بدل رفو : (مصر أم الدنيا) تحتل عندي مكانة كبيرة جداً وحب شديد!
بدل رفو: لا أبالغ حينما أقول إن الثقافة المصرية والفن المصري هم من شكلوا وجداننا وأرضيتنا الثقافية ونحن في عمر الزهور!
عبد العزيز الشرقاوي
اعلامي مصري مقيم في النمسا
كثيرون جدآ من هاموا عشقآ في حب المحروسة سواء كانوا عربآ أو أجانب علي حدٍ سواء
وأطلقوا عليها عدة أسماء وصفات منها : أم الدنيا، الأرض الطيبة، أرض الكنانة ،
هبةالنيل،، اللؤلؤة السمراء.
كل شخص يطلق عليها ما يشاء من أوصاف ومسميات علي حسب ما تتوافق فكرته الذهنية عنها
ولكن صديقي ( ضيفنا اليوم ) أضاف بُعداً آخر لهذا الأوصاف والأسماء
بعدما إستضافته إحدي القنوات الفضائية الكردية وسألوه عن أي شعب تأثر به فأجاب
( بدل رفو )
الرحّال، والشاعر، والمترجم والصحفي، والأديب الذي يحمل الجنسية النمساوية ومن أصول كردية عراقية
بصورة سريعة وبلا أدني تفكير أو تردد
بأن الشعب المصري هو أكثر شعوب الأرض حباً لوطنه) مما أثار حفيظة ودهشة المذيعة التي سألته لأنها كانت تنتظر أن يقول كلمة في حق شعبه ولكنه فاجئها بهذا الرد المباغت والصريح ؛
يأتي هذا السؤال عن عادات وسلوكيات الشعوب لأن” بدل رفو” من أشهر شعراء المهجر الكورد وأشهر رحاليهم في العصر الحديث ويطلقون عليه
ـ إبن بطوطة الكردى ـ
نظرآ لتعدد سفرياته ورحلاته التي شملت أكثر من 30 دولة حول العالم منها الهند ،، وكازاخستان والمكسيك،، وتركيا،، ومعظم دول أوروبا فكون حصيلة معتبرة عن الشعوب المختلفة وعن ثقافتها وعاداتها، وتقاليدها وطبائعها ونظرتها للحياة بصفة عامة وللعالم بصفة خاصة
لذا تتهافت عليه الجامعات المختلفة والنوادي والروابط الأدبية وكليات الآداب خصوصاً أقسام علم الإجتماع وعلم الإنسان لكي يثري طلبة هذه الكليات بثرائه الفكري والإنساني الكبير الذي كونهما من خلال سفرياته ورحلاته العديدة حول العالم
وبالرغم من تعدد المدن والدول التي يحبها وخاصة مدينة شفشاون المغربية التي يحبها نظرآ لقرب تضاريسها من تضاريس مدينته الموصل في الشمال العراقي. وبالرغم من حبه الشديد لهذه المدينة المغربية الجميلة
ولكن (مصر أم الدنيا) تحتل عنده مكانة كبيرة جدآ وحب شديد،
فلم يبالغ حينما يقول أننا تربينا كأجيال متتابعة علي أيدي الثقافة
والفن المصري منذ نعومة أظافرنا ، بعض أساتذتنا الجامعيين المصريين الذين درسوا لنا في كلية الآداب جامعة بغداد وأثروا فينا تأثيرآ كبيرآ بعلمهم وثرائهم الأكاديمي فلقد قرأنا من خلال هؤلاء
لعباس محمود العقاد ، وليوسف إدريس، ونجيب محفوظ، ويحي حقي، وطه حسين والمنفلوطي والزيات
وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، إبراهيم ناجي، والبارودي!
بخلاف طبعآ الأفلام المصرية والمسلسلات الكلاسيكية الرائعة التي كانت تحمل رسائل إنسانية عظيمة
فضلآ عن عمالقة الغناء المصري من ام كلثوم وشادية ونجاة وعفاف راضي ومحمد عبد الوهاب وعبدالحليم وهاني شاكر، وعلي الحجار. ولا أبالغ حينما أقول إن الثقافة المصرية والفن المصري هم من شكلوا وجداننا وأرضيتنا الثقافية ونحن في عمر الزهور
= ولع ضيفنا بمسرحية الفرافير =
يري ضيفنا “بدل رفو” أن مسرحية الفرافير ليوسف إدريس من أهم المسرحيات ليس في مصر فحسب بل في العالم أجمع حيث انها تخاطب الإنسان أيًا كان في أي بقعة من العالم ولقد تأثرت بها كثيرآ لدرجة أنني حاولت بمجهود فردي أن أخاطب السفارة المصرية لتحل ضيفآ شرفيآ وتعرض هذه المسرحية الرائعة في فاعليات مدينةالثقافة الأوربية لعام 2003 وكانت مدينة غراتس هي عاصمة الثقافة الإوربية لهذا العام. ولكن وللأسف لم يسعفني الوقت لأن هذه الأمور تتطلب مخاطبات رسمية قبل الفاعليات بوقت كبير من اجل التحضير والسفر وكنت واثق تمام الثقة بأن هذه المسرحية ستقابل بترحاب شديد حيث مشهود ليوسف إدريس براعته في توغله في النفس البشرية وما تموج به من مشاعر واحاسيس مختلفة فهو عبقري في تجسيد هذه المشاعر بأقل مجهود وبإحترافية عالية.
ولقد إستغل بدل رفو في هذه الإحتفالية العالمية في التعريف عن نفسه وعن شعبه وأوصل قضايا شعبه الي دوائرثقافية رفيعة للمجتمع الأوروبي آنذاك
وأطلعهم علي مساهماته الأدبية والشعرية ورحلاته عن قرب
=بدل رفو =
إبن بطوطة الكورد فلقد جاب العالم من أقصاه إلى أقصاه فمن كهوف زاباتا، كهوف الثورة المكسيكية التي قادها زاباتا الثائر ضد الإقطاع هناك وكان شعاره الأرض لمن يزرعها
وإلقاءه محاضرة هناك في معهد مكسيكي في مدينة جولولا عن التسامح الإنساني والتقارب البشري بين كل البشر والشعوب بعد هذه المحاضرة حلّ ضيفآ علي عمدة المدينة بدعوة منه،
مرورآ بعمق الريف الهندي البعيد الذي لم يصل إليه أي سائح قبله في هذه القرى البعيدة جداً ومقابلته بعد ذلك بالأميرة
مهراني حفيدة المهراجا
‘جابهادور’ وأمضي ليليتين في قصر المهراجا حيث تحدث مع الأميره عن شعبه من الكرد ودولته العراقية وإرثهما الحضاري والإنساني.ولقد مر – رفو – على كازاخستان وفوجئ بأن هناك أطيافاً مختلفة من شعبه الكوردي هناك وبأعداد كبيرة.. كل هذه السفريات والرحلات جعلته ذا حس إنساني وإبداعي رفيع فضلاً عن ثرائه الفكري مما ألهم بعضاً من الباحثين أن يكتبوا عنه وعن تنوعه الإبداعي هذا رسائل علمية كالماجستيروضمن اطروحات الدكتوراه وبحوث تخرج طلبة الجامعات!
. وبالرغم من كل تجاربه وسفرياته الدائمة والمتنوعة كان يشتاق دائماً لزيارة أم الدنيا أو المحروسة وهو يعلم تمام العلم بأن هذه الرحلة لها استعدادات خاصة جدآ بخلاف رحلاته السابقة من حيث عامل الوقت وإطالة مدة الرحلة لأنه يعلم تمامآ أن بلد عظيم بحجم مصر لا يجدي معها فترة زمنية قصيرة وهذه المسألة كانت السبب الرئيسي لتأجيل هذه الرحلة عدة مرات لعدم إتساع الوقت عند كل مرة ينوي الرحيل إليها
وأخيرا تهيأت له الظروف بصورة كبيرة وقرر البدء في رحلته الطويلة حيث أمضي بها شهراً كاملاً قائلاً كنت أؤجل سفرياتي إليها لأنني أعرفها حق المعرفةلأستعيض عنها برحلة لدولة أخرى ولكن باغتني الحنين لكي أزورها لكي يتلامس عندي ماكنت أقرأه عن الحارة المصرية من خلال ثلاثية نجيب محفوط وعن أولاد البلد في رائعة أسامة أنور عكاشة في ليالي الحلمية والواقع الحقيقي الذي ألهم هؤلاء المبدعين للتعبير عنه. تمنيت أن أجلس في قهوة الفيشاوي وأتجول في خان الخليلي وأن أشاهد إحدي عجائب الدنيا السبع هرم خوفو وأزور متحف أم كلثوم الذي ابهرني كثيرآ فلقد عشت داخله ذكريات كل اغانيها واستعدت أجمل الذكريات عن مرحلة الشباب وفترة دراستي في جامعة بغداد انبهرت طبعاً بكل هذا ولكن ما أبهرني أكثر هو هذا الشعب المضياف الكريم لم أتخيل وأنا أقيم بمنطقة شعبية في شارع الشيخ ريحان أن يتعرف علىّ معظم الناس بهذه السرعة والبساطة والضحكة الجميلة الصادرة من قلوب طيبة لدرجة أن مذيع بالإذاعة المصرية
ولم يكن بيني وبينه سابق معرفة قد إستضافني بكل بشاشة وترحاب بمنزله بالفعل شعب عظيم!
وبدل رفو ..عنده زخم حضاري عجيب يجعله يعيش متقبلاً ومتأقلماً مع أشد الظروف قسوة وهو مثابر وضاحك
وهذه السمات لا تجدها إلا في شعوب قليلة والتي بداخلها البذرة الحضاربة المتوارثة..- لذا مازال الحديث لبدل رفو – مطلقاً علي هذا الشعب الذي تعرفت عليه سابقآ في كوردستان والعراق وعرفت عنهم أنهم أهل جلد وصبر وتحمل وجد
حتي في أحلك الظروف تجده يحمل في يده طاقة من نور ليستكمل بها الحياة ولن أنسي أبداً تجربتي الإنسانية الرائعة وأنا في منطقة المقابر (القرافة) حيث قضيت هناك ليلتين نمت في حوش المقبره مع عائلة مصرية لا أنسى ابداً بساطتها وحفاوتها الرائعة بى لدرجة أنهم استحلفوني أن أمكث معهم عده أيام أخري وبإلحاح عجيب فلقد آسروني بكرمهم وحبهم للحياة بالرغم أنهم يعيشون مع الأموات في حوش واحد.. فمصر مختلفة تماماً عن أي بلد آخر زرته ففيه عبق الماضي والتاريخ في كل شبر وفي كل ركن من أركانها والقاهرة الإسلامية متحف مفتوح بكامل ثرائه وتنوعه وشموخه إنها حالة خاصة وبصمة خاصة ليس لها نظير. كانت رحلة ممتعة بالنسبة لي بإيجابياتها الكثيرة وسلبياتها
نعم هناك سلبيات كثيرة ولكنها سلبيات طبيعية من بيئة المكان ومصر قادرة علي محو هذه السلبيات بكل بساطة لأن مصر تستحق الأفضل دائما وتتطلع إلي مستقبل مشرق جدير بها. وأفضل ما قمت به هو مشاركة الناس البسيطة والتفاعل معهم فلقد جلست علي المقاهي الشعبية وأكلت الأكلات الشعبية المصرية الشهيرة في منطقة السيدة زينب وتناولت هناك أطعم وألذ طبق زبادي في العالم بأسره حيث كان موضوعاً في كأس من الفخار وأصبحت مدمناً له في تلك الفترة ففي هذه الأحياء البسيطة أشعر براحة غريبة حيث هناك كل شئ حقيقي وبلا تزييف والتقرب للإنسان هناك أسهل مايكون لذا فأنا أهتم جداً _ بسياحة الإنسان _
هذه هي السياحة العادلة والطبيعية بعيدا عن حياة الفنادق والبرامج السياحية المحددة ولكن سياحة الإنسان هي عندي السياحة الأفضل والأهم
كانت بانسبة لي رحلة مصورة صورتها في مخيلتي وأثبتها علي ارض الواقع علي ارض الحضارة والإنسان البسيط علي ارض تعتبر متحفآ مفتوحآ بكل ثراء وتنوع حتي افردت لمصر ولرحلاتي إليها مساحة كبيرة تتناسب مع شموخها وثرائها الحضاري الكبير حطث ذكرتها في كتابي العالم بعيون كردية.. وكتابي الآخر مصر بلد الحضارة.ولقد كنت علي موعد مع أواخر العام الماضي قناة النيل الثقافية المصرية لأتناول في برنامج لها عن رحلاتي الي مصر وانطباعاتي عنها ولكن وللأسف أزمة كورونا العالمية حالت بيني وبين اللقاء والذهاب مرة أخري الي مصر.. معشوقتي