الأنشطة القطاعية التخصصية كما في برلمان الطفل والطفولة في العراق لأدعو إلى :
1. تبني برلمان الطفل العراقي رسميا من طرف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
2. إقرار مخرجات دوراته الانتخابية المتعاقبة التي سبق لمسؤولين حكوميين وجهات برلمانية وقضائية أن اشرف على أعمالها.
3. الأخذ ببرامج برلمان الطفل بشأن حقوق الطفل العراقي ومعالجاتها بالاستجابة للمطالب المشروعة.
4. تبني الأنشطة وتعزيز فرص إبداعات الأطفال ورعايتها بما يفي لبناء شخصية الطفل بعيدا عن العنف وعميقا في فضاء السلام والاستقرار المجتمعي.
5. إيجاد فروعه في المحافظات ودعم أنشطتها مع إعلاء فرص التغطية الإعلامية لمشروعه الوطني وأنشطته المركزية..
6. تتويج كل ذلك بحصر التمثيل الرسمي للطفل العراقي بالمستويات الإقليمية والدولية ببرلمان الطفل العراقي نفسه والأخذ بترشيحات وخيارات الانتخاب التي يمارسها دوياً..
7. مرافقة العناصر التربوية المتخصصة والريادية التي أطلقت المشروع لأعماله لحين إيجاد أسس تنظيمية وإقرارها بقانون بما يجنب اشتغال برلمان الطفل اية فرص لمن قد يستغله بمنطق يتعارض واستقلاليته وسلامة مسيرته ومنجزه..
أتقدم بالتحية هنا لكل من ساهم في مسيرة برلمان الطفل ولجميع العراقيات والعراقيين الناشطات والناشطين في مهام الدفاع عن حقوق الطفل وأدعو لتفعيل الجهد باللقاء ولو عبر الفضاء الافتراضي في مؤتمرات دورية لمناقشة هذه القضية باستفاضة تفي جميع مفرداتها..
راجبا هنا من الجهات الرسمية الحكومية المعنية وشخص وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووكلائه وومسؤولي مؤسسات المجتمع المدني وتحديدا المنظمات الحقوقية وحصرا حقوق الطفل التفاعل مع هذه الرؤى ليس بوصفها مقترحات عابرة مقصورة على النداء لفظيا شكليا بل التعامل معه انطلاقا من تبنيه أو أي بديل موضوعي ناضج لأن قضية الطفل والطفولة في العراق ليست من القضايا التي تقبل التأجيل ولهذا فوجود برلمان الطفل العراقي ولا أقول مشروعه بل أؤكد وجوده هو جوهرة من جواهر الاشتغال على إعمار الذات الوطني وبناء الشخصية السليمة وتخليصها من عبء أمراض مجتمعية باتت ثقلا استثنائيا ولنعمل من بوابة التكاتف والتضامن والتعاضد لا من أي احتمال للتنافس الإتلافي الهادم..
إنني قد لا أكون استطعت غطيت الجهد الاحترافي المتخصص لبرلمان الطفل العراقي بسيرته المشهودة المهمة لكنني أؤكد أنه في نطاق ما وضعتُه هنا من معالجة يظل كبيرا وعظيما بكل هيآته وتشكيلاته ومعنى وجوده الذي ينتظر التتويج الرسمي الحكومي فورا وبلا تأخير وتجنب أية تداعيات لبعض هفوات وقعت بها عناصر رسمية في تعاملها ربما المستعجل أو غير المقصود لكنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح.. وثقتي وطيدة بالجميع في الانتصار لهذي القضية الحقوقية الإنسانية وبالتوفيق لكل من ينهض بها حلا ومعالجة وتقدما إلى أمام
برلمان الطفل والطفولة في العراق جهود مهمة تتطلع للتبني والدعم
اترك تعليقا